تراسيم - قمة التنازلات الصعبة..!! عبد الباقى الظافر في أغسطس 1988 أعلن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران قبوله بوقف إطلاق النار في حربه مع العراق.. الإمام الخميني وصف ذاك الموقف بتجرع السم الزعاف.. في ذاك الوقت الأخبار لم تكن جيدة للإيرانيين الذين فقدوا زمام المبادرة.. في منتصف ذات العام تمكنت الجيوش العراقية في عملية «توكلنا على الله» من تحرير جزيرة الفاو وتكبيد الإيرانيين خمسين ألف قتيل.. الحرب التي بدأها صدام ورآها مجرد نزهة قصيرة كلفت البلدين نقصاً كبيراً في الأنفس والثمرات قدر بمليون قتيل وأربعمائة مليار دولار من الخسائر في البنيات التحتية. حملت أخبار الأسبوع المنصرم فشل أحدث جولة من المفاوضات بين السودان ودولة جنوب السودان.. العاصمتان أصدرتا بيانات تتنصل من وصمة الفشل وكل دولة ترمي أختها بالمسؤولية.. من حسن الحظ أن الأمل مازال قائماً في القمة الرئاسية المرتقبة بعد الغد في أديس أبابا.. تفاصيل الخلافات انحصرت في بندي الأمن والحدود. النظر إلى الأرض تحت قدمي المشير البشير والفريق سلفاكير مفيد في قراءة مؤشر التوقعات.. جنوب السودان في وضع كارثي بسبب توقف صادراته النفطية والتي تمثل 98% من جملة إيراداته من العملات الصعبة.. عدم حسم ملف القضايا الحدودية العالقة يهدد بهز عرش سلفاكير من قبل عشيرته الأقربين من دينكا نوك ودينكا ملوال.. توتر علاقته بالمحاربين السابقين في الجيش الشعبي الموسوم بقطاع الشمال يقلل من قبضته على مفاصل السلطة العسكرية. في السودان الوضع أفضل حالاً.. القرض المصرفي الصيني البالغ مليار ونصف دولار بالإضافة لعائدات الذهب تجعل الخرطوم نسبياً بعيدة عن مناخات الربيع العربي في دول الجوار.. المشكلة أن الاعتماد على المواقف الصينية كان رهاناً غير موفق.. الصين لم تستخدم نفوذها الحاسم في مجلس الأمن لمصلحة السودان فيما كان «الفيتو» الصيني حاضراً في الملف الزمبابوي والسوري.. بعد توقف ضخ النفط الجنوبي أوقفت الصين الصرف على قرض ضخم مخصص لتشييد مشاريع إستراتيجية في السودان.. حتى الذهب الذي كان بعيداً عن الصراع العسكري في السودان باتت بعض حقوله كما في جبل عامر أرض معارك بين القبائل.. أكبر نقطة ضعف للحكومة السودانية أن تم تدويل ملف النزاع وبات تحت بصر مجلس الأمن الدولي.. الخرطوم تدرك ضعف حيلتها في نيويورك. قراءة الأوضاع في جوباوالخرطوم تؤكد أن البلدين في حاجة ماسة للتسوية القائمة على مبدأ التنازلات.. المعادلة تقول إن الخرطوم لن تسمح لجوبا بإعادة تصدير النفط قبل أن تفض ارتباطها بقطاع الشمال.. ذات المعادلة تقول إن الجنرال سلفاكير بحاجة إلى صديق من العسكر أو القبيلة.. التسوية تعتمد على أن تقدم الخرطوم تنازلات في الحدود عبر السماح بتقرير مصير أبيي عبر استفتاء نزيه مقابل أن تفض جوبا تحالفها العاطفي مع قطاع الشمال. الخلفية العسكرية للرئيسين تجعلهما قادرين على قراءة الميدان ثم اتخاذ القرارات الصعبة. اخر لحظة