[email protected] ** أخيراً..أي بعد شهرين من صراخ الأهل هناك و ضجيج الصحافة هنا، وبعد أن تجاوز حجم الضحايا (115 مرحوماً)، وحجم الإصابة (458 مريضاً)، تحتفي وزارة الصحة الإتحادية - وتبشر ما تبقى من الناس هناك - بوصول الأمصال المضادة للحمى الصفراء بولايات دارفور..لسان حال الوزارة - وهي تحتفي بالأمصال وتبشر الناس - لايختلف كثيراً عن لسان حال المحامي الذي ضحك عندما حكم القاضي على موكله بالإعدام شنقاً حتى الموت، فسأله المدان بدهشة (كمان بتضحك؟)، فرد عليه بمنتهى الثقة : (علي الطلاق لو ما أنا مولانا ده كان قطعك حتة حتة)..والوزارة أيضاً سعيدة لحد الإحتفاء بخبر وصول الأمصال بعد أن بلغ حجم المأساة تلك الإحصائيات، وربما لسان حالها وهي تحتفي : (علي الطلاق لو ما أمصالنا دي، دارفور ماكان يفضل فيها إلا شيخ كبر) ..!! ** وللوزارة حق الإحتفاء، فالأصل في النهج الحاكم بالسودان ليس وقاية الناس والبلد من الكوارث ، سياسية كانت أو صحية، بل الأصل هو إستقبال الكوارث بأريحية وترحاب ثم الجلوس على آثارها وموتاها ومرضاها بمنتهى الغباء القائل: (كويسة إنها جات على كدة)، أوهكذا يتم دفن التقاعس والإهمال والفساد و سوء الإدارة في بلادنا ..فليحدثنا أبناء بلادنا بأمريكا عن الإعصار الأخير، عسى ولعل تتعلم أجهزة الدولة هنا كيفية التعامل مع الكوارث والطوارئ؟..فليحدثونا عن كيفية التحسب للأزمات مجابهة هناك، وعن الوقاية، وعن إدارة الأزمة ، وعن غرف العمليات، وعن تكامل السلطات ورشاقة أجهزتها، وعن حماية المتأثرين، وعن تعويضاتهم، وعن دموع أوباما..، و..، وعن ..،وعن (قيمة الإنسان هناك)، ومعنى أن يكون (المسؤول مسؤولاً)..!! ** وكذلك فليحدثنا أبناء بلادنا بمصر عن رد فعل أجهزة الدولة هناك حين لقى (51 طفلاً) حتفهم في حادث (قطار أسيوط)..فليحدثونا عن إستقالة وزير النقل بعد الحادث مباشرة ؟، وإستقالة مدير أمن أسيوط بعده ؟، و عن مدير السكك الحديدية الذي سبقهم في سباق الإستقالة؟..فليحدثونا عن (قيمة الإنسان في مصر الثورة)، وكيف ترغم تلك القيمة المسؤولين على محاسبة أنفسهم بالإستقالة قبل أن تحاسبهم أجهزة الدولة المحاسبية بالإقالة؟..هكذا الإحساس بعظمة المسؤولية، ثم الإحساس ب(وخزات الضمير)..ولكن هنا تتظاهر السياسة ويبتهج ساستها في الساحات والقاعات في مهرجان الحركة الإسلامية، ولاتتحرك الإنسانية والمسؤولية والضمائر في نفوسهم عندما تحصد الحمى مائة روحاً وترهق أربعمائة أخرى.. ولو تحركت لما بلغ عمر الوباء شهراً وآخر، ولما واصل مسؤولاً عن صحة الأهل بدارفور- مركزياً كان أو ولائياً - عمله في العمل العام يوماً.. ولكنهم يعملون - في غفلة الضمائر ويقظة الأنانية - وكأنهم غير مسؤولين عن موتى الحمى ومرضاها.. ما جدوى السياسة والسياسي حين يغضا طرفهما عن (قيمة المواطن ) ..؟؟ ** لم - ولن - يحدث شئ في ولايات دارفور ولا في مركز السودان المسؤول عن تلك الولايات، أي مات البعض ومرض البعض الآخر،و(جبنا الأمصال، وخلاص ). وبالمناسبة، لقد كذبت الوزارة حين قالت لصحف البارحة ( إستوردنا 800 الف من الكمية المطلوبة)، هذا الحديث غير صحيح..ليس في طول وعرضها غير ( 8 الف زجاجة)، وليس ( 800 الف )، علماً بأن الكمية المطلوبة (1.500,000 )، فلماذا الكذب على الناس والنفاق على البلد ؟.. مناطق الوباء بحاجة ( مليون ونصف المليون)، ومخازن هيئة الإمدادات لم يكن بها غير ( 8 الاف فقط لاغير)، وإلى يومنا هذا وساعتنا هذه - التاسعة مساء الأثنين- لم يصل أي مصل من خارج البلاد ، فلماذا خداع الرأي العام ؟.. ومع ذلك، لن يُحاسب وزير الصحة ولا وزير الدولة بالصحة ولا وكيل الصحة عن لامبالاة تجاوز حدها الشهرين صمتاً وسكوناً.. ولن يُحاسب مدير هيئة الإمدادات الطبية عن لامبالاة بلغت حد خلو مخازنها من الأمصال، بحيث تفاجأت بالوباء ثم تحركت بعد أن حصدهم الموت والمرض..ولن يُحاسب ولاة دارفور ووزرائها عن لامسؤولية بلغت حد الإنشغال بمؤتمرات الحركة الإسلامية في ذات الأيام والأسابيع التي كان يدفن فيها الأهل هناك موتاهم في الوديان والأرياف المنسية..لن يحاسبهم أحد بالإقالة، ولن يحاسبوا أنفسهم بالإستقالة، إذ قيمة مناصبهم وحركتهم المسماة بالإسلامية لاتزال أغلى في نفوسهم من ( قيمة المواطن السوداني) ..!!