في جو الحوار المقترح هذا، أجد لنفسي كمواطن الحق أن أبدي رأياً وأُسدي نصحاً، فالمناخ كما هو مشاع مناخ أخذ ورد..!! وأجد لنفسي كمواطن عادي أن أخاطبك السيد الرئيس وقد فعلت ذلك مراراً وتكراراً..!! في هذا المنعرج الخطير في تاريخ بلادنا يجد كل مواطن عاقل نفسه مجبراً على الحديث فالأمر يهم الجميع لتأثيره على مسار حياتهم ومستقبلها ومستقبل الأبناء والأحفاد..! السيد الرئيس يجب أن تعلم أن غالبية الشعب السوداني في خلال ربع القرن الماضي ضعيف الانتماء للأحزاب السياسية، واستطيع القول إن نسبة عالية جداً ما بين عمر العشرين والأربعين والتي تشكل الغالبية العظمى من الشعب السوداني، ليس لها أي انتماء سياسي، وهذه النسبة العالية من سكان السودان تنظر إلى العالم من حولها وتقيس وتقارن، والحيرة تأخذها حيناً و الغضب أحياناً..!! والسؤال الذي يطرحونه على أنفسهم عند المقارنة هو لماذا نعيش شظف العيش بينما أقراننا بذات الدرجة العلمية يعيشون أفضل منا..؟! يدور هذه الأيام حوار سياسي، ويطالب من يطالب بحكومة قومية، مرحباً بالحكومة القومية ولكن هل تستطيع الحكومة هذه أن تحل قضايا السودان؟!! وهل تستطيع أن تخرجه من أزماته..؟ التجارب تقول عكس ذلك، فبعد أكتوبر قامت حكومة قومية لم تصمد لشهرين حتى أطيح بها، وبعد أبريل قامت كذلك فكانت عرضة للشد والجذب، وما إن أكملت عامها الأول حتى ذهبت هي أيضاً، وبعد هاتين الحكومتين جاءت الأحزاب التقليدية وشكلت حكومات إئتلافية انتهت جميعها قبل انقضاء فترتها بانقلابات عسكرية..!! وقد رفضت الأحزاب «الأمة والاتحادي» ، مبدأ الحكومة القومية، فالشعور السائد لدى السياسيين ليس قومياً فتفكير السياسيين ذاتي وأبعد ما يكون عن القومية..!! فماذا ستقدّم هذه الحكومة؟ في مناخ يخيم عليه ضعف الاقتصاد وقلة الموارد -على كثرتها- وتوقف المشاريع الاقتصادية كالجزيرة والسكة حديد والإنتاج الصناعي؟! ماذا ستفعل هذه الحكومة تجاه مئات الآلاف من الخريجين العطالى الذين لا يجدون عملاً؟ وكم ستكون مدة حكمها حتى تقيم دستوراً انتقالياً وتجهز للانتخابات، وهل الأحزاب بعد سبات دام ربع قرن، قادرة على لملمة أطرافها لجذب المواطن ليؤيدها في الانتخابات؟!. التفكير يجب أن يكون في المواطن، في الإنسان الذي يمكن أن يستثمر فيه، الذي يجب أن يكون الهدف الرئيس لما يسمى بالاستثمار، فالموارد الطبيعية لا تخرج من باطن الأرض وحدها إنما الذي يستخرجها هو الإنسان الذي ما فكرت أي حكومة للاستثمار فيه منذ الاستقلال وإلى اليوم..!! قدرات الإنسان السوداني يصيبها الهرم والوهن داخل وطنه فلا أحد يستثمرها، وتجده في دول الجوار يعمل كالنحلة ليل نهار دون كلل أو ملل..!! أنتم السياسيون تتحاورون بجدية، والظاهر من الحديث يقول هذا، ولا أخفي عليك السيد الرئيس أن هناك رجالاً أيضاً يتحدثون بل ويناقشون أزمة البلاد بطرق علمية، فيهم خبراء المياه وخبراء الزراعة والري والكهرباء والسكة حديد والنقل، وكلما يخطر بالبال من تخصص يناقشون الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد بسبب إهمال العلم و العلماء والخبراء..!! هؤلاء الخبراء والعلماء يناقشون القضايا العلمية وأسباب التردي، رغم أنهم لا يعملون بالدولة، وقد كانوا في قيادات الخدمة المدنية، فيهم المهندسون بمختلف تخصصاتهم و الجيولوجيون والأطباء و غيرهم، ولسان حالهم يقول لنقدم معرفتنا وخبرتنا للأجيال القادمة وأكثر ما يخشونه أن يتوفاهم الله دون أن يقدموا خبراتهم العلمية للأجيال القادمة، فيسألهم الله عن علمهم فيما أفاد..!! السودان يا سيدي الرئيس يحتاج إلى مياه للزراعة والمرعى والشرب والصناعة، ويحتاج فيما يحتاج لاستخراج الموارد الطبيعية واستغلالها الاستغلال الأمثل، فالزراعة تحتاج إلى العلم، وليس لنفرة أو نهضة تجتنب أول ما تجتنب العلم والخبراء فتضيع الأموال والقدرات سدى دون أن يتحمل مسؤوليتها أحد..!! السودان يحتاج إلى رابط اقتصادي واجتماعي وحتى سياسي وهذا الرابط تقوم بدوره السكة حديد، فالاقتصاد لا ينمو إلا بها، ولا رابط للسودان الواسع إلا الخط الحديدي..!! بسبب انعدام المياه والنقل ترحّل الثروة الحيوانية إلى دول الجوار بحثاً عن الماء والكلأ و لا تعود أدراجها، وبسبب نقص المياه اختل الأمن في دارفور وتطور إلى أن أصبح قضية سياسية عقّدتها التدخلات الخارجية.. فلننظر إلى دول الجوار فنجدها تصدر مواشينا ومحاصيلنا الزراعية، إضافة إلى ذلك يلجأ إلينا اللاجئون من هذه الدول بأمراضهم التي لا نعرفها وبجرائمهم الجديدة علينا وبعاداتهم الغريبة علينا..!! الآن يستعد السياسيون حسب ما تم اقتراحه، لتشكيل لجنة تدرس الحالة السياسية وتقدم مقترحاتها لحل الأزمة السياسية، ونسأل الله لها التوفيق، ولكن ماذا عن القضايا العصية وإعادة إعمار ما تهدم من مشاريع هندسية وزراعية وغيرها. ماذا عن مستقبل السودان المائي؟ والحاجة للمياه تزداد يوماً بعد يوم؟ والسودان يعيش فقراً مائياً رغم الإمكانات المائية الهائلة سطحية كانت أم جوفية. ماذا عن الزراعة؟ ماذا عن السكة حديد؟ ماذا عن الثروة الحيوانية والمعدنية؟ هذه لا تدخل في إمكانات السياسيين، وحتى تستقيم السياسة يجب أن تكون كل المؤسسات الاقتصادية والهندسية والصحية على أكمل وجه وإلا كيف يمكن الحكم دون هذه المؤسسات؟! إننا كخبراء في مجالنا نجلس ونتفاكر في هذه القضايا الهندسية ونضع الحلول لها دون أن يطلب منا أحد ذلك لا خوفاً من سؤال الحكومة التي لا تسألنا، بل خوفاً من سؤال ا لله جل وعلا،كثير من المشاريع تمت مناقشتها علمياً ووضعت لها الحلول تنتظر من يطلبها..!! مشاكل وأزمات السودان ليست سياسية، بقدر ما هي اقتصادية وسببها إهمال المؤسسات الهندسية وتردي خدماتها وضعف إنتاجها، وهذه لا يستطيع السياسيون إعادتها فهم من خربها.. وكنت دائماً أنادي بتشكيل حكومة تكنوقراط تبني المؤسسات الاقتصادية والتي عانت من تجاهل وإهمال السياسيين حتى توقفت. فالعمل العلمي متفق عليه في كل العالم، أما السياسي فهو الأكثر عرضة للتحايل السياسي ولَي الكلم، فالعلم ثابت والسياسة متغير لحظة بلحظة..!! السيد الرئيس إن للتكنوقراط كلمة فاسمعوها هداكم الله..!!