«السخرية من مواصفات الموضوعية» .. كيركغارد..! * على ذمة استطلاع تجريه مجلة (ريستورانت) اللندنية، التي تُصدر أحكامها بناءاً على آراء قرابة الألف طباخ وناقد طعام مختص، تنشر بعض الصحف العالمية قائمة بأفضل خمسين مطعماً في العالم .. مطعم فاخر اسمه (البطة السمينة) تصدر المركز الثاني في أحد الأعوام ثم تم إغلاقه بعد ذلك – ولمدة أسبوعين – بعد أن أصيب أكثر من أربعمائة – تناولوا طعامه - زبون بالتسمم ..! * الحادثة تؤكد حكمة قديمة مفادها أن «لا أمان ولا ضمان مع أكل المطاعم»، فلا حدود لإمكانية إصابتك بالتسمم بعد تناول أي وجبة في مكان عام، حتى وإن كان طعام ذلك المكان من الفخامة، والشهرة، واللذة، والدسامة بحيث يحتل المرتبة الثانية في قائمة أفضل وأشهر المطابخ العالمية .. فما بالك بحال المطاعم والواجبات الجاهزة في السودان، حيث لا يحرص المنتج ولا يكترث المستهلك ولا تأبه الدولة بمواصفات ومقاييس ما يباع ويشترى من طعام أو شراب ..؟! عملية التفكير ب «كم وكيف»الأخطار والأمراض التي قد تصاب بها جراء تناول وجبة في مطاعمنا المحلية قلق وعذاب لا نهائي قد يفضي بك إلى العيش في حالة عزلة غذائية دائمة ..تخيل معي رحلة إعداد الطعام الجاهز الذي تضطر في كثر من الأحيان لىشرائه مجبراً من محلات بيع الطعام التي تخالف أول وأولى الشروط والمواصفات الصحية .. من لبس القفاز النظيف - قبل وفي أثناء طهي الطعام وعند تغليفه وتسليمك إياه- إلى رحلة حفظ قطعة اللحم أو الدجاج المرشحة بامتياز لبكتيريا السالمونيلا- التي يتضاعف نشاطها مع الأطعمة المجمدة التي ينقطع عنها التيار الكهربائي بالساعات الطوال حتى تفوح روائحها، ثم يعاد تجميدها بعد رجوع التيارالكهربائي بالسلامة في آخر اليوم- قبل أن تحط رحالها على طبق طعامك ..! * تفكَّر معي في خطر السرطان، الماثل في كل ساندويتش سمك أو طعمية يتم قلي محتوياته في زيت مكرر .. تخيل رقصة الموت التي تؤديها حبات الطعمية في تلك الزيوت السوداء كل يوم .. وإذا شئت أن تعرِّج على موقع بقية الطلبات في قوائم مطاعمنا المحلية من شروط الطعام الصحي فالأدهى والأمر سيكون بانتظارك! * هنا قد يقول قائل إن الضمان والأمان الغذائي في تناول الوجبات خارج البيت يكمن في علبة مش أو زبادي مغلقة الإحكام .. وهذا صحيح من حيث المبدأ .. إنما ليس في هذا السودان حيث يتم تخزين العبوات المبردة بطرق عشوائية .. هذا مبالغة؟! .. كلا .. والدليل أن المواصفة القياسية لتخزين الزبادي – بحسب بيان الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس - تلزم الشركات المنتجة للزبادي بنقله في ثلاجات توصيل لا تقل درجة حرارتها عن عشر درجات، وتلزم المحال التجارية بحفظه في مبردات لا تزيد درجة حرارتها عن ذات الدرجات العشر، لضمان حفظه في سلسلة تبريد لا يقطع اتصالها انقطاع تيار الكهرباء .. ناهيك عن المواصفة القياسية لحفظ وتخزين الدواء – حقن الأنسولين مثالاً - ..! * والآن قل لي - بالله عليك - أي سلسلة تبريد لا ينفرط عقدها بانقطاع تيار الكهرباء لأكثر من تسع ساعات متواصلة؟! .. وبعد ذلك كله تتساءل عن سبب ارتفاع ضغط دمك رغم انتظامك في تناول الحبوب .. أو ارتفاع السكر في دمك رغم انتظامك في أخذ الحقن .. أو سر إصابتك بتسمم مجهول المصدر بعد تناولك لبعض اللبن المعبأ أو مشتقاته العلبة ورغم جودة مواصفات ومقاييس الشركة المنتجة ..! اخر لحظة