شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    إلى متى يستمر هذا الوضع (الشاذ)..؟!    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من كتاب : المثقف وعقدة العصاب الأيديولوجي القهري : عبد الوهاب الأفندي نموذجاً (3)
نشر في الراكوبة يوم 17 - 12 - 2012


[email protected]
حروب عادلة
* " يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية ، أو ميتافيزيقيا ، بحد السيف إن لزم الأمر..
يجب أن نقاتل من أجل التنوع ، إن كان علينا أن نقاتل..
إن التماثل النمطي كئيب كآبة بيضة منحوتة. "
لورنس دوريل
رباعية الإسكندرية/ الجزء الثاني- بلتازار
أوامر سماوية بالقتل
*"نحن لم نذهب إلى الفلبين بهدف احتلالها ، ولكن المسألة أن السيد المسيح زارني في المنام ، وطلب مني أن نتصرف كأمريكيين ونذهب إلى الفلبين لكي نجعل شعبها يتمتع بالحضارة "
الرئيس الأمريكي ويليام ماكينلي
يخاطب شعبه عام 1898م مبررا غزو الفلبين.
الأنظمة التسلطية وصناعة الفتن الأهلية
وعلى عكس مما قد يظنه أي واهم ، فان هذا لم يكن سوى الوجه الأقل قيمة وأهمية "لكرت" الفزاعة والتخويف ، الذي ظلت تلعبه الأنظمة السلطوية المتسلطة لتكريس هيمنتها ، ذلك ، إن الوجه الأخطر منه يتمثل في زرع وتأجيج نار الفتنة وعدم الثقة بين مجتمعات بلدانها ، وإثارة النعرات القبلية والطائفية والعرقية بين مواطنيها ، لتصبح "السلطة المركزية" الحاكمة والمتحكمة في الدولة ، من ثم ، هي القاسم المشترك الأعظم بينهم ، وصمام الأمان الوحيد لدرء خطر الفتنة ، و الحؤول دون النزاعات الأهلية التي يبدو خطرها محدقاً بهم دوماً ، يتربصهم .
لقد قاسينا نحن في السودان من الآثار المدمرة لسياسة (فرق ، تسد) هذه مع الحكومات التي ظلت تتداول الحكم في السودان، على مختلف أنواع الحكم ، ديمقراطية سواء كانت هذه الحكومات ، أم شمولية (عسكرية ومدنية) ، منذ الاستقلال والى يومنا هذا ،ولم يعد خافيا على أحد مدى وعمق تورط الأنظمة الحاكمة ومؤسساتها الأمنية في إشعال نيران الفتن بين المجموعات الاثنية المتجاورة واستغلالها النزاعات التي تنشب بسبب الصراع على الأراضي ومصادر المياه والمراعي وما إلى ذلك من نزاعات ، ظلت الإدارات الأهلية القبلية تحلها بطرق ودية ، ووفق الأعراف الموضوعة بينهم لألآف السنين قبل صعود النخب الوطنية إلى سدة الحكم ، وعبر وقائع معروفة ومشهودة .
كما لم يعد أحدا يجهل تورط الحكومات السودانية(مدنية وعسكرية) في تسليح بعض القبائل ضد بعضها البعض ، ففي عهد الديمقراطية الثالثة (1985 – 1989م) ما قبل انقلاب البشير ، لا يزال الناس يذكرون مذبحة الضعين التي أهرق في الكتابة عنها حبر كثير ، وإن لم يضاهي ما أهرق فيها من دم ، وكان من المألوف أن تستعين الحكومات بالقبائل في مناطق التماس ضد بعضها البعض لبسط الأمن ، أو لفرض سلطتها على القبائل المتمردة على سلطة الدولة – بالنسبة للحكومات – ، كما كانت الأحزاب تفعل الشيء نفسه لدعم ومؤازرة القبائل التي تتبع لها تقليديا ضد القبائل المتنازعة معها ، أو لبسط نفوذها الحزبي ، أو لخلخلة التوازنات في الدوائر الانتخابية بالمنطقة المعنية لمصلحتها.
أما عن عهد الإنقاذ منذ انقلاب يونيو (– 1989م) فحدث ولا حرج، حيث انتقلت فظائع النظام في التحريض على العنف والإبادة الجماعية والتطهير العرقي إلى الأروقة الدولية ، بتهم تتجاوز التحريض على الفتنة ، إلى الاشتراك ، عبر كبار المسؤوليين التنفيذيين وأجهزة الدولة الرسمية ، في هذه العمليات الإجرامية بالتنسيق الكامل مع المليشيات القبلية التي تدعمها الدولة تسليحيا ولوجستيا .
فقد وجهت المحكمة الجنائية الدولية لوزير الدولة بوزارة الداخلية السابق وزير الدولة للشؤون الإنسانية حاليا أحمد هارون وعلي كوشيب "القائد بمليشيات الجنجويد اتهامات بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب" في دارفور بين عامي 2003 و2004. وطلب أوكامبو من المحكمة إصدار مذكرتي اعتقال بحقهما، وقد رفضت الحكومة السودانية محاكمة أي سوداني خارج بلده حتى وإن كان متمردًا ، وقامت بإحالة بعض العسكريين إلى القضاء لاتهامهم باقتراف جرائم في دارفور، منها قتل مواطنين وحرق قرى. إلا أن البشير مقسما بالثلاث أعلن بعد أسبوع بأنه لن يسلم أي سوداني لمحاكمته في الخارج ، وعوضا عن ذلك أعلنت الحكومة بأن علي كوشيب سيمثل أمام المحكمة الجزائية الخاصة في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، إلى جانب النقيب في الجيش حمدي شرف وشخص ثالث يدعى عبد الرحمن داود ، وفي 2/5/2007م أصدر القضاة في المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق كل من هارون وكوشيب ، وتضمنت لائحة الاتهام 51 جريمة ضد الإنسانية، وجرائم حرب ، بينها الاضطهاد والقتل والتعذيب والاغتصاب ، وبعد (12يوما) ، وجه أوكامبو اتهاما رسميا للبشير بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دارفور، وطلب من قضاة المحكمة إصدار مذكرة لاعتقاله .
وفي جنوب السودان لعبت الإنقاذ بكرت الفتنة إلى نهاياته القصوى ، فقامت بتديين صراعها مع معارضيها(حلفاء اليوم!) معلنة الجهاد المقدس في سبيل العقيدة ، لتشعلها حربا دينية في الجنوب فقد فيها أكثر من مليوني إنسان ، كانت سلطات النظام فيها تختطف الشباب اليافعين من الشوارع ، وتترصدهم بنقاط الشرطة العسكرية لتفتيش في المركبات العامة ، ليتم شحنهم بعد تدريب أسبوع في معسكرات مغلقة دون علم ذويهم ، إلى أحراش غابات الجنوب ، ويتم تجييش شباب الجامعات بإثارة حميتهم الدينية باسم الجهاد ، لتعود – من عادت – جثثهم مزفوفة بالزغاريد والتهليل وطلقات الكلاشنكوف ، وحافلة تحمل (لأهل الشهيد) شيء من جوالات القمح والسكر والزيت وسلع تموينية أخرى ، هي (مكافأة) شهادة الشهيد في الدنيا ، أما مكافأته في الآخرة فقد ضمنها (الشيخ) الترابي بالجنة التي دخلوها تلك السنوات زرافا ، ثم يتم عقد قرانهم على حور الجنة العين في (الساحة الخضراء) جنوب مطار الخرطوم !.
إلا أن نظام الإنقاذ الاسلاموي لم يكتف بإثارة الفتنة الدينية بين المواطنين في شمال وجنوب السودان فحسب ، بل مارس هذه اللعبة أيضا بين الجنوبيين ، حتى بعد أن أعلنوا انحيازهم لخيار الانفصال عن السودان و(فرزوا عيشتهم) ، حيث لاحقهم دعاة الفتنة هؤلاء في (حوشهم) حيث دأبت حكومة الإنقاذ على زعزعة الأمن والاستقرار هناك عبر عملائها من أعضاء الحزب وأجهزة الأمن ، بل وعبر تسليح وتأمين الدعم اللوجيستي لمعارضي حكومة الجنوب التي هم حلفاؤها في الحكم ، كما قامت أكثر من مرة باللعب على حبل النزاعات القبلية في الجنوب ، تغذيها وتشعل نيرانها ، وإذا كانت فضيحة دعمها وتسليحها لمليشيات جورج أطور هي الأخيرة في سلسة فضائحها ، فقد سبقتها اعترافات أسرى حكومة الجنوب واعترافات من انشقوا عن مليشيات لام أكول وقلواك قاي وغيرهم والتحقوا بالحركة الشعبية .
ليست حكومة الإنقاذ الاسلاموية وحدها من يلعب ورقة الفتنة بين المواطنين لدعم بقاؤه في السلطة ، فها بعد نجاح الثورة المصرية يفتضح ضلوع الأجهزة المصرية في صنع (الفتنة الطائفية) بها ، كما رأينا الحزب الدستوري التونسي والأجهزة الأمنية لنظام (بن علي) تحرض على أعمال النهب والتخريب إثر فرار رئيسها ، وها نحن نرى القذافي في سبيل الحفاظ على عرشه – الذي لم يزهد فيه بعد (42عاما) – يحاول عبثا أن يثير مخاوف الليبيين من خطر الحروب القبلية في حال ذهابه ، بينما هو يغذيها – هذه الفتن القبلية – وينفخ نارها ، بينما لم يكف علي عبدالله صالح عن توظيف الاختلافات المذهبية (شيعة وسنة) ، والجهوية (جنوب وشمال) ، والقبلية ، لتركيز ودعم شرعية بقاءه في الحكم لأكثر من ثلاثين عاما ، في الوقت الذي يحذر فيه من اشتعالها إذا ما هو تنحى عن الحكم .
ليتضح لنا ، من بعد كل ما ذكرنا الآن ، وبما لا يدع مجالا للشك بأن الفتنة الطائفية والقبلية في هذه المجتمعات انما هي صناعة سياسية ، تطبخها وتتقن صنعها الأنظمة الحاكمة ، وتشرف على تنفيذها الأجهزة والجهات الرسمية التي يفترض أنها تحول دونها.
فالي جانب من يمكنك أن تصنّف المثقف الذي يستخدمها ويوظفها للتخويف من الثورة والتغيير الجذري ؟.
هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى ، فإن التهديد بالمآلات الصومالية للتغيير الجذري يضع قوى التغيير أمام خيارين لا ثالث لهما :
إما ركوب مخاطر مغامرة التغيير مع تحمل نتائج الصوملة وتمزيق كيان الدولة.
وإما "الواقعية" ، التي تعني – ضمن أشياء عدة – القبول بالحد الأدنى من التنازلات من طرف السلطة التي تستأثر بكل شيء ، بغرض الحفاظ على كيان الدولة .
هذا الكيان الذي يعني تمزقه و"صوملته" للجميع خسارة كل شيء !!.
ماورائيات التفكير السياسي
وكما ترى ، فان حصر مهمة التغيير على الحكومة والمعارضة والنخبة الثقافية قد أدخل صاحبنا الأفندي في نفق التناقض الذي لا مخرج منه هذا .
ولكن لا يذهبن بك الظن انه سقط في هذا الفخ على غفلة منه ، أو لقصور في الوعي ، أو لضعف في ملكة التفكير أو التحليل ، ولكنه مضطر لأن يسلك هذا المسار الفكري ، يشده إلى ذلك عصاب أيديولوجي قهري ، يجعله يجهد فكره و يتلمس كافة الوسائل للدفاع عن خطوط إستراتيجية ، عقائدية ، بمعنى الكلمة .
ولا تدري هنا : هل الفكرة هي التي ماورائية حتى تحتمل كل هذه الحربائية في المداخل المفتوحة و الاحتمالات التأويلية المتعددة ؟.
أم أن الفكرة واقعية موضوعية وذات بنية مرنة ، إلا أن التفكير هو الماورائي ، ليكون على هذا القدر من التصلب والرؤية الأحادية ؟!.
البعد الغيبي أو الماورائي في هذا النوع من التفكير السياسي يتأكد لك ويبدو واضحا في عريّه ، حين تحاول أن تتفحص واقع القوى الاجتماعية التي يراهن عليها الأفندي وغيره من محاربي "المعاش" السياسي/المؤدلج ، لإحداث حركة التغيير السياسي والاجتماعي الجذري المطلوب .
ولقد قام هو بنفسه بعملية "جردة" تقييمية سريعة لهذه القوى ومدى قدرتها على النهوض بهذه المهمة التاريخية ، خلص منها – كما رأينا قبل – إلى أن :
1/ الحكومة غير راغبة ولا قادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة لتحقيق الاستقرار
2/ المعارضة غير قادرة على قيادة التغيير
3/ النخبة المثقفة عاجزة وعازفة عن أداء دورها .
ولكنا نرى بأن طرح المسألة على هذا النحو ، قاصر ، إن لم نقل مضلل ، بل هو – في رأينا – أنسب المداخل الغيبية الماورائيّة لمقاربة الظواهر السياسية وتحليلها ، فالوصول إلى محطة "التقرير" النهائي والقطعي الجازم حول أهلية هذه القوى الاجتماعية أو تلك ، وقدرتها ، ورغبتها ، وكفاءتها ، أو عدمها ، يأتي لاحقا بعد الفحص ألمختبري والكشف السريري عليها ، وهذا شيء بديهي وبسيط ومبتذل في بساطته : أن يأتي التشخيص أولا ومن ثم التقرير حول الحالة .
إذن فان السؤال المحوري الذي كان ينبغي أن يطرحه الأفندي بداهة هو:
كيف ، ولماذا ، هي غير راغبة ، وغير قادرة على إحداث أو قيادة التغيير وطرح البديل ؟.
إلا أن عقدة العصاب الأيديولوجي تحول دون طرحه هذا السؤال ، لأنه - أي السؤال – يقع فيما وراء تخوم "غير المفكر فيه" أصلا ، لذا تجده حين يصل إلى نتيجة يائسة من النظام والمعارضة والنخب المفكرة أو سمها المثقفة ، في الخروج من الأزمة ، يصاب ب"بحول" مفاجئ في رؤيته التحليلية . حولا يجعله ينظر ل "المناورة" السياسية التي تهدف للهروب إلى الأمام باعتبارها "فرصة ضائعة" كانت كفيلة بحل المشكلة .
وتجده، من ثم ،يسهب في تعداد هذه الفرص المتوهمة والتي لا يمكن أن ينخدع أقل الناس ذكاء في إدراك طبيعتها كمناورات سياسية انتهازية واضحة ومكشوفة .
حتى ليساورك الشك في أن معارضي النظام (شماليين وجنوبيين) ربما كانوا على علم بطبيعة هذه المناورات ، إلا أنهم كانوا من الخبث والدهاء لدرجة الاستغباء ومسايرة أهل الحكم وإيهامهم بأن اللعبة قد انطلت عليهم ، جريا على المثل الشعبي الكردفاني القائل (البيتفولح لك اتالف لو) ، أي تغابى و تباله لمن يتذاكى عليك ، وبالطبع فان القيمة الإستراتيجية لهذا السلوك هي انك تُعري عدوك من كافة حيله ،وتجعله يلف الحبل حول عنقه ، هذا من ناحية .ثم انك بذلك تتركه يتخبط في ظلام حيله المكشوفة لك ,وجهله بك ،بعيدا عن ما تفكر فيه ، وما يمكنك أن تفعله ، أو ما تنوي فعله من ناحية أخرى .
ومن هذه "الفرص الضائعة" يذكر : " تطورات إيجابية عدة، منها سبيل المثال، توقيع اتفاقية سلام جزئية مع فصائل جنوبية عام 1997، كان من مزاياها الاستجابة (على الورق على الأقل) لكل مطالب الجنوب المهمة في الحكم الإقليمي وحق تقرير المصير والمشاركة في السلطة. وعلى أساس هذه الاتفاقية تمت صياغة دستور عام 1998 الذي أتاح قدراً أكبر من الحريات، خاصة في مجال الإعلام وتشكيل الأحزاب. وفي عام 1999 تم توقيع اتفاقية جيبوتي مع حزب الأمة، وهو نفس العام الذي شهد بدء تصدير النفط، وهو تطور كان من المنتظر أن ينعكس إيجابياً على تسريع التنمية في المناطق المهمشة وتحسين الخدمات للمواطن. ورغم أن الانشقاق الذي وقع في نهاية عام 1999 في أعلى هرم السلطة كانت له تأثيراته السلبية، خاصة في مجال الحريات، إلا أنه أدى إلى انفراج في علاقات السودان الخارجية، مما ساهم بدوره في دفع مبادرات تحقيق السلام في الجنوب، وإبرام اتفاقيات مشاكوس عام 2002 ثم نيفاشا عام 2005.
"وقد مثلت هذه الاتفاقيات ،على ما شابها من نواقص، فتحاً مهماً على الطريق الإصلاحي المنشود، خاصة عندما شفعت باتفاقيات مع حزب الأمة ثم مع التجمع الديمقراطي، ثم اتفاقية أبوجا عام 2006 حول دارفور وأخيراً اتفاق السلام في الشرق " (10) .
وفي الواقع فان كل ما ذكره – كما يمكن أن يدرك ذلك أي شخص – إنما كان مجرد مناورات سياسية ، لم يكن الغرض منها تحقيق السلام ،أو التوصل إلى أي تسوية سياسية حقيقية ، هندس هذه المبادرات الانقاذيون ، وشارك فيها – ككومبارس – قادة الأحزاب الذين يتفقون معهم ، إما على مستوى الأيديولوجية ، وإما على مستوى المصالح .
إذن فقد قد طاش سهم الدكتور (في الفاضي) كما ترى ، وخاب رهان مسعاه الإصلاحي في أحزاب الحكومة والمعارضة معا ، وهو يعلنها في ذات المقال صريحة بقوله " حينما بدأنا الدعوة العلنية للإصلاح عبر نشر كتاب "الثورة والإصلاح السياسي في السودان" في عام 1995، كنا قد وصلنا سلفاً إلى نقطة القناعة باستحالة تحقيق أي إصلاح ذي معنى عبر قنوات الحوار الداخلية المتاحة، وعدم إدراك من بيدهم الأمر لخطورة الوضع أو اعترافهم بخطأ المسار. ولهذا قررنا توسيع دائرة الحوار بغرض إشراك أكبر عدد من المواطنين المعنيين للمساهمة في النقاش وبالتالي الضغط باتجاه الإصلاح " (11).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.