العدل الدولية تشطب الدعوى المقدمة من السودان ضد الإمارات لعدم الاختصاص    الفرقة السادسة مشاة: تدمير ثلاث مركبات قتالية وقتل 10 عنصرآ من المليشيا بالفاشر    ما هي "الخطة المستحيلة" لإيقاف لامين يامال؟ مدرب إنتر يوضح    ((منتظرين شنو أقطعوا العلاقات واطردوا سفيرهم؟؟))    تركيا تعلن استنكارها استهداف المرافق الحيوية ببورتسودان وكسلا بمسيرات المليشيا المتمردة    كيف سيواجه السودان حرب الصواريخ والمسيّرات؟!    494357480_1428280008483700_2041321410375323382_n    شاهد بالفيديو.. عريس سوداني يغمر المطربة مروة الدولية بأموال النقطة بالعملة المصرية وساخرون: (الفنانة ما بتغني بمزاج إلا تشوف النقطة)    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط سخرية الجمهور.. خبيرة تجميل سودانية تكرم صاحبة المركز الأول في امتحانات الشهادة بجلسة "مكياج"    شاهد بالفيديو.. أفراد من الدعم السريع بقيادة "لواء" يمارسون كرة القدم داخل استاد النهود بالزي الرسمي والأسلحة على ظهورهم والجمهور ينفجر بالضحكات    عبد الماجد عبد الحميد يكتب: معلومات خطيرة    تشفيره سهل التحرش بالأطفال.. انتقادات بريطانية لفيسبوك    باكستان تجري تجربة إطلاق صاروخ ثانية في ظل التوترات مع الهند    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ((آسيا تتكلم سعودي))    "فلاتر التجميل" في الهواتف.. أدوات قاتلة بين يديك    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    المريخ يواصل عروضه القوية ويكسب انتر نواكشوط بثنائية    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانصار وقود الحرية
نشر في الراكوبة يوم 12 - 03 - 2015

في حوار داخل مبنى الصحافة الوطنية في واشنطن دي سي جمعني مع مجموعة من الصحافيين كان من بينهم الصحفي البريطاني الاميركي الذي خبر هموم القارة الأفريقية والشرق الأوسط من خلال موقعه كمراسل لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي سايمون انغرم والذي عرف مكونات الحركة السياسية السودانية واتجاهاتها وعذاباتها ، والأستاذ محمد عزيز الصحفي بوكالة يونايتد برس وضم أيضا الباحث في الحركات الإسلامية بمركز الاهرام الدكتور محمد عبد السلام وآخرين دار حديث حول السودان وتطرق الى قواه السياسية والدينية الحية ودورها التاريخي و حول دور الكيانات الدينية والسياسية الرئيسية في السودان تحديدا ومدى اسهامها في الفعل السياسي اليومي ومدى تأثيرها الإقليمي فضلا عن كسبها سلبا او إيجابا .هذه مجمل تلك التأملات الي ساهم فيها هؤلاء الأساتذة في شأن لم يعد خافيا على احد ويضيف قيمة حقيقية هي ان بلاءات القوى الوطنية وتضحياتها تبقى مستعصية على محاولات الطمس والتشويه المتعمد مهما ملك أصحاب الهوى من اليات الطمس والتشويه وأدوات التمكين الذي لا يقوم على جذور راسخة .
تطرق الحوار إلى الثلاث كيانات الدينية الرئيسية في السودان وهي كيان الأنصار وحزب الامة وحركة الإخوان المسلمين عبر مسمياتها المتعددة – جبهة الميثاق –الاتجاه الإسلامي –الجبهة القومية – المؤتمرين الشعبي والوطني ومشتقاتهما وحركة اليسار السوداني وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني وأخيرا طائفة الختمية بوجهيها الديني والسياسي كان الملفت ان ثمة توافق بين المتحاورين في أن حركة الأنصار التي تجمعت تاريخيا تحت قيادة الامام المهدي وتشكلت صفوفها من أعراق السودان المختلفة واطلقت ثورتها التحريرية الكبرى التي أطاحت عرش الإمبراطورية البريطانية وحققت استقلال السودان كانت عبر الحقب الأكثر مبدئية وميلا للتضحية والزود عن السودان والأكثر مصداقية في دفع استحقاقات الوطنية من خلال مواقفها السياسية وفي نفس الوقت كانت الأقل كسبا من منظور المصالح الذاتية والمادية المستحقة في مختلف مراحل التاريخ الحديث تشاطرها هذا الشرف بدرجة نسبية حركة اليسار السوداني وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني الذي عرف عن قادته الوطنية والشرف والزهد أي انها اختلفت عن الكيانات السياسية الأخرى كحركة الإخوان المسلمين او حركة الختمية وهما الحركتان او الكيانان اللذان يعتبران الأكثر ميلا للاستحواذ المادي وللمهادنات مع الأنظمة الشمولية والفردية ويطبع سلوكهما الميكافيلية السياسية في ممارسة العمل السياسي على حساب كثير من المبادئ الوطنية وتطلعات المواطنين .
فحركة الأنصار ووجهها السياسي حزب الامة القومي وحركة اليسار السوداني كلاهما طبعت مواقفهما المبدئية عدم المساومة والمهادنة للأنظمة الشمولية التي حكمت البلاد فأصبحتا هاجسا وهدفا أمنيا لكل الأنظمة الشمولية ( عبود – نميري- البشير ).
ورغم المفارقة السياسية التي جمعت في هذا التحليل السياسي بين الأنصار واليسار السوداني الذي تشير إليه أصابع الاتهام في محاولات تصفية الأنصار في سبعينيات نميري بعد وقوع انقلاب مايو الذي انتزع السلطة في البلاد من نظام ديمقراطي إلا أنه يحفظ لليسار من الناحية الموضوعية انه سرعان ما ادرك جسامة خطأه السياسي الذي قاد ضمن عوامل أخرى لأن ينقلب على نميري في سجال دموي أعاده مجددا إلى منصة المراجعات التاريخية.
في غمرة النضال الوطني والصراع السياسي بين الاستقلاليين الذين يطالبون باستقلال السودان تحت شعار السودان للسودانيين والاتحاديين بزعامة الميرغني والازهري الذين يطالبون بالاتحاد مع مصر دفع الأنصار ثمن مؤامرة سياسية في احداث عام 1954 عندما خرجوا سلميا يطالبون باستقلال السودان ابان زيارة اللواء محمد نجيب للخرطوم وفق تواطؤ بين الشرطة ومرؤوسيها فأطلقت الشرطة الرصاص على صدور الأبرياء وكانت دمائهم مهرا للاستقلال عندما أيقن الاتحاديون وزعيمهم الازهري أن إرادة الاستقلاليين من إرادة الشعب.
في عام 1961 ابان نظام الجنرال عبود هاجمت قوة من عناصر الأمن والشرطة خيمة الأنصار في ميدان المولد النبوي وفي تلك الليلة الجامعة وهم يقرأون القرآن وينشدون فسقط الشهداء من الأنصار وشيعوا وحفظ البلاغ .
في عام 1970 واجه الأنصار عدونا ممنهجا في الجزيرة أبا وودنوباي ليس ضمن تحالف سياسي جمع بين قوى اليسار فحسب بل ضمن تحالف إقليمي جمع بين أنظمة السودان ومصر وليبيا في تلك الفترة وهو عدوان سقط فيه مئات الشهداء على رأسهم إمام الأنصار .
في يوليو عام ستة وسبعين أخذ الأنصار زمام المبادرة في رد على العدوان الذي لحق بهم فلم يجد نظام مايو إلا دمغهم بالمرتزقة ليبرر قتل المئات من الأبرياء من الأنصار وغير الأنصار ممن قادتهم خطاويهم العاثرة إلى تلك الساحة .
بعد انقلاب الاخوان المسلمين بزعامة البشير والترابي بادر الأنصار وحزبهم لتنظيم صفوف المعارضة في الخارج وقيادة المبادرة السياسية والمواجهة مع نظام الإنقاذ سلما ومواجهة بكل التفاصيل التي يعلمها الكثيرون دون الانزلاق إلى شباك شراكة لا تؤسس لتأسيس دولة المواطنة والحريات الأساسية وسيادة القانون في مسير لا يكل ولا يفتر .
حركة الإخوان المسلمين التي حظيت برعاية سياسية ومعنوية من حزب الأمة عند نشأتها فلم تحفظ للأنصار ولا حزب الأمة عهدا او جميلا بل كان هدفها هدم بنيان الأنصار وحزب الأمة ووراثته طوعا او كرها وكان ذلك مخططها منذ امد بعيد .
التحقت رمزيا بالأنصار وإمامهم في الجزيرة أبا من خلال مجموعة من قياداتها بعد وقوع انقلاب نميري منهم محمد صالح عمر والشيخ الكاروري . وشاركت رمزيا من مجموعة من كوادرها لا تتجاوز العشرين متطوعا مع الأنصار في انتفاضة الثاني من يوليو المسلحة عام ستة وسبعين التي قدم فيها الأنصار ألف شهيد .
وبعد المصالحة الوطنية عام سبعة وسبعين التي ابرمها السيد الصادق المهدي مع نميري بدا الإخوان تنفيذ مخططهم الرامي للاستيلاء على السلطة فرغم مشاركتهم الرمزية في مواجهة نميري إلا انهم سرعان ما هادنوا نظام نميري في اعقاب تلك المصالحة الوطنية التي انفضت بعد شهرين فقط لنكوص نميري عن شروطها وذلك بهدف العمل على بناء حركتهم ومواردهم من اجل الاستيلاء على السلطة بكل الوسائل والاستئثار بها بكل الوسائل وهو ما حدث فعلا عام تسعة وثمانين وهو المخطط الذي اعترف به الدكتور حسن الترابي في حوار مع قناة دريم الفضائية بعد قيام الثورة المصرية عام الفين واحد عشر وجاء هذا الارتداد عن الديمقراطية رغم حصولهم على المركز الثالث في الانتخابات الديمقراطية عام ستة وثمانين ..
في عام تسعة وثمانين استولى الاخوان على السلطة بالقوة وتم وئد التجربة الديمقراطية وبدأوا في تنفيذ مخططهم بضرب أكبر القوى الوطنية السياسية المتمثلة في الأنصار وحزب الأمة وبدأ مسلسل السجون والمعتقلات وبيوت الأشباح والمصادرات واستهداف مناطق نفوذ الأنصار التاريخية بإشعال الحرب في دارفور وتفتيت الإدارة الأهلية وتحويل اهل دارفور إلى نازحين في بلادهم واقالة المئات تحت شعار الصالح العالم من الخدمة العامة والقوات النظامية واستهداف رجال الأعمال المنتمين لحزب الأمة عثمان صالح – إبراهيم احمد – إبراهيم طلب الخ القائمة. كل ذلك تم تحت شعار التمكين . لم الإخوان من تنفيذ مخططهم عهد سياسي او زمالة وطنية لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة وأن الديمقراطية عندهم كما قال أحد المحللين عقب الثورة المصرية تعني السلم الذي يصعدون به إلى السلطة ثم يرفعونه معهم إلى اعلى لحجبه عن الآخرين أي ان الديمقراطية لهم وليس لسواهم .
وتوالت مشاهد عداء الإخوان للأنصار حسب المحللين في الفترة التي امتدت من عمر الإنقاذ كان آخرها اعتقال زعيم الأنصار الصادق المهدي واتهامه بالخيانة وملاحقته بالتصريحات العدائية لا لسبب إلا لأنه يطالب بالحريات الأساسية والتحول الديمقراطي ووقف الحروب .
أما قياده طائفة الختمية فعرف عنها تاريخيا مهادنة الحكام والسلاطين منذ عهد الحكم الثنائي مرورا بحكم الفرد والأنظمة القهرية عهد عبود ونميري والبشير وذلك على حساب الحريات الأساسية والقيم الديمقراطية والمبادئ الوطنية وتطلعات الجماهير مقابل مكاسب مادية محدودة وشكليات في السلطة .
بعد أحداث الجزيرة أبا وودنوباي التي قتل فيها نظام مايو المئات من الأنصار ذهب السيد محمد عثمان الميرغني إلى القصر الجمهوري ليعبر عن تأييده للرئيس نميري برفقة أخيه الراحل احمد الميرغني للمواقف التي اتخذها وضرب الخونة بيد من حديد كما ورد في أجهزة اعلام مايو .
بعد انقلاب الإنقاذ لم يكن السيد محمد عثمان الميرغني راغبا في تقلد رئاسة التجمع الوطني بعد خروجه من السودان لرغبتة في جعل الباب مواربا مع النظام الانقلابي إلا أن تم ذلك في اسمرا عام خمسة وتسعين بعد ضغوط من الدكتور الراحل عمر نور الدائم والقيادة الأريترية ليصبح رئيس للتجمع .
وبعد اعلان القاهرة وعودة قادة التجمع إلى الخرطوم للمشاركة في الحكومة قرر الميرغنى وحزبه التمسك بوجوده في السلطة بغض النظر عن أي مواقف او متغيرات سياسية او رغبات شعبية للحفاظ على مكاسبه السياسية والاقتصادية بل توجيه حزبه لدعم الرئيس البشير في الانتخابات والسلطة بغض النظر عن الدور السياسي المفترض للحزب مما حمل الكثير من القادة الوطنيين داخل الحزب على التمرد ضد قيادتهم .
لم يعد الشأن السوداني إذن شأنا محليا بكل تفاصيله الداخلية ومع التطور الذي تشهده وسائل الاتصال والتوثيق تبقى المواقف المبدئية هي الأبقى والأجدر بالاحترام . وكما قال الباحث المصري د محمد عبد السلام يظل الأنصار رغم المواجهات التي يتعرضون لها هم وقود الحرية في السودان قاتلهم نظام نميري من قبل وشردهم نظام الإنقاذ من بعد لكنهم يظلون رمانة الميزان الوطني .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.