بقراءة تاريخ العمل السياسي في السودان بتمعن ودقة يتضح ان البلاد لم تحظ بفرصة ممارسة الديمقراطية وتطبيقها على اسسها الصحيحة ، واذا سلمنا ان عمر العمل السياسي الوطني في البلاد منذ الاستقلال وحتى اليوم يتجاوز ثمانية وخمسون عاماَ فإن الانظمة الاستبدادية قد بلغت مدة هيمنتها على الحكم 47عام والفترات الانتقالية سنتين يصبح المتبقي تسعة سنوات متوزعة على ثلاثة حقب ديمقراطية لم تكن لتكفي لترسيخ مفاهيم العمل السياسي الديمقراطي ...... واذا اخذنا الامر بعقل خالي من دسم الفكر الشمولي فاننا سنرى الحقيقة ناصعة بيضاء دون عتم او تغبيش .... ولنطرح السؤال الهام : الى اين اوصلت الانظمة الشمولية الاستبدادية البلاد ؟ وهي من عطلت تطور الفكر السياسي وفوتت فرصة ترسيخ نظام ديمقراطي حقيقي ... ومن حقنا ان نفترض ان النظام الديمقراطي لو استقر مستمراً لمدة عشرة اعوام فقط لما ظلّ سدنة النظم الطائفية على ذات العقلية المترددة والمتردية في فهمها لحسن سير وتطوير الفكر السياسي في البلاد ، وهاهي الآن تتهافت على الحكم في انتهازية ظاهرة وهي من كان يرجى منها الدفع للأمام من اجل ان تستعيد الجماهير حقوقها المسلوبة .... خلاصة القول : ان مقولة ( الشعوب العربية لا تصلح معها الديمقراطية ) قول هراء اريد به ان تستمر هذه الدول وشعوبها في جهلها ، ومن حسن الطالع لم تعد العقول تنتظر ما يصدر لها مثل هذه الافكار الفاسدة ... اليوم اصبح كل ذي ذهن متفتح يستطيع ان يستوعب الامور على حقيقتها وقد انتهى زمن التخزيل والتعطيل وشحن العقول بالافكار الفاسدة ، ولا ينبغي لنا الا ان نفهم ما يجري من سوء في الممارسة من قبل للديمقراطية لا انه نتيجة طبيعية للجهل الذي تراكم لدى البعض بسبب طول امد الحكم الشمولي خلال الحقب الماضية والتي لا ينبغي ان يفتح لها الباب لتمر الى الامام من جديد حتى ننهي هذه الحلقة ثقيلة الحركة الى الابد ..... ولا بديل للديمقراطية الا الديمقراطية وكما ان الانظمة الديكتاتورية تحمل بذرة فناءها في داخلها فإنّ الديمقراطية تحمل بذرة حياتها واستمرارها في داخلها وكلما طال امد ممارستها اتجهت نحو الكمال على عكس الاولى التي كلما طال امد ممارستها قربت الى النهاية وهذا ما حدث في كثير من الدول العربية وما هو حادث الان في السودان [email protected]