دراسة بحثية بقلم د.فائز إبراهيم سوميت مدخل " 1 " : يعد النظام الفيدرالى كإطار نظرى للحكم الصيغة الأنسب لإدارة الوحدات السياسية السودانية , لتمكنه من تضمين التنوعات العرقية والثقافية المتشابكة عن طريق النهج العلمى الذى تتوشح به نظريات الحكم الفيدرالى المختلفة , ورغم فضفاضية معناه وتشعبه لإختلاف مناهج وأمكنة التطبيق , يصبح هو الأفضل لدولة تتعدد فيها الثقافات والأعراق والقبائل والتى تمور فيها الصراعات والإحترابات المسلحة كالسودان . مدخل " 2 " : لقد جرب السودان منذ ما بعيد الإستقلال الكثير من الأنظمة الإدارية من حكم مركزى حاد مع تفويج بعض السلطات بحسابات للأقاليم الطرفية , إلى آخر أكثر مركزية لكنها أخف وطأة من سابقتها وهو ما طبقته ديكتاتوريات الأنظمة الشمولية خلال حكم عبود 17 نوفمبر 1958 م ونظام جعفر محمد نميرى فى مايو1969 م , كذلك جرب السودان الحكم الإقليمى الذى لاينفك عن المركز والذى كانت تعوزه الكثير من القرارات المستقلة والكادر البشرى المؤهل لبناء نظام إقليمى يستند على الشراكة السياسية والقانونية لإدارة البلاد . فكانت العلاقة اشبه بغضروف الوليد شد من الوحدات السياسية الإدارية الإقليمية وإمتصاص من جانبها غير مبرر للموازانات العامة , نسبة لتكدس الكوادر البشرية فى إدارات الوحدات السياسية فى الأقاليم وإنجذاب غير مجدى للكوادر الإقليمية المؤهلة التى آثرت البقاء فى المركز دون أن تعير وحداتها السياسية الإقليمية الطرفية أى إهتمام يذكر . إلا أن التجربة التى طبقت نظام الحكم الفيدرالى بشكل صراح منذ 1994 م وإلى الآن اصبح لزاما علينا تأملها بروية وتحليلها لتقييمها فى جوانبها الإيجابية أولا وثانيا الإستمرار فى معالجة سلبياتها ,لاسيما أنها أحرزت نجاحات كبيرة فى مجالات التنمية الإجتماعية والإقتصادية والتطورات السياسية التى لازمت تطبيق التجربة , وهذا ما تبدى لنا خلال سنوات التطبيق طيلة ربع قرن من الزمان . وقبل الخوض فى هذه المسألة التى تتطلب تناولنا للكثير من الإنجازات على الصعيد السياسى والإقتصادى والإجتماعى كعينات ضرورية فى مسارتحليل و تقييم تجربة ربع قرن من عمر النظام الفيدرالى فى السودان . ولذا لابد من إلقاء نظرة عجلى لكنه مفهوم الفيدرالية كصيغة حكم إدارية نظرية أثبتت الكثير من النجاحات فى الدول التى تبنتها كإطار عام للحكم فيها كالولايات المتحدةالأمريكية والإتحاد السوفيتى والأرجنتين والهند وأخيرا فى أواخر السبعينات أثيوبيا . فلابد من التعرض فى صدر هذا المبحث لمعناها وخصائصها التى تميزها عن صيغ الحكم الأخرى . وقبل الدخول فى هذا المبحث يلزمنا تعريف المشاركة السياسية التى تمثل العمود الفقرى لنظام الحكم الفيدرالى . المشاركة السياسية : المشاركة السياسية هي نشاط سياسي يرمز إلى مساهمة المواطنين ودورهم في إطار النظام السياسي . وحسب تعريف صموئيل هنتنغتون وجون نيلسون، فإن المشاركة السياسية تعني تحديداً ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكان هذا النشاط فردياً أم جماعياً، منظماً أم عفوياً ، متواصلاً أم منقطعاً، سلمياً أم عنيفاً، شرعياً أم غير شرعي، فعالاً أم غير فعال . ويؤكد بعض الباحثين أن المشاركة السياسية شكل من أشكال الممارسة السياسية، تتعلق ببنية نظام سياسي , وآليات عملياته المختلفة ، حيث يكمن موقعها داخل النظام السياسي في المدخلات، سواء أكانت لتقديم المساندة للسلطة القائمة أم المعارضة ، ولكنها تستهدف تغيير مخرجات النظام السياسي، بالصورة التي تلائم مطالب الأفراد والجماعات الذين يقدمون عليها . لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن المشاركة السياسية لا تقف في كثير من الأحيان عند حد مدخلات النظام السياسي، وإنما تتعدى ذلك إلى مرحلة تحويل المطالب، وخاصة إذا وجد أفراد أو جماعات قريبة من تكوين المؤسسات ومن نطاق عملها . أشكال المشاركة السياسية : تختلف أشكال المشاركة السياسية من جانب المواطنين في الدولة، تبعاً لاختلاف الأنظمة السياسية، حيث تتوقف مستوياتها على طبيعة النسق السياسي وتتخذ أشكالها وفقاً لنمطه ، لأن كل نسق يتضمن العديد من الأدوار، التي يؤديها الأفراد داخله ، كالمواطن الذي يتوقف دوره على الإدلاء بصوته في الانتخابات العامة، والسياسي المحترف وأعضاء الحزب النشيطين، حيث تنتظم العلاقة بينهم على أساس الترتيب الهرمي في شغل الأدوار، فهي علاقة تنظيمية تتحدد وفقاً لشكل المشاركة ومداها، أي الدور الذي يقوم به المشارك . على هذا نستعرض معنى الفيدرالية التى تستند وبشكل كبير على المشاركة السياسية , لكنها تحتلف فى نظام الحكم الفيدرالى لأن المشاركة السياسية فيه يحكمها دستور إتحادى بموجبه توزع السلطات على الوحدات السياسية فى الدولة أى أن هناك تعريف دستورى للمشاركة السياسية فى النظام الفيدرالى وهنا يختلف كثيرا عما ذهب إليه مفكرو وفلاسفة وخبراء الفيدرالية أمثال صمويل هنتنغتون وجون ويلسون إلخ إذ جاءت تعريفاتهم للفيدرالية متداخلة مع كثير من المظاهر السياسية الأخرى كالتنظيمات الحزبية , كذلك قالوا بالفردية فى تعريفهم للمشاركة السياسية بينما الفيدرالية تتسم بالجماعية فى فكرها وتطبيقها على أرض الواقع , بينما التعريف السياسى الواقعى لها يعنى أن تتنازل الوحدات السياسية " الولائية " الطرفية لسلطة المركز عن بعض من المظاهر السلطوية الهامة مثل الأمن والجيش والمالية للحكومة الإتحادية وفق دستور معلوم وغالبا ما ينبع ذلك من الحكومة المركزية لبعد الوحدات السياسية الطرفية وكبر حجمها من ناحية المساحة كذلك للتداخل العرقى وتعدد الثقافات والأمزجة , يساعدها فى تأدية مهامها بشكل فاعل . معنى الفيدرالية : يعرف النظام الفيدرالى بأنه ( النظام الذى يتكون من إتحاد عدة دول فى شكل دولة واحدة هى الدولة الفيدرالية – حيث يتم هذا الإتحاد بمقتضى دستور إتحادى مع بقاء سلطات الحكم موزعة بين الدول الفيدرالية والدول الأعضاء , التى تشكل وثيقة الإتحاد فيما بينها مع تمتع كل من الدولة الفيدرالية والدول الأعضاء بالشخصية القانونية الدولية ) Dwight Herpergen "Distributions of power and functions in federal system " كما تعنى أيضا فى معناها الأدق التحالف أو العصبة .. إلا أن هذا التعريف قد يكون مرتبطا بالدول الغربية صاحبة الفكر الذى أنتجته . لأنه يشير إلى دول كانت فى الأساس موحدة ومستقلة كل على حدا , وليست وحدات سياسية إدارية داخل قطر شاسع كالسودان , إلا أن أوزار الحرب العالمية الأولى أدت إلى ضعف وتفكك تلك الدول بعد عام 1917 م , نسبة لتعقيد تركيباتها السكانية كالولايات المتحدة والإتحاد السوفيتى والهند وإتساع حدودها الطبيعية والسياسية , مما ساعدها عند تطبيقها للنظام الفيدرالى فى إرساءها للكثير من القيم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والعلمية فضلا عن تطورها فى مجالات الصناعة والتقانة بما يشبه الثورات . مما حدا بالمشرع الفلسفى فى السودان أن يسعى لجعل النظام الفيدرالى منهج إدارة سياسية فى البلاد .. إلا أنه يمكن رصد بعض الإختلافات فى تطبيق الفيدرالية فى الدول الغربية والسودان . نواصل [email protected]