فى ساعات الصباح الباكر فى شارع النيل من جانب الشمال تلقاء جامعة الرباط ، يلاحظ الذى يمر فى هذه الفترة بهذا الشارع ، اجتماع مجموعة من الشباب يقدمون خدمة التعليم والاطعام المجانى لفاقدى السند الاجتماعى الذين نسميهم اصطلاحا ( بالشماسة ) . وحقيقة هذه رساله كبيرة ولفته انسانية بارعه تؤكد مدى المسئولية الوطنية التى يتصدرها هولا الشباب ، فهم يتسببون فى معالجات اجتماعية غائرة عجزت عن تطبيبها السلطة بكل ماتملك من اسباب العلاج ، ولعل فشل السلطة فى ذلك يعود الى انها لاتوظف موظفين للرعاية الاجتماعية بالمعنى الذى يحقق المقصد من توظيفهم كمسئولين للرعاية الاحتماعية بالبلاد ! ، وهذه مسألة بحرها عميق وتحتاج الى مساحة ارحب تناقش واقع الباحث الاجتماعى ( الحاضر الغائب ) الذى لايخطط ولا ينفذ وفى ذات الوقت يشكل العبء على السلم الوظيفى للدولة ، وهى قضية ليست الان مربط فرسنا ، ففى هذه السانحة يقتصر دورنا بالتأكيد على احترام وتقدير المجهود الذى يبذله هولا الشباب بشارع النيل ، لان المبادرة التى ينهضون بها تستحق الوقوف والتأمل وتستحق التشجيع والاشادة ،لانها اولا ، مستوفية للشروط التى تجعلها مبادرة خلاقة تؤكد صحوة الضمير الذى يجب ان ينشط داخل كل فرد من افراد المجتمع تحقيقا لمعنى الانسانية القائمة على مبدأ ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) . وثانيا ، لانها صادرة من ( بنات واولاد ) صغار نسبيا فى السن ، وهذا دليل عافية ودليل على ان مستقبل السودان بايدى امينه ، فالفكرة بتفاصيلها وعلى ظاهر عمومها فكرة غير ، فكرة تبين ان السودان دائما ينصره الشباب حينما يخذله الشيوخ ! ... ولا نملك الا ان نشد على ايادى القائمين على امر الفكرة لنحيهم تحية حارة يستحقونها عنوةً وجدارة ، تزامنا مع استفسارنا منهم عن المقصد الاساس من اختيار الموقع لتنفيذ مثل هذا المشروع الحيوى ، هل لان شارع النيل يحقق ( الشوفينية ) التى تربح المنظمة التعاطف المطلوب من قبل المسئولين الذى يستغلون الشارع للمرور الى مكاتبهم ؟ .. ام الاختيار وقع عن طريق الصدفة ؟ .. واذا كان الامر كذلك هل يعنى هذا ان المنظمة تريد خدمة شريحة الشماسة ولا تعرف اين اماكن تواجدهم الحقيقى ؟ .. ثم ثانيا هل تعى المنظمة ان الخدمة التى تقدمها يذهب ريعها لغير مستحقيها ؟ .. كيف ؟ سأبين لكم ذلك ، ان الاطفال الذين يجلسون الان على ( الدكك ) او على الكراسى فى الهواء الطلق ويتظاهرون بتلقى ابجديات التعليم معظم هولا الاطفال ليسوا بفاقد تربوى كما يتبادر الى اذهان اهل المنظمة ، هولا طلاب مدارس يقضون اجازاتهم السنوية فى غسيل السيارات بشارع النيل ، اما الشماسة الحقيقون منعزلون عن حياة الاضواء ، ويسكنون تحت ظلال جدران الكنيسة الانجيلية بوسط الخرطوم ، منهمكين فى ( الشم ) و ( السطل ) ويتدارسون بينهم علوم ( الفتونة ) بالابجدية الهندية التى يتعلمونها من الافلام والمسلسلات التى يحضرونها بنوادى المشاهدة بالسوق المحلى ! ما يعنى ان جهود المنظمة مهدورة فى ( الفارغه والمقدوده ) وهذه هى مشكلة الشعب السودانى دائما تعوزه موهبة اللمسة الاخيرة فى تحقيق الهدف ، فالعمل الخيرى اذا ضل المقصد ، تنتفى على غراره قيم المفاهيم التى تعتبره عمل شريف ، هناك منظمات محلية يمتهن منسوبيها التسول على ( استوبات ) الحركة وداخل الاسواق لجمع الاموال لانجاز المشروعات الخيرية التى يدعون القيام بها ، مما ينمط من طبيعة العمل الطوعى ويشوه صورته امام العقل الجمعى الذى بات يعتقده عملا تحوم حوله الشبهات .. المنظمات المحلية الان عددها اكثر من صوف شعر الراس ، وجميعها لاتمتلك مقدرات مالية او مصادر تمويل مستقلة تمكنها من تنفيذ مشاريعها ، بعضها يدخل فى شراكات مع منظمات دولية ، وتتحصل على الاموال لكن لاتلبث وتضيع هذه الاموال تحت ( الركب ) ... نحن لا نريد تبخيس عمل هذه المنظمات عبر هذه المناقشة ، لكن نريدها ان ترشد تجاربها بالصورة المنطقية التى تجعلها منظمات حقيقية ، فالنشاط الريائى يمحو عنها صفة الخيرية ويجعلها منظمات مسجلة ( لحاجه فى نفس يعقوب ). وختاما فى المجمل مبادرة شباب شارع النيل فى التعليم والاطعام مبادرة كما اسلفت جديرة بالاشادة والاحترام ، ماينفصها فقط التطبيق فى مكان الحدث ،بالسوق العربي وسط الخرطوم . الاهرام اليوم [email protected]