المغترب الحاضر فى غياهب النسيان ... او المغيب عمدا وظلما من وطنه المنسى فى متاهات الغربة والمدفوع قسرا لمواجهة الهوان من حكومة لا تقيم للانسان وزنا ولا تلقى للمواطن بالا.... ولا تلتفت اليه ولو بنظرة تذكر... المغترب الثائر على الاوضاع بهروبه المتمرد عن من يحب ومن اجلهم اجبارا ... الصابر على نار الفرقة والشتات ولا خيار.... المستجير من الرمضاء بالنار.... ولافرار. كأى مغترب سودانى يسرق منه الزمن ايامه وتبدد الاوهام احلامه ...وكأى مغترب احتوته المهاجر بما فيها وماعليها ولابديل للوطن الا الصبر وبين هزائمه المعنوية ومكاسبه المادية يحاول ان يجد التوازن حتى لا يسقط كيانه فى لجج الضياع والمرض. اذا فالصمود هو الخيار الذى لابديل له حتى لو وقف فى وجه الرياح...فهنا او هناك تستوى المعايير فالمركب ليس فيها الا شراع الانكسار والانتظار ... كأى مغترب سودانى احساسه بذاته مفقود فقد علمته نفسه ان الاهل هم مربط الفرس وهو بين جهاده واجتهاده لايبحث عن نفسه انما يعيش من اجل الاخرين القابعين فى وطن مهزوم السعادة ومجروح الارادة ... كأى سودانى مغترب دفعه حال الوطن اليائس البائس دفعا الى خارجه... هكذا لفظت البلاد ابنائها وفلذات اكبادها خارجها وهى تحترق فى اتون نار الجور والانحطاط لفظتهم مكرهة وهى لا تدرى الى اين سيكون مصيرهم المجهول فى غربة لا تعرف الحدود واحزان لا تفرق بين الصغير والكبيرتلفظهم الى دنيا غريبة وعالم لايرحم مسافات بعيدة بين الحلم والحقيقة... وهكذا تمضى سنوات سليمان الذى لا يملك مع الصبرالا بعض من نقود بالكاد تغطى مصروف العيال والسوق فى السودان كل يوم لايزداد الا جموحا وجنونا ونفورا والناس حوله لايملكون الا الاذعان والخنوع والخضوع وفى نفوسهم اكداس من الصبر والجوع والخوف والمرض وقد ربطوا البطون حتى تقطعت...وسليمان هنا ...والعيال هناك ففى الغربة يقتله الخوف والصبر.... وهناك تاكل اهله الاحزان ... سليمان الذى يكاد ينسى اسمه فى بلد لا يسمع من الافواه الاكلمة زول فقد سقط اسمه سهوا بارد خالى من العواطف خشن الاحساس لايعترف الا بالعمل والكدح هكذا سقط احساسه من الانسانية... وكما تتاكل الافراح منه تتاكل الايام.... وتمضى تجر خلفها السنين ولا يملاء احساسه الاغبار الاغتراب والانتظار متى يعود ادراجه الى ارض الوطن متى يعود الى رائحة الاهل ويستنشق عبير الحياة متى تتلاشى غيمة الاحزان ويعود الوطن الى عافيته الاولى فهل ياترى يعود السودان... بصيرا بعد ان يستنشق قميص الحرية... الغربة تستوطن حريته فتكبل امانيه وتثقل كاهله لكن لابد من الصمود لايزال يذكر طفلته نور...التى تركها رضيعة فى حجر امها ثم مضى من ارض الى اخرى حتى استقر به المقام فى صحراء الغربة تجلده الايام جلد غرائب الابل... يحاصره الخوف من المجهول وتدوربه وحوله الايام ...ولا انيس للاشواق الا اجترار حلو الذكريات التى تركها وراء ظهره فمتى يمتطى قوافل العودة ويجد نفسه بين احبابه واهله متى يتقاصر المشوار الممتد فى ذاته... متى تلتفت الى حنينه الامال المنسية .... ومضت السنوات متثاقلة حتى حسبها فوجد انه استهلك من سنوات حياته سبع سنوات طوال تنقله كل سنة الى اختها ولم يتخللها اجازة ينفقها بين احبابه.. والمال يأبى إن يتجمع فقنوات الصرف فاتحة افواهها تقول هل من مزيد.. والطلبات مستمرة والراتب لايكاد يحتمل دوامة الصرف الضاغطة ... عاد سليمان للوطن ومعه ارهاق سبع سنوات وبقايا حنينه فالغربة قد سلبت منه احساسه الجميل ..عاد ووجد الوطن قد انحدراكثر الى هاوية الضياع عاد ووجد الناس تغيرت قلوبهم الطيبة وتبدلت مشاعرهم اصبح هاجسهم محصور بين متطلبات الاكل والشرب وامالهم تكاد لا تتخطى يومهم ... افراحهم انزوت وتصاغرت ... كانت عودته ودخوله بيته الذى فارقه قبل سبع سنوات مثل الحلم... وهو يطرق باب البيت لتخرج زوجته امنة ..التى ارهقتها السنوات واستلبت من شبابها الجميل رونقه ونداوته الكثير.. تحدرت دموعها فبللت جلبابه الابيض وهى تعانقه بلهفة وشوق واشتهاء مكبوت وكانها تتمنى إن تنسى اهوال السنوات العجاف التى تركها فيها ...وعذابات الوحدة والم الفراق بكت فرحا باللقاءالحبيب ثم بكت حزنا على سنوات تسربت من بين يديها وهى تداوى وجع الفرقة والشتات... دخل سليمان بيته فعانق ابنائه واهله ..اما نور ابنته ذات الثمان سنوات والتى تركها رضيعة فكانت نائمة... فهى لا تحفظ فى ذاكرتها عن والدها الا ما شاهدته فى الصور الفتوغرافية لايزال سليمان يذكر ابنته وهى مذعورة وهى تستيقظ بعد منتصف الليل لترى شبحا غريبا لم تشاهده من قبل ولا تعلم إن هذا الشبح ماهو الا والدها العائد فتملكها الخوف والرعب صرخت تنادى والدتها مستنجدة باعلى صوت يما الحرامى الحرامى.... لحظتها تسمر سليمان فى مكانه... وهو ينظر الى وجه ابنته الخائفة التى لم تشاهده فى حياتها من قبل...احتضنتها امها وهى تطمئنها... نور قولى بسم الله دا ما حرامى يانور... دا ابوك رجع من السفر. [email protected]