سم الله الرحمن الرحيم في دلالة الصحافة ، ووسط أبواق الركشات وأصوات السماسرة والجوكية كنا نتجول أربعتنا: موظفة شركة (زين)، وشقيقة المعاقين، وصديقتها سعاد، وشخصي؛ كنا نتجول بين الركشات ونحن نتفحصها وكأننا (خبرة في الشراء). وكان بصحبتنا كبير السواقين بشركة زين ومعه شخص آخر خبير أيضاً في سوق الركشات، لاحقاً انضم إلينا العميد الأنصاري ومهندس ميكانيكي وإحدى الأخوات من رابطة أبناء القطينة. وجودنا في سوق الدلالة كان ملفتاً للنظر، الجميع مستغربون لفكرة دخول نساء سوق خاص وحصري بالرجال، صديقتنا الوسيمة القلب والروح من (زين) لم تغالب عطشها مع ارتفاع درجة الحرارة فشربت من إحدى (حافظات) عصائر الكركدي المتوهطة داخل درداقة، ورغم إحساسنا العظيم بالعطش وسخونة الأجواء إلا أننا لم نجرؤ على مشاركتها ذلك العصير؛ فقد كان الذباب يقيم احتفالاً على تلك الأكواب. واصلنا جولتنا ووقفنا على أسعار الركشات والتي كانت تتراوح بين 28 مليون للجيدة مروراً ب35 مليون للممتازة و48 و55 للجديدة كلياً. أخيراً استقر رأي الخبراء معنا على شراء ركشة دفعنا فيها مبلغ 35 مليون، وقام الأخوة بتجريبها وفحصها وتم شحنها لإحدى الورش لإضافة لمسات جمالية عليها من تنكيل وتجديد مشمعات وشراء إطارات جديدة وغيرها من الأشياء التي لا تحتاج الأسرة إلى القيام بإصلاحها مجدداً. عقب ذلك ذهبنا إلى مكتب أحد المحامين وتم تسجيل الركشة باسم أحد المعاقين حتى تكتمل إجراءات التأمين وتجديد الترخيص في المرور. الآن وفي هذه اللحظات تكون الأسرة قد استلمت الركشة ليعمل عليها الأخ المعافى، أما بقية المبلغ فقد تم من خلاله شراء سرير طبي وثلاجة وإعادة توصيلات صهريج المياه والموتور مع الغسالة الحديثة وتمليك بعضه للأسرة للإنفاق منه في ما يرونه مناسباً، وبقية المبلغ سيتم تخصيصه لشراء قطن ومطهرات للأخوة المعاقين. القصد من الاستطراد في صرف أوجه التبرعات إشراك القارئ في التفاصيل، خاصة وأن هناك الكثيرون قد تبرعوا بأموال وكان ينبغي أن يعيشوا تجربة صرف أموالهم ويعلموا أين ذهبت. هذا العمل الإنساني وقف خلفه عدد من الخيرين أبرزهم الموظفة بشركة زين والتي رفضت ذكر اسمها، وأخت كريمة من رابطة أبناء القطينة وعدد من الأخوة المغتربين ورجالات السجل المدني بأمدرمان بانت والقسم الفني والسجل المدني الخرطوم واللواء معاش هاشم سلمان رئيس رابطة أبناء القطينة والعميد الأنصاري، وهؤلاء قاموا بمهمة استخراج الأوراق الثبوتية للمعاقين حتى يتسنى تسجيل الركشة واستخراج شهادة البحث، وكان المسؤولون في السجل المدني قد ارسلوا موظفين بحقيبة إلى سكن الأخوة المعاقين لاستخراج الرقم الوطني من منازلهم. نسأل الله أن يجعل عملهم هذا خالصاً لوجهه وفي ميزان حسناتهم. خارج السور: أكثر رسالة مؤلمة وصلتني كانت من أحد الإخوة الخيرين، والذي أخبرني في وقت مضى بأنه متبرع بكرسي للأسرة، ذلك الأخ اعتذر بشدة أن زوجته سقطت على الأرض ولم تعد تستطيع الحركة إلا من خلال الكرسي الذي كان ينوي التبرع به، هذا الأخ لم يكتب لي طالباً إعفاؤه من التبرع بل كتب رسالة يستسمح فيها تلك الأسرة أن تسمح له باستعمال الكرسي ريثما تتعافى زوجته، وقد قرر التبرع بمبلغ خمسمائة جنيه نظير أجرة ذلك الكرسي.. فعلاً ....لسه الدنيا بخير. *نقلا عن السوداني