في بدايات ستينات القرن الماضي وفي منتصف النهار كنا نتحلق حول مكتبه ونحن مجموعة من الشباب , دخل علينا عمنا ورئيسنا في العمل العم بشير المعروف ب" بشير المطمئن " يرحمه الله ، متكدراً وعابساً على غير عادته ورمي على مكتبه بعصبية قطعة من العملة المعدنية من فئة العشرين مليم " فريني " قائلاً : بالله شوفوا الحالة بقت كيف ! يا جماعة تصدقوا الفرينى ده باقي (طراد ة ) (الطرادة تساوى خمسة وعشرين قرش ) وما عملت منها حاجة يا دوب قفة الملاح وما فيها غير نص كيلو لحمة وخضار مع السلطة واثنين كيلو موز بس يعنى الواحد ما عارف بعد كدة يعمل شنو؟ دى حالة دى ! وذى ما انتو شايفين ما باقي غير حق العيش. وبالرغم من ان العم بشير عرف عنه صفة الحلم وسعة الأفق ونقاء السريرة والصبر علي ألمكاره و هي صفات كثير ما عرف به عامة الشعب السوداني من النبل وحسن الخلق في ذلك الزمن الجميل ولكن عمنا بشير بصفة خاصة كان أنساناً متفرداً قنوعا متصالحاً مع نفسة ومع الآخرين متسامحاً رحبا لا يتضجر ولا يتذمر قنوعاً , مطمئناً ، حتى اكتسب هذا اللقب بجدارة , طيب الله ثراه . تذكرت تضجر وشكوى عمنا بشير في ذلك اليوم وأنا أقف إمام الجزار ألذى وزن لي قطع من ( الجلافيط ) والتي تسمى مجازاً لحم والحساب كان عشرات الإلوف ليس ملاليم أو قروش بل جنيهات ! تسأ لت ماذا سيكون شعور عمنا بشير لو عاش في هذا الزمن الغابر؟ ماذا سيكون ردة فعله بالرغم من الصفات الحميدة التي يتصف بها وهى حقيقية وليست مبالغة..!. من المؤسف أن كثير من الصفات الحميدة التي اتسم بها إنسان السودان أن لم تبدأ في الزوال فقد تدنت لحد كبير بفضل نهج الحكم ألظلامي الذي يرزح تحته المواطن و جراء الفساد والإفساد الممارس في كل ركن من أركان الدولة فالوزير تاجر والوالي سمسار!! فماذا تبقي ؟ فمن الطبيعي أن يكون الناتج هذا الانهيار الاقتصادي وما يتبعه من انهيار أخلاقي وهو الحصاد المتوقع لما زرعته الإنقاذ خلال العقدين الماضين من سوء إدارة البلاد وظلم العباد مما أشعل الحروب في أكثر من جهة . بالتأكيد سيعود حتما مناخ ذلك الزمن الجميل , ليس تماماً كما كان , فما ذهب لن يعود ولكن نأمل فى شيء قريباً منه وبالطبع لن يتحقق ذلك ألا بعد زوال الإنقاذ وتوابعها والله قادر علي كل شيء. عثمان غريق [email protected]