اليوم 28 يوليو 2015 .قبل خمس سنوات رحلت الدنيا عني – توفيت الحاجة آمنة وقبل 44 عاماً ذبحت 44 عاماً من النبوغ حين اغتيل عبد الخالق محجوب وهو في عامه الرابع والأربعين من العمر – حينها تراجعت الآمال... تذكرت الرئيس الفرنسي فرانسو ميتران – عند موت المفكر فوقو في حادث سيارة قال: ماتت فرنسا، عندما دخل الزائر إلى البروفيسور المريض وسأله فقال البروفيسور: منعني الأطباء من البروتين، فقال زائره: الحمام به أكبر نسبه من البروتين، اندهش المريض وقال: هل يذبحون الحمام، ترى على الحائط صورة حمامة بيكاسو أهدانيها رجل ذبح كما تذبح الحمامة، أهدانيها عبد الخالق محجوب، أعدمه نميري الذي عندما كان يتحادث مع محجوب عمر باشري قال باشري: لكنك أعدمت عبد الخالق بلا مبرر، فقد كان معترضاً على الانقلاب، أجاب نميري بعد برهة تأمل: هكذا أراد الله. عاش عبد الخالق 44 عاماً واليوم تمر الذكرى 44 على اغتياله الظالم، ذلك الرمز البديع من النبوغ والمعارف وسعة الأفق، عندما سمع أستاذه كرايتون بإعدامه غضب وقال: مثله يجب الإبقاء عليه لتطوير بلادهم. عند ضرب الجزيرة أبا بالطائرات قال عبد الخالق: السلطة تضرب بالطائرات إما نصر عسكري سريع يزيد من سيطرة اليمين على المجلس أو أن يستمر الصراع سياسياً لمصلحة القوى الديموقراطية، وانتصر الجيش وكان أول القرارات إبعاد الضباط اليساريين من مجلس الثورة واعتقل عبد الخالق ونفي إلى مصر، قال عبد الناصر إن عبد الخالق يظل حراً فمصر لن تكون منفاً للأحرار-وعند إعادته تم حجزه في حديقة عثمان صالح بسوبا، كانت قد شملتها قرارات المصادرة التي اعترض عليها عبد الخالق حين زيارته قال: يظهر أنني أول من استفاد من المصادرة، وضحك حتى اهتز صدره. اعترض العالم الديموقراطي على الإعدام حتى الصحف الأمريكية والفرنسية والإنجليزية كتبت حول ذلك، رثاه شاعر فرنسي أسمر ورثاه مظفر النواب قال: في غابات أفريقيا ذبح ظبي، ورثاه سميح القاسم ومحمود درويش، ومن بلادنا جيلي عبد الرحمن وغريد بلادي محجوب شريف وقال الفيتوري يرثيه في قصيدته: لا تحفروا لي قبراُ فكل أرض بلادي مقبرتي، ورثاه أسامة الخواض وكان جيلي ثاقب التأمل عندما قال: والمنايا حينما العمر ارتطم خضت بحر الموت نسراً يتهادى للقمم عم مساءً أوغل الليل فنم نعم أوغل الليل ... فلو استجاب الزمن لنداءات القوى الديموقراطية لما شهدنا صوت )داعش( ولما كانت 44 عجافاً تهلك 44 سماناً في بلاد كان أهلها يسعدون الفرح بالحبور والبساطة، كانت الابتسامة هي صك اعتناق الروح السودانية ولكانت أحلامنا نهضت وعانقت أعنة السماء وطافت على رحاب لم تردها مطايانا التي كانت تحملنا إلى ساحة المثل العلياونضالاتً نحو الحرية والعدالة الاجتماعية ولربما كانت أزمة أفراسنا تشدها معاصمنا شداً. اليوم الرفاق مدعوون لبعث روح الجمال والمحبة نحو ثقافة جمالية تشيع روح الود والمحبة والفن والجمال بين فئات المجتمع، ثمة قسائم رسالية نجدها بين حروف عباقرة سبقونا منذ سقراط وأرسطو وأفلاطون وهيجل وتلامذتهم ومنذ ابن خلدون، ودعوة أخرى عالية للذين لم يستوعبوا جواهر أقوال رسول هذه الأمة، لم يأنسوا لمعنى الفضل و)الدين المعاملة(، )وإن أثقل شئ في الميزان يوم القيامة هو حسن الخلق(، )وأقاربكم مجلساً مني يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون(، وحديثه حول أولئك الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس )وأنهم الآمنون من عذاب يوم القيامة(، ولأولئك الذين قال فيهم الصادق الرضي: قل للذين يوزعون الظلم في الطرقات إن الله حي لا يموت، بلادنا التي تموت الابتسامة منها تحلم أن يطالها رشاش من أرياب وكروم الشرق –)فقد اتخذ الفيئ دولاًوالأمانة مغنماً والزكاة مغرماً إلى آخر الحديث الذي يضيف وإذا كانزعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره فليرتقبوا ريحاً حمراء(. إن ذكرى 28 يوليو الحزينة تستوجب التأمل – في ذلك التاريخ فقدت أمي التي هي دنياي بعد وفاة أبي – وفقد السودان قائداً فذاً برحيل عبد الخالق محجوب.