الحلقة الأخيرة خلصت فى الحلقة الاولى عن هذه الظاهرة التى ارتبطت برحمة الله عليه الفنان محمود عبدالعزيز والتى تمثلت فى الكتل الجماهيرية التى طوقت كل طرق الخرطوم بحرى والخرطوم والتى زحف الالاف منهم مشيا حتى مطار الخرطوم والتى صعب حتى على المسئولين ان يحولوا دون اقتحامهم مطار الخرطوم لاستقبال الجثمان والآلاف التى انضمت لهم بعد ذلك لتشييع جثمانه وما صحب ذلك اليوم مما عكسته اجهزة الاعلام التى لم تتخلف عنها قناة او اذاعة محلية وخارجية خلصت إلى إن هذه الظاهرة لا يمكن اختزالها فى توجيه الانتقادات الحادة لهذه الكتل من البشر والتقليل من شانها ودوافعها ومبرراتها والتهرب من مواجهة هذه الظاهرة بما تستحقه من دراسة بوصفها تعبيرا عن سوء سلوك شبابى وهذا فى تقديرى الشخصى هروب من مواجهة الحقيقة لمعرفة كيف يحظى الحوت بهذه المكانة الرفيعة من ذات الشباب الذى لا يقيم لكل زعمائنا او من يدعون انهم زعماء فى شتى المجالات بالرغم من الزخم الذي يحيطون به أنفسهم ومع ذلك يعانون من عزوف الشباب من اى ارتباط بهم ان لم يكن كرهاً لهم. مجموعة من الاسئلة الهامة التى يتعين عليهم ان يبحثوا اجابتها فى شجاعة وبكل شفافية: اولا على القوى السياسية حاكمة ومعارضة ان تفسر لنا لماذا يقف منها الشباب هذا الموقف وتعجز عن استقطابه بإرادته الحرة ولماذا لا يصدقها هذا الشباب ولا يثق فيها, ثانيا على مستوى الفن لماذا لم يتمتع اى فنان بهذه الشعبية التي تمتع بها الحوت والتي بلا شك تتعدى الفن لما هو اكبر منه وإلا لحظى بذات المكانة من هم اكثر فنا منه او لا يقلون عنه ثالثا حتى زعماء الطرق الصوفية والذين تسابقوا نحو الجموع التى احتشدت له ومن اجله منذ اعلان حالته الصحية حتى رحيله لتعبر وتفاخر بانتمائه اليها رابعا رجال البر والإحسان والذين منهم كثر قدموا بلا شك اكثر مما قدم هو عبر منظماتهم ومؤسساتهم الخيرية فلماذا لم يحظوا من العشق والحب ما حظى به الحوت وغير هذا كثير من الاسئلة التى لا يجدى الهرب منها باتهام الشباب بأنه منحرف للتقليل منها كظاهرة تستحق ان يستخلصوا منها العبر بادعاءات وهمية يطلقونها لإقناع انفسهم بجماهيريتهم لثقتهم الزائفة فى انفسهم فالحوت تخطى كل هذا والكتل الجماهيرية التي ارتبطت به من الشباب لابد انها وجدت فيه ما لم تجده فيهم. رضوا ام ابوا ولهذا يتعين عليهم ان يقفوا امام الاسباب الحقيقة لهذه الظاهرة لتكون درسا وعبرة لهم ان ارادوا كسب ود هذا الشباب وعشقه. فالحقيقة وان كانت مرة فالشباب يعيش فى عزلة تامة عنهم من مختلف فئاتهم وقطاعاتهم وذلك لأنهم لا يستحقون ثقته فالشباب تطحنه المعاناة ويعيش ظروفا قاسية سياسيا (على كل الجبهات) واقتصاديا واجتماعيا ولا يلمس من كافة فئاتهم المتصارعة على السلطة غير التجاهل بهمومه ومصيره المظلم بسب الاخفاق الذى يسألون عنه عبر المسيرة التاريخية من الحكم الوطنى مدنياً أو عسكرياً ليصبح الشباب أسير همومه فاقدا الثقة فى كل قياداته وأدعياء الزعامة لا يعرف ماضيا لهم يطمع فى عودته ولا حاضراً يضع آماله عليه هذا إذا لم يكن الأمل فى مستقبلهم مسدود أمامهم وهم بصراعاتهم يحبسوه فى غرفة مظلمة مجهولة المصير تحت هذه الظروف اخترق الحوت هذا الواقع وهو واحد منهم ليقدم نفسه نموذجاً يحمل الصفات التى يتطلعون اليها فأشبعهم فناً يعبر عن همومهم وقضاياهم وقضى حاجتهم بقدر ما يستطيع ولكن دون امتنان عليهم بل ودون ان يفصح عن ما يقدمه لهم كما إن من استهوته الصوفية وجده بجانبه يشبع رغبته ومن حرص على وحدة وطنه وجده رمزا لهذه الوحدة ومن اراد له أن يقضى حاجته قدمها له بيمينه ورفض ليساره ان تعرف ما قدمته يمينه وبينما سعى من هم دونه مكانة للتقرب من السلطة والمال كان هو انسانا متواضعا يسعى للتقرب من المساكين المحبطين ليجدوا فيه اخا صادق النوايا لهم جميعا دون تمييز او فرز يجدونه فى مقدمة الصفوف عند الحاجة فى الجامعات ووسط المعاقين بل والمتسولين من الذين لفظهم المجتمع فى الطرقات وقبل كل هذا كان فى مقدمة من يحملون همومهم الوطنية بلا تبعية لأي جهة يغرس فيهم الحب والولاء للوطن يدعوهم للتكاتف من أجله حتى أصبح لهم شعاراً له علاماته المميزة لا يفرق بينهم بسبب جهوية أو عنصرية كلهم سواء عنده داره مفتوحة لهم بلا فرز وفنه متاحا دعما لهم. إذن كان الحوت شخصية نادرة لهذا لم يكن غريبا ان يصبح رقما مميزا فى حياتهم من مختلف فئاتهم متواضعا وإنسانا قبل أن يكون نجما يترفع عنهم رغم مكانته. كان محمود كل هذا وأكثر ولو ان ما حكاه عنه احبابه طوال ايام مأتمه تم تسجيله وتوثيقه لاحتاج مجلدات تحكى عن هذه الشخصية الذى تجسدت فيها اهم مبادئ الإسلام (الدين المعاملة) فكان هو الترجمة الصادقة لأفضل مبدأ نادى به الإسلام ولهذا استحق محبة هذه الكتل الجماهيرية ولان المجال لا يسع هنا ان اورد بعض ما التقطته شخصيا من إفادات في صيوان العزاء إلا أنى اشير لحالات وقفت شاهدا عليها تكشف عن سر هذا الارتباط الروحى بين الحوت وجماهيره . حكى احدهم انه كان حضورا في حفل له ولفرط إعجابه به اندفع نحو المنصة ليعبر له عن حبه عندما اعترض طريقه مسئول امن بالحفل دفعه بقوة وقذف به بعيداً حتى سقط على الارض فما كان من الحوت حسب روايته إلا أن اوقف الغناء وصرخ فى رجل الأمن (جمهوري خط احمر) وتوقف عن الغناء وأخذ مكانه خلف الفرقة وأصر ألا يواصل ما لم يعتذر رجل الامن له وبالفعل اعتذر له وسمح له ان يصعد ويعانق الحوت ووقتها تعالت هتافات الجمهور تحية لمن يحترم جمهوره ولكم ان تروا صدى مثل هذا المسلك على مستوى الشباب. الذى يبحث له عن باقة تقدير ولا يجدها. أما على مستوى الشيوخ فلقد وقف رجل يناهز عمره الثمانين وخاطب من التفوا حول بأعلى صوت وهو ينتحب كالطفل وقال هذا الرجل ولم يقل هذا الفنان خصص له مبلغا من المال شهريا لإعالة اسرته ومضى على هذا الحال لعدة سنوات ولدهشة الحضور قال ان هذا الحوت اقسم له لو انه افشى بهذا الدعم لأي جهة فانه سيوقفه فوراً وهنا أسرف الرجل فى النحيب وقال انه ظل يلتزم بما طالبه به الحوت طوال عشرة سنوات ولكنه الان يعلن هذا الأمر بعد أن أصبح فى حل من التزامه لوفاته. رجل ثالث من المعاقين وكان يتحرك بمقعد وخلفه مجموعة من المعاقين فى العزاء وكان يبكى بأعلى صوته ويردد ( تانى منو البجيب خبرنا يا محمود خليتنا لمنو ياالحوت ) هكذا كان الحوت ولهذا كان جديرا بحب هذه الكتل البشرية فلا تظلموا الشباب ان عزف عن حبه لكم واجب من انتمى اليه روحا وجسدا فنان الغلابة ونصيرهم فأحبوه واخلص لهم فاخلصوا له ورحل الدنيا ولم يترك خلفه إلا قصورا من المحبة والوفاء على مستوى كل ربوع السودان وهذه من نعم الله سبحانه تعالى عليه لأنها نعم لا تزول يوم تتهاوى القصور ويأتي وقت الحساب يا يا يعيش الحوت. هكذا هتفوا له من الاعماق وبلا رياء ويا ربنا أكثر لها البلد أمثال محمود. خارج النص: 1- الشكر لكل من عقب على الحلقة الاولى وتعقيبا على ما أورده الإخوة عزالدين سيد احمد ومحمد طه والزعيم وleenasid بأنه لا توجد مقارنة بين الحوت والبرنس أقول لهم أين الخلاف فأنني لم أقل إن هناك مقارنة بينهم حيث إنني أوضحت إن الحوت أحبه كل الناس ولم تشهد حالته أن من أحبه انقلب عليه وما فات على الإخوة إنني لم أتعرض للبرنس في مقارنة مع الجان ولكنى أوردت حالة البرنس وربطتها بالحوت لأؤكد إن الإبداع في الرياضة والفن يمكن أن يحققان الجماهيرية التي تفشل فى تحقيها المجالات الأخرى وهذا ما تؤكده الحالتان بالرغم من عدم وجود مقارنة بينهما لهذا كان الموضوع لو أمعنوا النظر فيه خاص بالحوت فيما عدا المقدمة لهذا قلت إن حالة محمود ظاهرة لابد من بحثها ولم اقل هذا عن البرنس والذي اعتبرت حالته عادية تستحق الاستنكار رغم إنها أكدت جماهيرية نجوم الكرة ولعلني أعيد لهم ما أوردته في الحلقة الأولى حيث قلت: (ان ظاهرة العشق الذي تمتع بها محمود أو الجان او الحوت كما تعددت القابه ربما لا يشهدها التاريخ بينما ظاهرة البرنس تستحق الاستنكار لعدم توافقها مع طبيعة الرياضة –إلى أن قلت- إن جماهير الحوت غير مستجلبة وغير مسبوقة فى حجمها لهذا لم تكن الحشود نتاج البدعة التى تفشت سياسيا ورياضيا حتى أصبح للحشود سماسرة) 2- شكرا للأخ فيصل الاقرع لتعقيبه والذى قال فيه ان محمود لم يكن اكثر شعبية من فنانين اخرين ابدعوا عددهم بأسمائهم ولكنه يعزى هذا الظاهرة انها ترجع لما شهده تعداد السودان من زيادة كبيرة ولو ان الاخ فيصل اعاد الاطلاع على ما كتبته فى الحلقة الاولى فأنني رفضت ان تعزى هذه الظاهرة لنجوميته الفنية حيث قلت (فالحوت ليس هو اول فنان تعشقه الجماهير ولن يكون الأخير ) إلى أن أقول (إن نجومية الفن وحده مهما بلغت فإنها لا تبلغ هذه الدرجة من العشق) الأمر الذي يعنى إنني لم أعزى هذه الظاهرة لنجوميته فى الفن بل قلت(إذن كان فى الحوت شيئاً لم يكن فى الآخرين ولا بد من دراسة هذا الأمر لمعرفة ماهية هذا الأمر) وهذا ما حاولته من باب الاجتهاد فى الحلقة الثانية.