حكيت لكم في مناسبة سابقة حكاية القروي مع المحكمة الشعبية، بيد أن مناسبة أخرى جديدة بطلها د. مصطفى عثمان إسماعيل بوصفه مسؤول القطاع السياسي بحزب الحكومة تطلبت إعادة الحكاية، والحكاية تقول إن قروياً ماجناً فالت اللسان لا يحبه وجهاء القرية وعلى رأسهم العمدة، لعدم تورعه في كشف نزواتهم وتعرية عمايلهم الخبيئة، قبض على هذا القروي متلبساً بسرقة بضعة دجاجات من منزل أحدهم، وقدم للمحكمة الشعبية التي يرأسها العمدة واثنان آخران من الوجهاء، فوجدوها فرصة وأوقعوا عليه عقوبة ثلاثية الأبعاد (سجن وجلد وغرامة)، وعندما احتجّ على الحكم قائلاً (أصلو دا قانون وين دا إنجليزي ولا هندي)، قالوا له (يا زول هوي بطل لماضة بلا إنجليزي بلا طلياني معاك نحنا كجمناك كجم)... ففي حديثه عن أن اعتقال أبو عيسى وأمين مكي مدني لم يتم بسبب توقيعهما على نداء السودان، وإنما بسبب تشكيلهما خلايا لإفشال الانتخابات وفق مخطط يقوده الحزب الشيوعي، بدا لي أن د. مصطفى وعلى طريقة تلك المحكمة الشعبية؛ يريد أن يكجم أبو عيسى وأمين كجم، أو أنه ربما يتأسى بالسيرة المذمومة لمحاكم العدالة الناجزة، فمن مذمات تلك المحاكم سيئة السمعة، قيل إن أحد قضاتها عندما لم يجد مبرراً لإيقاع حكم قطع اليد على لص تعيس سرق مسجلا، بعد أن لم تبلغ قيمة المسجل النصاب الموجب لحد السرقة، أمر الحاجب بأن يفتح المسجل عسى أن يكون بداخله شريط كاسيت يتمم نصاب الحد، ويبدو أن د. مصطفى وعلى نهج قاضي العدالة الناجزة إياه حين وجد أن تهمة التوقيع على نداء السودان (ما لافقة) وغير مبررة أو كافية لاعتقال المذكورين ومحاكمتهم، استبدلها بحكاية مخطط الخلايا التخريبية الذي يقوده الحزب الشيوعي، مع أنه حتى لحظة كتابة هذا العمود نهار أمس، لم يتم اعتقال أي من قادة الحزب المفترض أنه المخطط والرأس المدبر، بينما ما تزال (الأدوات) الذين هم أبو عيسى وأمين والعقار رهن الحبس منذ أكثر من شهرين... فتأمل وتعجب عزيزنا القارئ وتحسس قنبورك وامسح ريالتك ... المعلوم من الجهات المعنية برصد المحاولات التآمرية والتخريبية (ليس من بينها القطاع السياسي لحزب الحكومة) حتى اللحظة، هو أنها حين أقدمت على اعتقال أبو عيسى ومدني والعقار، كان ذلك بسبب التوقيع على (نداء السودان) بحسب الدعوى المرفوعة ضدهم من جهاز الأمن، وليس أي سبب آخر، بل أذيع بأن هناك مساعي مبذولة مع الإنتربول لإحضار موقعين آخرين على النداء هما الإمام الصادق ومني أركو مناوي، وهؤلاء هم الأربعة الموقعون، اثنان في قبضة السلطة واثنان مطلوب القبض عليهما، فمن أين إذن جاء د. مصطفى بهذه التهمة الجديدة، هل أنابه جهاز الأمن للتحدث إنابة عنه لتعديل الاتهام، أم أنها مجرد (لخلبطة وخلبصة منه)، أم تراها بالونة اختبار، أم هي فزاعة على طريقة الحارس الليلي الذي يظل طوال الليل يصرخ (مين هناك شايفك أعمل حسابك) مع أنه ما من أحد هناك... التغيير