في أغلب دول العالم الثالث ..حتى التي تحكم بالديمقراطية يظل الفساد في دوائر الحكم أو الحلقات المقربة منها هو القاعدة .. ويكون أسلوب محاربته أو التصدي له بالقوانين التي تحمي المال العام تطبيقاً لا تنظيراً فقط..هو الاستثناء..! وبالطبع هذا لا يعني أن أكبر دول الديمقراطيات في الغرب ليس فيها فساد من نوع ما.. ولكن الفيصل هنا .. أن لا كبير يمكن أن يفلت من تحييد وضعيته الرسمية توطئة للمساءلة الأولية بعيداً عن مكمن نفوذه ..و التحقيقات تلك قد تفضي الى العقاب المر اذا ما ثبت تورط اياً كان بالقدر الذي يمكن أن يفقد فيه مستقبله السياسي كله ! دولة الجنوب الوليدة لم نتوقع أن يحكمها ملائكة من السماء .. فهى في النهاية خارجة من رحم دولة السودان الفاشلة منذ الاستقلال وغير القادرة على تصريف أمورها في ظل تقلبات نمط حكمها بين ديمقراطية فطيرة متقطعة في ماعون تخميرها الصديء وبين ديكتاتوريات طويلة التيلة تتحجر خيوطها في ثناياها ثوبها القديم المهتريء ..حربا متصلة لم يعقبها سلم ولا عدل ولا تنمية يحس بها المواطن ..في معيشته الطاردة قسراًعن إطار الأخلاق الموروثة..بل المنفرة عن البلاد كلها ! الا أن الخطوة التي إتخذها رئيس تلك الدولة اليافعة .. بالتخلي عن أقرب مساعديه من كبار الوزراء والسياسين الذي ساندوه قبلا ً.. بل ولعله في أشد الحوجة اليهم لمؤازته في مفاصلة الاستحقاق الرئاسي القادم..تعتبرضربة جريئة في مرمي خصومه وهي مثل الكشف المبكر عن سرطان الفساد ، بغض النظر عن دوافع الخلاف وسط تلك العناصر الحاكمة لجوبا والتي ساقها البعض للتقليل من أثر الخطوة التي نعتبرها ايجابية وفي الطريق الصحيح ..إذ ستكون أقل نتائجها إخافة الآخرين أو فضح المزيد من التغول على المال العام في حمى صراعهم وتدافعهم نحو بوابة الخروج من نفق المساءلة قبل أن تضيق عليهم ! وهو ما فشل فيه رئيسنا الذي يتحدث عن محاربة الفساد بتنظير أجوف ، حتى ظننا أنه سيوطد لأطناب خيامه في داخل سور حزبه و مؤسات حكمه المدنية والأمنية والعسكرية ولاقتصادية ودار أسرته..بانشاء وزارة لرعاية وتنمية الفساد .. بدلاً عن المفوضية التي أنشأها صورياً لمحاربته وفشلت في استجواب أصغر مسئؤل.. بينما يعصي الكبار أوامر الرئيس في هذا الشأن في تحدى سافر.. ولعل شائنة رفض الوزير المتعافي مجرد التحقيق لا رفع الحصانة وليس الإقالة وعدم مثول وزير الدفاع للإجابة على اسئلة البرلمان على خجلها.. أكبر دليل ..على أن المولود الجديد في جوبا قد يشب على ثقافة مخالفة ستؤتي أكلها ولو بعد حين لاستئصال شأفة سرطان الفساد جراء كشفها المبكر ..! فيما نحن ليس امامنا الا بتر النظام كله ..لأن الحالة عندنا تجاوزت مرحلة الكشف المبكر وبالتالي لا علاج لها..وما الشافي الا المولى الرحيم.. ولاحول ولا قوة إلا به .. وهو العلي العظيم . محمد عبد الله برقاوي.. [email protected]