حكى صديقي طرفة – قد تكون من خياله – لكنها تعبر عما درج عليه الانقاذيون في تسمية الأشياء خلافا لحقيقتها تضليلا أو مغالطة .. قال : زار أحدهم معرض الكتاب بنية شراء رواية ماركيز ( الحب في زمن الكوليرا ) فوجد أن الرقابة قد أزالته من أرفف المعرض بحجة أن الاسم قد يثير العامة والبلاد يجتاحها هذا المرض .. عاد بعد يومين فوجد الكتاب قد عاد الى الأرفف بعد أن فرضت الرقابة تغيير الاسم على الغلاف فصار ( الحب في زمن الإسهال المائي ) ! هذا ما درجت عليه كل النظم العسكرية التي مرت بنا بإطلاق أسماء مغايرة لطبيعة الأشياء .. فنميري سمى جمهوريته المستبدة ( السودان الديمقراطية ) .. وقبلها انقلاب 17 نوفمبر أطلق عليه صانعوه ( الثورة المباركة ) .. وقد أجاب اللواء محمد طلعت فريد وزير الاستعلامات ( الاعلام ) وقتها على سؤال أحد الصحفيين المصريين حين سأله : " لماذا تسمون ما قمتم به ثورة وهو في الواقع إنقلاب ؟ " أجاب : " نحن عملناهو ، نسميه ثورة نسميه إنقلاب على كيفنا " ! وفي عهد الانقاذ من الأمثلة ما لا حصر لها ، يكفي أن من ماتوا في الجنوب وهم يقاتلون شعبهم ويحرقون قراه كانوا يسمون شهداء ، لكنهم جُردوا من هذا اللقب لاحقا حين نازع شيخهم تلاميذه على السلطة ..! من المعلوم منطقيا أننا نطلق صفة على الفاعل قياسا على ما فعله ، فلا يصح - مثلا – أن نصف من يهرب من أرض المعركة في مواجهة خصمه بأنه كان شجاعا مقداما ، ولكن غرائب الانقاذ لا تنقضي .. فرغم الهروب شمالا وجنوبا والاختباء ساعات داخل طائرة في مطار مهجور هربا من مواجهة نتائج اعماله التي أقر بها ، يعود المعني بالقول – في احتفالية باهرة – أسداً لافريقيا ..! ما نعرفه بالفطرة قبل أن نتعلم المنطق أن صفة الفاعل تستقيم مع طبيعة فعله ولنا عبرة فيما ُروي عن أعرابي بسيط – مع ملاحظة سمو السماء عما يجري على الأرض - : كان الأصمعي يتلو أيات من سورة ( المائدة ) وبجانبه أعرابي أمي لا يقرأ ولا يكتب .. وحين تلى الأصمعي الآية (38) " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم " ، انتفض الأعرابي وصاح : ( لم تنزل هكذا ) .. سأله الأصمعي : وهل تحفظ القرآن ؟ أجاب : لا أحفظه .. فرجع الى المصحف وقرأ الآية فكانت " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم " سأله الأصمعي : كيف عرفت ؟ قال : عز الله وحكم فقطع .. ولا يجوز غفر الله ورحم فقطع .. مصطفى محمد علي [email protected]