الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة العلاقات الخليجية: في أسباب الحملة على قطر ودوافعها
نشر في الراكوبة يوم 06 - 06 - 2017


05 يونيو، 2017
وحدة تحليل السياسات
(لعل من أكثر الأمور كآبة أن نقتصر في تحليلنا على الأزمة الخليجية والعربية على ما سيكون عليه موقف السودان من أقطابها المتنازعة. لو فعلنا ذلك كنا من غمار المعارضين لنظامنا الحاكم. وسنكون معارضين أسوياء متى نفذنا إلى الأزمة في مصطلحها وتاريخها وعواقبها وتَكّون لنا رأي مجتهد في أزمة واقعة في نطاق من نطاقات بلادنا الحيوية: العالم العربي. وهو رأي نذيعه ونستقطب له الجمهور الأغزر طلباً لتكوين الكتلة الحاسمة التي ستملي على الحكومة نفسها أي طريق تنهج في هذا الإشكال العربي والدولي العصيب. ليس هذا وقت للشماتة في الحكومة: لا عطفاً عليها ولكن استهواناً لها. فلنا مرة أخرى جنود سودانيون في وغى هذه الحرب ونريد لهم بيئة آمنة من وضاعة المساومات والذيلية وأكثر أماناً حين نخرجهم من الحرب سالمين آمنين. الأمر كثيف و"جهجهة" الحكومة مسلية لو كان هذا غرضنا من المعارضة.
وعليه رأيت أن أشرككم في هذا التقرير الصادر اليوم من المركز العربي للأبحاث وتحليل السياسات في قطر لتروا وجهة نظر قطرية مكتوبة بصورة علمية قابلة للخلاف لا للإهمال. وأملي منها أن تغطي فجوة في عرض الرؤى المتنافسة لغلبة الرأي المعادي لقطر في إعلام اليومين الماضيين. وللشفافية فعارض التقرير عليكم، أنا، ممن استفاد كثيراً من الفرص التي اتاحها المركز مشكوراً بالكتابة لمؤتمرات علمية ناضجة في قضايا العرب والعالم ومنها مسألة الإرهاب) فإلى التقرير:
صحا القطريون فجر الرابع والعشرين من أيار/ مايو 2017 على وقع حملةٍ إعلاميةٍ شديدةٍ قادتها وسائل إعلام إماراتية وسعودية نسبت تصريحات إلى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تبيّن أنها مفبركة بصورة كاملة. فقد جرى اختراق وكالة الأنباء القطرية بعد منتصف ليل الثلاثاء/ الأربعاء 23/ 24 أيار/ مايو ونشر تصريحات زُعِم أنّ أمير دولة قطر أدلى بها في حفل تخريج الدفعة الثامنة من منتسبي الخدمة الوطنية الذي جرى صباح اليوم السابق. وعلى مدى أسبوعين تقريبًا تناولت وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية قطر وسياستها، ووصل الهجوم حدًا خرج فيه حتى عن الأعراف والتقاليد العربية الخليجية، من خلال تناول العائلة الحاكمة القطرية بالنقد والتجريح.
وبأسلوب الصدمة أيضًا، وفيما يشبه إعلان حرب، أعلنت كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر صباح الخامس من حزيران/ يونيو قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، ومنع العبور في أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر، وإمهال المقيمين والزائرين من مواطنيها فترةً محددةً لمغادرتها، ومنع المواطنين القطريين من دخول أراضيها وإعطاء المقيمين والزائرين منهم مهلة أسبوعين للخروج.
جذور الأزمة
تميّزت السياسة الخارجية القطرية منذ عام 1995 بالدينامية والمرونة والقدرة على المناورة ومحاولة إيجاد علاقات متوازنة مع أكثر القوى الإقليمية والدولية. فبنت قطر علاقاتٍ متينةً مع الولايات المتحدة الأميركية، واستضافت في "العُديد" إحدى أكبر القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، في الوقت الذي انفتحت فيه على القوى الإقليمية الأخرى على الرغم من التناقضات الكبيرة فيما بين هذه الدول. وقد انفتحت قطر على المبادرات والمؤتمرات الحوارية التي غدت جزءًا من أدوات السياسة الناعمة التي تستخدمها، وأطلقت ثورةً إعلاميةً عبر إنشاء قناة الجزيرة، وشرّعت من خلالها الباب أمام مناقشة قضايا كانت تعد "تابوهات" في الفضاء السياسي العربي المغلق. فقد عملت الجزيرة على استضافة مثقفين وإعلاميين وناشطين من مختلف التيارات السياسية والفكرية الليبرالية والقومية واليسارية والإسلامية، وتناولت أكثر القضايا حساسية في العالم العربي. وعلى الصعيد الداخلي، اتسمت سياسة قطر بالانفتاح؛ فأولت قضايا المرأة اهتمامًا كبيرًا، وقامت بلبرلة التعليم وفتح فروع للجامعات الأميركية، وفتحت المجال لقيادات إسلامية منفتحة كي تقوم بدورٍ مؤثرٍ في تجديد الخطاب الديني. وفي الوقت ذاته، سمحت ببناء كنائس جرى تمويلها بتبرع من أمير قطر نفسه.
ومنذ منتصف التسعينيات، مثلت التوجهات القطرية، وبخاصة في السياستين الخارجية والإعلامية، مصدر إزعاجٍ لبعض الحكومات، وكانت مادةً لعنوان تأزّمٍ دوري في العلاقات مع هذه الدول على امتداد العقدين الماضيين، وبصورة خاصة السعودية.
ووقفت قطر بقوة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة. ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، حاولت الدول العربية تحميل الإعلام وقطر المسؤولية عنها في تهربٍ من عملية محاسبة للنفس على الأخطاء والسياسات التي قادت إلى الحالة الثورية عربيًا. وقد ازدادت الضغوط على النظم العربية في ضوء النموذج الحضاري الذي قدمه الشباب العربي في الساحات والميادين العامة، وأثار إعجاب الغرب والعالم، وجعل الولايات المتحدة تتخلى، أمام هذا النموذج السلمي والراقي في التغيير، عن أكثر حلفائها قربًا، كما حصل مع نظام حسني مبارك في مصر.
وفيما كانت قطر وقناة الجزيرة تؤديان أكثر أدوارهما حيوية ومحورية في المنطقة العربية خلال هذه المرحلة، كانت النظم العربية تعيش مرحلة انكماشٍ ودفاعٍ عن النفس، محاولةً الانحناء للعاصفة ريثما تهدأ. لكن الأمور لم تلبث أن تغيّرت بسرعة.
مثّل عام 2013 نقطةً مفصليةً في سياسة قطر الخارجية؛ إذ بدأ المد الثوري بالانحسار نتيجة أخطاء وإخفاقات لقوى الثورة، وعنف الأنظمة، ولا سيما النظام السوري وأخطاء الإسلاميين في الحكم في مصر وطموح العسكر للعودة إلى الحكم، وتعقيدات الوضعين السياسي والاجتماعي العربيين. وبدأت قوى النظام القديم والثورة المضادة تستجمع قواها استعدادًا لهجومٍ مضادٍ كبيرٍ، وحققت اختراقين مهمين: الأول في مصر حيث تمكّن الجيش، بدعمٍ فاعلٍ من دول خليجية أهمها السعودية والإمارات، من الانقلاب على العملية الديمقراطية ووضع حدٍ لإفرازات ثورة 25 يناير ونتائجها. والثاني في سورية، حيث تمكّن نظام الأسد بفضل الدعم الإيراني من الصمود في وجه قوى الثورة والمعارضة والانتقال إلى الهجوم العسكري المضاد. وقد عُرفت هذه المرحلة بمرحلة الثورات المضادة التي قادتها الإمارات والسعودية، والتي حمّلت قطر مسؤولية محاولة إفشال مساعيها في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإلغاء كل ما ترتب على ثورات الربيع العربي. وبعد الانقلاب العسكري في مصر، تفجّر الخلاف بشكل علني بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، وانتهى بسحب الدول الثلاث لسفرائها من قطر مطلع عام 2014، واستمرت الأزمة نحو تسعة أشهر. لقد كان شرطهم أن تدعم قطر الانقلاب العسكري. وفي حينه كان العالم أجمع يرى فيه انقلابًا عسكريًا، وكان دعم الانقلاب في مصر موقف الأقلية دوليًا، وحتى أفريقيًا.
توقفت الأزمة الخليجية في ذلك الوقت عند حدود سحب السفراء ولم تتخذ أبعادًا أكبر نتيجة حالة القلق التي انتابت عواصم الدول الخليجية من سياسات إدارة أوباما الثانية؛ فبعد أن أيّد أوباما في ولايته الأولى ثورات الربيع العربي، حاول في ولايته الثانية التقرّب من إيران أملًا في إبرام اتفاقية لحل أزمة برنامجها النووي. وقد أدت سياساتُ أوباما الاسترضائية تجاه إيران، وشعورٌ خليجي بالتخلي الأميركي، إضافة إلى تنامي سياسات الهيمنة الإيرانية، إلى إحساسٍ خليجي عامٍ بالضعف؛ ما دفع السعودية والإمارات تحديدًا إلى تأجيل خلافاتهما مع قطر، وخاصة مع الحاجة إلى دعم قطري إعلامي ومالي وعسكري مع بدء الحملة على اليمن مطلع عام 2015. وقد وضعت قطر ثقلها في دعم الحملة السعودية - الإماراتية في مواجهة المليشيات الحوثية التي انقلبت على الشرعية وسيطرت على العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014.
تجدّد الأزمة
عندما انطلقت الحملة الإعلامية على قطر قبل نحو أسبوعين، مثّل هذا استئنافًا لصراعٍ قديمٍ حول دور قطر ومواقفها وسياستها الخارجية لم تسمح الظروف السابقة بحسمه، علمًا أنّ قطر التزمت المواقف الموحدة لدول الخليج العربية في أكثر القضايا الإقليمية أهمية في سورية واليمن والموقف من إيران والحرب على الإرهاب.
ومع انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، استعادت السعودية والإمارات الثقة بالنفس، ونشأ تحالف بين ولي عهد أبو ظبي وولي ولي العهد في السعودية، لأسباب داخلية وخارجية. وعادت القيادتان إلى سياستهما الهجومية، وبدأت بالتعبئة ضد قطر في وسائل إعلام غربية وأميركية عديدة، وصولًا إلى قمة الرياض التي قدّمت مؤشرات على وجود أزمة مكبوتة في العلاقات مع قطر، كان أبرزها محاولة تهميش الحضور القطري وبعض دول مجلس التعاون والأردن، في مقابل التركيز على الحضور الإماراتي والمصري، قبل أن تنطلق هجمة إعلامية شرسة بعد يومين فقط على اختتام قمة الرياض.
بدا أن الهجوم الإعلامي الإماراتي والسعودي غير مبالٍ بالنفي القطري لرواية تصريحات أمير قطر. وعلى الرغم من قيام دولٍ مختلفة بإبلاغهما أنه جرت فعلًا قرصنة وكالة الأنباء القطرية، استمرت الحملة الدعائية على الدوحة؛ ما يعزّز الظن بأنها حملة مُخططة مسبقًا. ويؤيد ذلك أنّ الاستهداف الإعلامي في واشنطن المدعوم إماراتيًا كان سابقًا على القرصنة. وقد لاحظ وزير الخارجية القطري أنه "في الأسابيع الخمس الماضية قبل فبركة تصريحات الأمير ظهر 13 مقالًا تستهدف قطر، وفي يوم الهجوم كان هناك مؤتمر يتحدث عن قطر"[1].
أخذت الهجمة الإعلامية على قطر شكلًا جديدًا غير مألوفٍ في التعامل البيني الخليجي في أوقات الأزمات؛ إذ لم تتوقّف الحملة عند فبركة أخبار وتلفيقها ضد قطر وسياساتها الخارجية، بل وصلت حدّ توجيه الشتائم للأسرة الحاكمة، وهذا تطورٌ غير مسبوقٍ في الخليج. ففي السابق كانت الخلافات الخليجية تتركز على قضايا وسياسات، وتتجنّب تناول الأسر الحاكمة، باعتبار هذا الأمر يفتح الباب واسعًا أمام الطعن في شرعية العائلات الحاكمة التي تقوم عليها أنظمة الخليج كلها.
اتخذ الهجوم الإعلامي الخليجي الأخير، وما استتبعه من قطعٍ للعلاقات الدبلوماسية، من سياسة قطر الخارجية ركيزةً أساسيةً لتحقيق أغراضه، وجاء على رأسها اتهامات لقطر بدعم الإرهاب، وتنمية علاقاتها مع إيران، وزعزعة استقرار دول مجلس التعاون، إلى غير ذلك من الاتهامات التي تسقط بسهولة أمام أي تحليلٍ موضوعي. فقطر هي حليفٌ فعالٌ في الحرب على الإرهاب، وهذا ما أكّده الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه بأمير قطر على هامش قمة الرياض. أما فيما يتصل بالعلاقة مع إيران، فمن نافل القول إن قطر دفعت أكبر الأثمان بين كلّ الدول الخليجية نتيجة تدهور علاقتها بإيران بسبب الأزمة السورية، ليس على شكل اختطاف مواطنين لها واحتجازهم وابتزازها سياسيًا وماليًا (كما حصل في أزمة اختطاف المواطنين القطريين في العراق)، بل استمرت أيضًا في دفع أثمانٍ سياسية كبيرة نتيجة لذلك. في حين حققت الإمارات أعلى العوائد نتيجة علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع إيران، حيث تُمثل الإمارات ما نسبته 80 في المئة من حجم التبادل التجاري الخليجي مع إيران، وتمثل المنفذ الأهم لتجارة الترانزيت الإيرانية، ومركزًا ماليًا مهمًا للتحويلات الإيرانية. وفي لقاء جرى قبل ثلاثة أعوام، وجمع أعضاء الوفد التجاري الإماراتي بغرفة التجارة الإيرانية في طهران، صرّح سفير إيران لدى أبو ظبي محمد علي فياض أنّ الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات بلغ 15.7 مليار دولار في عام 2013، ونحو 17.8 مليارًا في عام 2012، و23 مليارًا في عام 2011، و20 مليارًا في عام 2010[2]. لكن عام 2014 شهد قفزةً كبيرةً في حجم التبادل التجاري بين البلدين وأصبحت الإمارات أكبر الدول المصدّرة لإيران؛ إذ شكلت ما نسبته 27 في المئة من مجموع الواردات الإيرانية، وبلغ حجم التبادلات 41.620 مليار دولار (حجم الصادرات 19.639 مليارًا وحجم الواردات 21.981 مليارًا). وكانت الإمارات أهم الدول المصدرة للبضائع إلى إيران وتأتي بعدها الصين، فالهند، وكوريا الجنوبية، ثم تركيا[3]. ومع ذلك، تحتفظ الإمارات بالخطاب السياسي الأكثر تصعيدًا ضد إيران.
وفيما يتعلق بالإخوان المسلمين فقد أعلنت قطر أنها لم تدعمهم ولا تدعمهم وتختلف معهم، ولكنها لا ترى فيهم تنظيما إرهابيا، وذلك لسببين: أولهما أنهم ليسوا تنظيما إرهابيا، وثانيهما أن هذا التوسع في استخدم الإرهاب ووسم الخصوم السياسيين به يضر بالمعركة ضد التنظيمات الإرهابية فعلا.
أما فيما يتصل بنشر شائعات تمويل قطر للإرهاب، فهي مزاعم تُفنّدها مشاركة قطر القوية في الحرب على الإرهاب، ومكافحة تمويله، علمًا أنه لم يبق من زعم الدول الثلاث في هذا الشأن إلا المطلب المتعلق بحركة حماس. فضلًا عن ذلك، كانت السعودية وما زالت محل اتهامٍ من طرف دوائر في واشنطن، وهي نفسها الدوائر التي تحرّض على قطر اليوم فيما يتصل بمزاعم تمويل الإرهاب ودعمه، والتي تمكنت في السنة الماضية من تمرير قانون "جاستا" الذي استهدف مقاضاة السعودية بزعم مسؤوليتها عن هجمات سبتمبر 2001.
خاتمة
يبدو واضحًا من الأزمة القائمة ومبرراتها الواهية أنّ المعركة تدور حول دور قطر الإقليمي وسياساتها الخارجية، وهي محاولة مكشوفة من الإمارات والسعودية لفرض سياسة خارجية معينة تلتزم قطر بها خاصة فيما يتصل بالعلاقة مع مصر، والتي تتمتع كلٌ من الإمارات والسعودية بعلاقة متينة معها ومع نظامها الذي يمثل بالنسبة إليها سدًا منيعًا في وجه التغيير الذي يمكن أن تدفع به مجددًا قوى الشباب العربي. كما يبدو أن هذه الحملة تحظى بدعمٍ كبيرٍ من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، والذي كشفت التسريبات الأخيرة للبريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشتطن عن حجم التنسيق بينه وبين أنصار إسرائيل في واشنطن لتشويه صورة قطر وتقديمها كدولة راعية للإرهاب.
من المستحيل أن تقبل قطر بفرض الوصاية عليها بالتراجع عن سياستها المستقلة في ظروفٍ من التهديد وفرض العقوبات وشنّ الحملات الإعلامية عليها بناء على فبركات. ويتطلب أيّ خروجٍ من الأزمة حوارًا بين أنداد، يجري فيه التفاهم على جميع القضايا، وليس بلغة التهديد وتقديم التنازلات.
وتبقى نتائج الهجمة ومداها على قطر مرتبطة بنهاية المطاف بالموقف الأميركي. ومع أنه من الصعوبة تصور قيام دول الخليج الثلاث، إضافة إلى مصر، بالإقدام على قطع العلاقات مع قطر وعزلها من دون تشاور أو تنسيق مع الولايات المتحدة، فإن واشنطن تبدو حتى الآن على مسافة واحدة في هذه الأزمة. وقد صرّح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأن بلاده "تشجع الأطراف جميعًا على الجلوس معًا ومعالجة هذه الخلافات". وعرض الوساطة لمساعدة الدول الخليجية على رأب الصدع، مشددًا على أنّ مجلس التعاون الخليجي عليه أن يحافظ على وحدته[4].
كما يبدو أن واشنطن سوف تظل تعارض أيّ محاولةٍ للقيام بما من شأنه أن يغيّر التوازنات الإقليمية التي تحرص على استمرارها في منطقة الخليج، خاصة أنها تحتفظ بأكبر قواعدها العسكرية. وربما ترى أنه ليس من المفيد كثيرًا الدفع، مثلًا، بحركة حماس للارتماء مجددًا في أحضان إيران، في حال اشتد الضغط على قطر.
عبد الله علي إبراهيم
________________________________________
[1] "وزير خارجية قطر: حملة بأمريكا استهدفتنا عشية القرصنة ولا علاقة لنا بالإخوان"، سي إن إن بالعربية، 25/5/2017، شوهد في 5/6/2017، في:
http://cnn.it/2qjjaTu
[2] "التبادل التجاري بين إيران والإمارات بلغ 15.7 مليار دولار في 2013"، موقع قناة العالم، 1/6/2014، شوهد في 5/6/2017، في:
http://www.alalam.ir/news/1599121
[3] سالم حميد، "حقيقة العلاقات التجارية بين الإمارات وإيران"، صحيفة العرب، 5/6/2017، شوهد في 5/6/2017، في:
http://www.alarab.co.uk/?id=71991
[4] "تيلرسون يدعو دول الخليج الى معالجة الخلافات والحفاظ على وحدتها"، وكالة الأنباء الفرنسية، 5/6/2017، شوهد في 5/6/2017، في:
https://www.afp.com/ar/news/27/doc-p98fr


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.