قرى قدرت لها ظروف الحياة بان تتناثر هنا وهناك على امتداد شريط النيل الأبيض الشرقي جنوب القطينة وشمال الدويم , وكأنها وضعت بعناية تامة لتطوي هذه المسافات وتخفف وعثاء السفر لكل من يعبر بهذا الاتجاه راجلا أم راكبا , بعد أن وهبتها هذه الحياة رابطا اجتماعيا يشد به بعضها البعض في وحدة وتكاتف متلازمين , كان الحلم يساور أهلها حينما وضعت شركة سكر النيل الأبيض أرجلها على أرضهم الطيبة بان تتبدل حياة البؤس والشقاء الذي لازمهم طيلة ارتباطهم بها إلى نعيم ظل الجميع يترقبه , بدا الكل يرسم صورة زاهية لمستقبل حياته بعد تنفيذ المشروع وتعويضهم عن كل شبر استغلته الشركة لصالحها ولكن.... لم تعد دماء الأهالي التي أريقت بقرية الأعوج بعد الاحتجاجات على تعويضاتهم هي آخر الدماء , بعد أن تعرضوا للضرب بالرصاص الحي وخراطيم المياه والعصي الكهربية في المواجهة التي تمت بينهم وقوات الشرطة في ذلك الوقت , حيث فقدت المنطقة جراء ذلك أرواح بريئة وجرح آخرين في صورة لم تشهدها المنطقة من قبل بما يحمله أهلها من طيبة قلب وحسن نوايا , مع عدم الالتزام بالضوابط اللازمة للتعامل مع مثل هذه القضايا من الجهات ذات الاختصاص ليتكرر المشهد من جديد مع احد المواطنين في سيناريو مختلف. محمد الضو حمد بلال شاب ثلاثيني من قرية أبو قوة إحدى القرى المجاورة للمشروع , لم تجد ماشيته غير المساحات المتاخمة له للرعي فيها , وبالتحديد المساحة الواقعة بالقرب من المنطقة المزروعة بالقصب , وذلك لعدم وجود أي مساحات أخرى للرعي في خارطة المشروع , بعد أن وضعت شركة سكر النيل الأبيض يدها على كافة المساحات , وأثناء ما هو يرعى بماشيته أتى إليه أفراد الشرطة التابعة للمشروع وذكروا له بأنهم سيقومون بتصوير ماشيته بجوار القصب ليتوجهوا بها بعد ذلك إلى الزريبة لتتم غرامته بمبلغ (12) ألف جنيه على حد قوله , رفض الانصياع لأمرهم , وحينما قاومهم أطلقوا عليه الذخيرة الحية لتعطيله لينقل على اثر ذلك إلى مستشفى الدويم ومن ثم إلى الخرطوم لمتابعة حالته الصحية. ما حدث لهذا الشاب في اليومين الماضيين هي أسباب السياسات العقيمة التي تتبعها إدارة الشركة مع أصحاب الأرض , والتي جعلت من المنطقة مسرحا لمثل هذه الأحداث لتزداد وتيرة الغضب عند الأهالي , فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبما أن هذه الشركة خاصة لماذا لم تراع حقوق المواطن صاحب الأرض كشريك أصيل ؟ والى متى سيستمر نزيف أبنائنا بسبب السياسات الخاطئة ذات النظرة الضيقة والتي لا ترى سوى مصالحها الخاصة ؟ على إدارة الشركة أن تعيد قراءتها لخارطة المشروع جيدا حتى تلبي احتياجات المواطنين المشروعة تفاديا لأي مشاكل قد تحدث مرة أخرى , ولكي يندمل هذا الجرح النازف لابد من إعطاء كل ذي حقه , ويتعين عليها بالتعامل الايجابي لتجنب الاحتقان الشعبي وعدم إثارة المواطنين في مثل هذه المواقف [email protected]