انتهاك القانون الدولى الانسانى فى سوريا بين موازين والسياسة وموجبات العدالة الدولية بقلم ناجى احمد الصديق المحامى محام وباحث فى القنون الدولى الانسانى بدأت ما يسمى اليوم بالاذمة السورية بمدينة درعا فى شهر مارس من عام 2011م بمظاهرات سلمية من المواطنيين تنادى باصلاح الوضع فى سوريا ، وحيمنا تم التعامل مع تلك المظاهرات بعنف زائد من السلطات السورية تتطور الشعار المرفوع الى رحيل النظام ، ومنذ ذلك الوقت اخذ الوضع فى سوريا فى التفاقم الى ان وصلت حدة النزاع الى مستوى النزاع المسلح غير الدولى ( Non conflict armed International ) بحسب تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التى انشئت من قبل هيئة الاممالمتحدة لحقوق الانسان للتحقيق فى الوضع السورى وبحسب التوصيف الذى اطلقته عليه لجنة الصليب الاحمر الدولية . بمجرد وصول التزاع فى سوريا الى درجة النزاع المسلح غير الدولى فان اوضاعا قانونية كثيرة تنشأ على مناطق ذلك النزاع وتنهى كلها الى وضع قواعد القانون الدولى الانسانى قيد التنفيذ وهى قواعد ترتب التزامات ومسؤليات وواجبات على كافة اطراف النزاع وينتج عنها فى نهاية الامر تحديد المسؤليات فيما بتعلق بانتهاك قواعد ذلك القانون والكيفية التى يمكن تقدمهم الى محاكمة جنائية دولية وانزال العقاب المناسب عليهم. فى بداية الامر يجب الاشارة الى ان النزاع الذى يدور الان فى الاراضى السورية هو نزاع مسلح غير دولى –كما شرنا - بحسب المعايير الدولية والتى تعتبر النزاع نزاعا مسلحا غير دولى اذا كان يدور على اقليم الدولة بين قواتها المسلحة وقوات مسلحة منشقة او جماعات نظامية اخرى وتمارس تحت قيادة مسؤلة على جزء من اقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومتسقة ، وعليه بما ان النزاع المسلح غير الدولى تطبق عليه احكام القانون الدولى الانسانى فاننا ستعتمد فى تقييم الوضع فى الاراضى السورية على اتفاقيات جنيف الاربعة لسنة 1949م والقانون العرفى للحروب للتعرف من خلالها على مدى وجود انتهاكات للقانون الدولى الانسانى فى ذلك التزاع . تكفل المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الاربع الحماية للعسكريين اللذين يخرجون من القتال بسبب الجرح او المرض او الاسر وذلك بحظر الاعتداء على حياتهم وسلامتهم البدنية وكرامتهم الشخصية وكل فعل من هذه الافعال يشكل جريمة حرب كما يرى الدكتور بابكر الشيخ حيث ارورد فى كتابه (انعاكاسات العولمة على على الجوانب القانونية والتشريعية للدول) ان جريمة الحرب بصفة عامة تعنى الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى الانسانى والتى تعرف فى اصطلاح التقليدى بانها الجريمة او الجرائم التى ار تكبت بالمخالفة لقوانيين واعراف الحرب ولهذا فان ارتكاب الافعال التى حظرتها المادة الثالثة المشتركة تعد من قبيل جرائم الحرب .. اشتمل الباب الثانى من الاتفاقية جنيف الثالثة بشأن اسرى الحرب على بيان الحماية العامة لهم بحسب المواد 12 الى 16 شاملة وقد تحدثت تلك المواد عن المعاملة الانسانية لاسرى الحرب فى جميع الاوقات .فلا يجوز قتلهم او تعذيبهم او ممارسة العنف او التجارب البيولوجية عليهم . اما فيما يتعلق بالشريحة الكبرى من ضحايا الحرب السورية وهم السكان المدنيون فان اتفاقيات جنيف لسنة 1949م قد افردت لهم اتفاقية كاملة وهى الاتفاقية الرابعة لحماية الاشخاص المدنيين فى وقت الحرب ، فبالاضافة الى الحماية العامة المقررة فى المادة الثالثة المشتركة للاتفاقيات فان الاتفاقية الرابعة جاءت بانواع اخرى من الحماية منها انشاء ممرات آمنة ومنظمة تسمح بحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والاطفال والحوامل ، كما نصت على انه يجوز لاى طرف فى النزاع ان يقترح على الطرف المعادى انشاء مناطق محايدة فى الاقليم الذى يجرى فيه القتال بغرض حماية الاشخاص المدنيين ، كم قررت الاتفاقية الرابعة ايضا حق المدنيين فى جميع الاوقات فى احترام اشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية .. كما يجب حماية النساء بصفة خاصة ضد اى اعتداء على شرفهن ولا سيما ضد الاغتصاب والاكراه على الدعارة ، كما الزمت الاطراف المتحاربة بضرورة السماح بمرور شاحنات الاغاثة والاغذية والادوية والمساهمات الطبية وهنالك ايضا حماية على الممتلكات والاعيان المدنية اضفتها الاتفاقية الرابعة منها حظر الهجوم على المستشفيات والمدارس واحترام عمليات نقل الجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس بواسطة قوافل المركبات وقطارات المستشفى وذلك بوضع الشارات المميزة لها ، وقد اهتم القانون الدولى الانسانى بالممتلكات الثقافية على وجه الخصوص حيث قام بتعريفها وتحديد الحماية التى تتمتع بها قام القانون الدولى الانسانى باضفاء حماية خاصة على الشريحة الاكثر صعفا من المدنيين وهى شريحة النساء والاطفال ، فقد جاء فى قرار حماية السكان المدنيين فى فترة النزاعات المسلحة الصادر عن المؤتمر الدولى السادس والعشرين للصليب الاحمر والهلال الاحمر المنعقد بجنيف فى دسمبر 1995م انه (يعرب عن سخطه على ممارسة اعمال العنف الجنسى فى النزاعات المساحة ويدين بشدة تلك الاعمال ويطلب بالحاح انشاء ودعم آليات تسمح بالتحقيق مع جميع المسؤليين واحالتهم الى القضاء) وجاء فى نفس ذلك القرار انه (يدين القتل المتعمد للاطفال والاستغلال الجنسى والمعاملة السيئة كما يدين بقوة تجنيد الاطفال الذين يقل عمرهم عن خمسة عشرة سنة فى القوات المسلحةاو فى الجماعات المسلحة) اهتم القانون الدولى الانسانى بالمتوفين والمفقودين حيث قم بتنظيم كيفية التعامل معهم ، ففى المادة 130 من الاتفاقية الرابعة والمتعلقة بحماية المدنيين الزم السلطات الحاجزة ان تتحقق من ان المعتقلين اللذين يتوفون اثناء الاعتقال يدفنون باحترام لشعائر دينهم وان مقابرهم تحترم وتصان بشكل دائم وتتميز بطريقة يمكن بها الاستدلال عليهم ، وبشأن المفقودين الزم القانون الدولى الانسانى كل طرف تزاع وحال ما تسمح به الظروف وفى موعد اقصاه انتهاء العمليات العدائية ان يقوم بالحث عن الاشخاص المفقودين الذين ابلغ الخصم عن فقدهم ويجب على الخصم ان يبلغ جميع المعلومات المجدية عن هؤلاء الاشخاص لتسهيل البحث ويجب ان يكون التبليغ اما لدولتهم مباشرة او عن طريق الدولة الحامية او الوكالة الدولية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الاحمر. هذا اجمال لبعض الاحكام التى وردت فى اتفاقيات جنيف الاربع والتى تعتبر العمود الفقرى للقانون الدولى الانسانى ، ولنا ان نتساءل عن المدى الذى وصل اليه انتهاكات ذلك القانون فى التزاع المسلح الداخلى فى سوريا ؟ التقارير التى اصدرتها المنظمات الدولية حول حجم ضحايا التزاع السورى تشير بوضوح الى هنالك جرائم حرب وجرائم ضد الاتسانية قد تم ارتكابها فى ذلك الصراع ، ومن بين تلك التقارير ما جاء على موقع جريدة الوطن من اعلان للمرصد السورى لحقوق الانسان بانه وبعد مرور 4 سنوات و3 اشهر من الحرب فى سوريا بلغ ضحايا ذالك الصراع حولى 230 سوريا بينهم 84259 الى 101697 مدنيا و 14055 الى 14857 طفل وحوالى 3980623 لاجئ سورى مسجل ، اما صحيفة الشرق الاوسط فقد اوردت فى عددها رقم 12210 بتاريخ 3 مايو 2012م ان منظمة هيومن رايتس ووتش قالت ان الحكومة السورية قامت بقتل ما لا يقل عن 95 مدنيا واحراق وتدمير منازل اثناء عمليات عسكرية استغرقت اسبوعين فى شمال محافظة ادلب بين 22 مارس و 6 ابريل الماضيين ..... ويوثق التقرير الذى اصدرته المنظمة العشرات من عمليات الاعدام خارج نطاق القانون وقتل المدنيين وتدمير الممتلكات المدنية ، وجاء فى موقع احوال الارض ان مكتب الاممالمتحدة لتنسيق الشئون الانسانية قد اورد فى تشرته رقم 22 ان عمليات العنف اصبحت تزداد على نحو واسع وان هنالك ما يقارب 1.2 مليون منزل متضرر منها 400 الف مدمر كليا وتدمير البيئة التحتية لنصف مليون منزل ، كما جاء على نفس الموقع ان الجنة الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية قد اصدرت تقريرا فى 5 فبراير 2013م ، وقد اشار ذلك التقرير الى حالات تعمدت فيها القوات الحكومية قصف المنازل والمبانى السكنية بشكل جسيم ودون ان يكون هنالك اية ضرورة عسكرية . من خلال ما اوردناه نجد ان هنالك جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية قد تم ارتكابها فى النزاع المسلح غير الدولى على الاراضى السورية ، وان هنالك ادلة موثقة وقوية تدين الكثير من اطراف ذلك النزاع ، وكان من الممكن التحدث ان امكانية تقديم مرتكبى تلك الجرائم الى محاكم جنائية دولية ، بالرغم من التعقيدات والصعوبات التى تكتنف تكوين تلك المحاكم ، ولكن التدخل الروسى العسكرى فى النزاع الموجود على الارض السورية ذاد من ابعاد ذلك التعقيد وحوله الى شئ اقرب الى الاستحالة قامت روسيا وهى واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الامن بالتدخل عسكريا فى النزاع السورى بحجة محاربة داعش واصبحت طائراتها الحربية الحديثة الصنع تصول وتجول فى سوريا وتحارب جنبا الى جتب مع قوات النظام السورى والشئ الذى يعنينا الآن هو صدور تقارير عن منظمات دولية تؤكد ارتكاب روسيا لجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية فى غمرة مساندتها لقوات النظام السورى وبهذا تدخل روسيا على خط المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ومن بين تلك التقارير تقرير منظمة العفو الدولية والذى جاء على موقع (الديلى صباح اربيك) (ان بعض الهجمات التى تشنها روسيا على المدنيين فى سوريا ترقى الى جرائم حرب ) وانتقدت المنظمة بشدة روسيا لاستخدامها الذخائر العنقودية والقنابل غير الموجهة على مناطق فى سوريا فى هجمات قتلت المئات من المدنيين ، وقال فيليب لوثر مدير برنامج منظمة العفو الدولية فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا (ان بعضا من الضربات الجوية الروسية يبدو انها هاجمت المدنيين مباشرة او اهدافا مدنية بضربها المناطق السكنية دون ان يكون ثمة دليل على وجود اهاداف عسكرية ) اما منظمة هيومن رايتس ووتش فقد قالت : ان نوعا متقدما من القنابل العنقودية الروسية استخدم فى غارة جوية على جنوب غرب حلب فى يوم 14/اكتوبر 2015 . اذن فان دخول روسيا على خط الصراع السورى بعد ان كانت داعمة لها فى المحافل الدولية ومن بينها مجلس الامن يثير كثيرا من القلق بشأن مستقبل العدالة الجنائية الدولية فى محاكمة منتهكى القانون الدولى الانسانى فى سوريا وذلك ان روسيا وبوصفها واحدة من الاعضاء الدائمين الذين يمتلكون حق الفيتو فى مجلس الامن ستقوم بحماية نفسها اولا وحماية حليفها النظام السورى ثانيا وتعرقل اى قرار باحالة الوضع فى سوريا الى المحكمة الجنائية الدولية او اصدار اى قرار بانشاء محكمة جنائية دولية خاصة على قرار محكمتى يوغسلافيا السابقة ورواندا او مختلطة على قرار المحكمة الخاصة بلبنات بحسبان ان انشاء مثل تلك المحاكم من مجلس الامن الدولى ، وبعرقلة روسيا لتلك القرارات فانها تكون قد حجبت اية بارقة امل فى محاكمة منتهكى القانون الدولى الانسانى فى سوريا بقرار من مجلس الامن الدولى ، تماما كما حجب النظام اية بارقة امل فى مبادرة المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة منتهكى القانون الدولى الانسانى لامتناع سوريا عن التصديق على النظام الاساسى للمحكمة من جهة ، ولعدم ابداء النظام السورى اى استعداد لتكوين محكمة داخل النظام القضائى الوطنى لاجراء تلك المحاكمة ، ولم يبق الا ان تقوم دول العالم بانشاء اتفاقية دولية او اقليمية لتكوين محكمة جنائية دولية وهذه ايضا تحتاج الى موزانات دولية غير متوفرة على ارض الواقع اذن فان دخول روسيا على خط النزاع السورى كطرف من اطراف الصراع يؤدى دون شك الى تضاءل فرص المحاسبة لمنتهكى القانون الدولى الانسانى ومن ثم فان ضحايا ذلك النزاع ليس بوسعهم الا انتظار اختلال توازنات القوى المحلية والاقليمية والدولية لحسم النزاع الدائر ومن ثم ايجاد صيغة توافقية لتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة المجرمين الذين قاموا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية والا فان كل ما تقوم به المنظمات الانسانية والحقوقية فى سوريا لا يكون ابعد من صرخات جرحى ونواح ثكلى وانات مرضى يودعونها ذمة التاريخ ... لا للمحاكمة او المحاسبة وانما للعبرة والاعتبار [email protected]