لا زال المغترب مادة خصبة ودسمة للتناول والتفاكر والتباحث، فهذا المغترب يقبع بين فكين، المهجر والوطن الذي بدأ يتلاشى، عندما فكّر هذا المغترب بالاغتراب كان يرسم خططاً مستقبلية أقل ما توصف في وقتنا الحاضر ب(الخيال الواسع)، فالإغتراب عزيزي القارئ بات غير مجدٍ للمغترب، بنود كثيرة ومسميات جمة عليه القيام بها، وأهمها أنه يصرف على الدولة من خلال الضرائب والرسوم والجبايات، حيث تشاركك الحكومة ما تتقاضاه وأنت مسحوق تحت وطأة الغربة والذل والهوان، قولوا لي بالله عليكم ماذا قدمّت الحكومة للمغترب كي تتطمع في ما يتقاضاه؟ ألا يكفي ما يقع عليه من مسؤوليات وواجبات، ألا تكفي معاناته، من بُعده عن أهله ووطنه وما يواجهه من معاملة الكفيل البائس وحرارة الجو وقلة الرواتب في أغلب الحالات، المغترب السوداني خرج من السودان خروج بدون عودة، ويطمح العودة لوطنه في اقرب سانحة، وهذه السانحة قد تمتد لعشرات السنوات، وليته يعود بصحته وقوته التي غادر بها وطنه، بل يعود محملاً بأمراض العصر، ضغط، سكري، قلب، وحالياً أُضيفت الإيبولا، ومنهم من يعود على كرسي، يجلس في البيت كأنه دولاب ملابس أو لوحة معلّقة في حيطة، وهناك مغتربين يأتون للسودان كأنهم في مأمورية عمل، خمسة أو عشرة أيام، ويعود أدراجه وبعد سنة يُبشّر بمولود، أيضا مِن المغتربين من تمتد سنوات إغترابه سنة بعد أخرى أملاً أن الوضع سيتحسن للأفضل، ولا فائدة، أخيراً يعود لينطق بالشهادة وسط ذويه وأهله، ومنهم من يسّور قطعة أرضه أملاً أن يبنيها، تمر السنوات دون أن يحفر بئر بعمق مترين... ومن الجوانب الاجتماعية المغترب دائماً متاخراً عن أداء واجباته الاجتماعية، والدليل عند عودته في إجازة يقضي جلّ فترة إجازته في الفواتح، وإن نسيت إحداهم فأنت مطالباً بها إلى أن تغادر الفانية، وتظل معلّقة في رقبة أبنائك، المغترب أكثر من يساوم في الشراء، يدخل مع البائع في مساومات ومناكفات كأنها حرب داحس والغبراء لأجل تخفيض سعر السلعة ولو جنيه واحد، ويمّر مواطن عادي ويشتري السلعة بكل هدوء، المغترب في فترة إجازته يشتكي من ارتفاع الحرارة والسخانة ويتناسى أنه قادم من دول درجة حرارتها قد تصل في الصيف لأكثر من خمسين، وفيها يمكن عمل بيض بالطوة وشاي كشري، المغترب بعد عشرة أيام من الإجازة يرفع الراية البيضاء ويبحث عن من يُديّنه ليكمل إجراءات المغادرة، قد تكون فترة إجازته شهرين.. امكن يكون حوّل قرشو في البنك، أو اشتري قطعة أرض في بابنوسة شرق.. خاصة أنه ظهرت مناطق ما انزل الله بها من سلطان، مناطق حاولت ابحث عنها في قوقل ايرث، قوقل علقّ. [email protected]