قرأتُ في الأخبار أن كارثة الإسهالات المائية قد وصلت إلى أطراف السودان البعيدة كجنوب دارفور وغرب كردفان وشرق السودان، ووفقاً لهذه الأخبار فإن امرأة قد توفيت وأصيب (27) آخرين بما يشتبه بأنه إسهال مائي في معسكر كلمة شرق نيالا، وفي محلية أبو زبد بغرب كردفان بلغ عدد الوفيات ال (50) شخصاً مقابل (350) حالة مسجلة في كافة مناطق المحلية. وإتساقاً مع هذه الحملة الشعواء من البعض في مواقع التواصل الاجتماعي وإتهامهم للاجئين القادمين من جنوب السودان – رجماً بالغيب - بنشر الوباء في أوساط المواطنين، فإن ذلك لا يذكرني إلا بالنكتة التي أطلقها (ظريف الخرطوم) في خريف العام 2013م عندما هطلت الأمطار بمعدلات قياسية فقال : (إن الحبش هم من جلبوا معهم الأمطار) !! غير أن الحكومة السودانية لم تخرج على الناس حتى اللحظة ببيان رسمي يؤكد أن لاجئي جنوب السودان هم من تسببوا في نشر وباء الإسهالات المائية، ولعل الإشارة الرسمية الوحيدة في هذا الصدد هو التصريح الذي أدلى به صالح جمعة نائب رئيس لجنة الصحة بالبرلمان السوداني حول الوباء الذي تعانيه البلاد ل الجزيرة نت (نشر بتاريخ 6/6/ 2017م) وأقتبس منه قوله: " إن لجنته ستستدعي وزيري الموارد المائية والبيئة لمساءلتهما حول تفشي المرض، خاصة وأن جميع الحيثيات تشير إلى أن السبب نابع عن تلوث في مياه الشرب بعد وصول آلاف اللاجئين من (جنوب السودان) إلى البلاد". ما يؤكد أن السيد جمعة يود الإشارة إلى أمرين لا غير، إما أن المرض مرتبط بقدوم لاجئي جنوب السودان وتلويثهم لمياه الشرب، أو أن على الحكومة العمل على عزلهم حتى لا يسهموا سلباً في إنتشار المرض لإعتمادهم على جلب مياه الشرب من النهر. لكن المؤكد طبقاً لخط سير المرض وإنتشاره منذ ظهوره أن المواطن الجنوبي اللاجيء في السودان برئ كل البراءة من تهمة نقله لمرض الإسهال المائي أو (الكوليرا) كما يروّج بعض الذين يريدون الوقيعة بين اللاجئين الجنوبيين والحكومة السودانية، فتاريخ المرض في السودان قديم جداً ولم نسمع من قبل أن للجنوبيين يداً في إصابات الكوليرا التي ضربت السودان من قبل. أما فيما يتعلق بناحية إتساخ العاصمة السودانية الخرطوم وتكدس النفايات فيها بصورة مزعجة ومشوّهة لرونقها المعهود، فإن المسألة أكبر من أن يتم رميها في وافدين لاجئين طلباً للنجدة، وذلك لأننا نعلم أن قضية النفايات والتخلص منها (قضية عالمية) تعاني منها كبرى المدن العالمية مثل: نيويورك .. لندن .. طوكيو .. ريودي جانيرو .. كلكتا .. بيجين وغيرها، وتبقى مسألة وضع معالجات لمثل هذه القضايا من صميم المنظمات العالمية العاملة في مجال حماية البيئة لأن تكاليفها تصعب على معظم دول العالم وبخاصة دول العالم الثالث. أما الخرطوم فإنها (درة المدن) وأجملها على الإطلاق لوقوعها بين نهري النيل الأبيض والنيل الأزرق، وهو موقع فريد لم تؤتَ لأي مدينة في العالم، وأما قضية صرفها الصحي الذي ينفجر بين كل فترة وأخرى، فإن لها أسبابها المنطقية حيث أن الصراعات التي تدور في مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بالإضافة إلى تداعيات أزمة جنوب السودان والصراع في سوريا، مما جعلت العاصمة السودانية تغصّ باللائذين بها طلباً للأمان، هذا بالإضافة إلى الحصار الإقتصادي الذي أنهك السودان منذ أكثر من 20 سنة خلت. والحقيقة أن هذا التكدس الملحوظ لهذه الأعداد المهولة من البشر (مواطنين سودانيين وأجانب) هو ما أوصل الخرطوم إلى هذه الدرجة من التردي في خدمات الطرق والجسور والصرف الصحي والمياه والخبز والتعليم والصحة والكهرباء والمواصلات وغيرها. ولك أن تتخيّل هذا (الجيش) الجرار من البشر وهم يهجمون على الخرطوم يومياً طلباً للمعاش..!! إن للإسهالات المائية أسبابها التي لا تخفى على الجهات المعنية، فالملايين يزحفون يومياً إلى منطقة (وسط الخرطوم) وما فيها من وزارات ومصالح حكومية وبنوك وأسواق وفي مساحة صغيرة جداً لا تتعدى بضع كيلو مترات مربعة، ألا يكفي ذلك لتدمير بنية تحتية - مهما كانت صلابتها - لأية مدينة كبيرة في العالم الأول؟!! ثم كيف للصرف الصحي بمدينة الخرطوم أن تصمد مع كل هذا الضغط اليومي المتزايد ؟!! أضف إلى كل ذلك أن السودان صار معبراً لمواطني بعض الدول الإفريقية الذين هُم في طريقهم إلى أوربا هرباً من واقع مؤلم تفرضه عليهم حكوماتهم .. فهل ترى أخطأت الخرطوم بحقهم؟!! إنه المرض .. ولا يستثني أحداً !! إستيفن شانج