مقدمة: ورد في مقال صلاح شعيب المنشور بالراكوبة بعنوان السوداني في نظرته الملتبسة إلى الولاياتالمتحدة فقرة تقول (وفي مدينتنا لم يجد المسلمون مكانا لصلاة التراويح إلا في معبد اليهود) وارجع ذلك إلى (وهذه قمة الوعي الجديد الذي اكتسبه المسلمون هنا) وهنا تعني امريكا. ولكن هل ذلك صحيح هل هنالك وعي جديد مكتسب لدي المسلمون في الغرب أو أماكن أخرى من العالم؟ النخب العربية ونقد الفكر الإسلامي: ان قصور الفكر العربي الإسلامي عن إدراك الواقع ومن قبله جوهر الإرشاد الإلهي كان واضح عند كثير من النخب العربية التي بدأت حركة لنقد ذلك الفكر تحت عناوين كثيرة مثل نقد الخطاب الديني والإصلاح الديني وغيرها، ولكن ما يعيب تلك الحركة هو عدم دخولها في صراع فكرى داخل المجال الذي اختص به الفكر العربي الإسلامي نفسه بل التفت عليه وحاولت دراسة مفهوم الدين كحالة إنسانية وليس كتجربة شخصية إنسانية، وبقية النخب التي عملت على دراسة الدين كتجربة عملت على نقد جزئي للفكر العربي الإسلامي دون وجود رؤية كلية تفرق بين الرسالة الإلهية والفكر العربي الإسلامي، بالإضافة إلى انغلاق كل ذلك داخل الإطار الأكاديمي والدراسات العلمية فقط، فلم تتحول تلك الدراسات إلى واقع يتشكل ويشكل المجتمع من اجل فتح الوعي والحياة الإنسانية بعد إغلاقها من قبل الفكر العربي ومجتهديه وتحديدا السلسلة الممتدة من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب إلى حسن البنا وسيد قطب، فتلك السلسلة التي قفلت الفكر والمجتمعات داخل إطارها الداخلي وأغلقت كل الطرق التي من الممكن ان تؤدي إلى تواصل إنساني هي التي استسلمت لها النخب العربية باعتبارها تمثل الرؤية الكلية للفكر العربي الإسلامي ولم تتجاوزها لترى ما خلفها من بحر متلاطم من الاختلافات الفكرية والاجتهادية التي كانت تدور في مرحلة التأسيس الأولى للخطاب العربي الفكري. فلم نرى من النخب التي اجتهدت في تقديم نقد الخطاب الديني أو الإصلاح الديني أي اثر اجتماعي قيمي أو سلوكي ساهم في تحويل تلك النظريات إلى واقع معاش واستطاع ان ينقل معه المجتمعات إلى واقع مختلف، وهو ما يعيب تلك النخب التي اكتفت بالمساهمة الأكاديمية وأصبح الحوار بينها فقط في تعالي واضح على المجتمع، وتناست تلك النخب ان أهمية الرسالة الأكاديمية في جوهرها هو فاعليتها الاجتماعية. واهم المحاور التي كان من الممكن ان تتحرك داخلها تلك النخب هو مفهوم الآخر الديني تحديدا نتيجة لوجوده في كل المجتمعات. فرغم التصالح الديني الذي تمتاز به تلك النخب إلا انها لم تحول ذلك التصالح إلى ظاهرة اجتماعية وبالتالي لم يكن هنالك اثر اجتماعي حقيقي لذلك التصالح. فرغم صلاة المسلمين في الغرب في الكنائس والمعابد ولكن هل قاربت تلك الأماكن من حيث القدسية للمساجد، وهو ما يرجعنا إلى ابن تيمية وما بعده إلى ان وصلنا إلى مرحلة المجموعات التكفيرية، فقبله كانت صلاة المسلمين في الأديرة والمعابد والمساجد والصوامع تنقسم بين الإباحة والكره والتحريم ولكن من ابن تيمية وما بعده تم اعتماد التحريم فقط. فلماذا لم تعتمد تلك النخب الاختلاف الفكري في المراحل الأولى للفكر العربي حتى تستطيع ان توجد اختلاف في مفهوم الآخر ونجد مكان للتعايش جميعا دون إقصاء أو حرب الإبادة التي يقودها الفكر التكفيري المستمد من ابن تيمية وما بعده. والنخب التي تسعي إلى نقد الفكر الديني لا يعوزها لا الاختلاف الفكري الموجود أو حتى السند التاريخي الذي يمكن ان يدعمها اجتماعيا في مقابل فكر الآخر، فالباحث في داخل تاريخ التأسيس يجد الأثر الذي من الممكن ان يدعم تعايش الاختلاف، ففي ذلك الأثر نجد ان وفد نجران المسيحي عندما جاء إلى المدينة صلي بالمسجد، وكذلك نجد دعوة راعي كنيسة القيامة لعمر بن الخطاب للصلاة داخلها ورغم رفض عمر ان يصلي داخلها حتى لا يحولها المسلمين إلى مسجد ولكنه صلي على بابها. فلم تعمل تلك النخب التي تسعي إلى نقد الخطاب الديني على تأسيس خطاب مغاير أو تأسيس ظواهر اجتماعية مغايرة حتى تنقل المجتمعات إلى مراحل أخرى من الاختلاف والتعايش، فالصلاة داخل المعبد اليهودي أو الكنيسة التي نجدها في المجتمع الغربي تدخل في دائرة فقه الضرورة وليس إيجاد فكر مغاير، ولا يمكن ان يستدل بها إذا لم تنتقل من حالة الضرورة إلى حالة الطبيعة وفق تساوى القدسية في أماكن العبادة كما ساوى بينها الإرشاد الإلهي (لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)). [email protected]