حوّل القرضاوي اتحاده الأخواني إلى أشهر دكاكين الافتاء غرابة. اختر ما تريد من فتواى دعوات للخروج على الحاكم أو تحريم الخروج على الحاكم بحسب مصلحة الأخوان. بقلم: سعيد الكتبي ابتلي المسلمون في السنتين الأخيرتين تحديداً بحماقات جماعات إسلامية عدة، في مقدمتها الإخوان المسلمون. وهي جماعات لم تعد تستطيع أن تداري سوءاتها وأن تستتر وراء أقنعة الوداعة التي كانت تتزين بها، والتي اتضح أنها كانت وسيلة للوصول إلى الحكم، حتى إذا تمّ لها ذلك، كشفت عن وجهها القبيح، وظلاميتها التي لن تصل بالمسلمين إلا إلى الفوضى والخراب. وأكثر ما يحز في النفس أن هذه الحماقات لم تقتصر على أفراد بعينهم، بل جاءت ممنهجة محكمة التخطيط، وما يزيد الطين بلة أن جمعيات وهيئات واتحادات نشأت في دول عديدة مسلمة وغير مسلمة كواجهة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وعرّفت عن نفسها بأنها دينية أو فقهية أو شرعية. ثم ادعت طوال السنوات الماضية أنها مؤسسات مستنيرة تدعو إلى الحوار والتعايش، راحت في هذه الأيام تعطي الشرعية لهذه الحماقات وتسوغها، بل تدعي أن القيام بها واجب شرعي يأثم من يتخلى عنها. وهذا ما يؤكد أن هذه المؤسسات والمنابر أنشئت في الأساس لتؤدي أدوار كهذه في الوقت المناسب، وأنها جميعاً من صنيع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين البالغ التعقيد في هيكلته. "اتحاد علماء المسلمين" هو إحدى تلك المؤسسات، وهو يضم خليطاً عجيباً غريباً من الأعضاء لا يمكن أن يجد المرء ضوابط تجمعهم، سواء من حيث التحصيل العلمي، أو الانتماء المذهبي، أو التوزع الجغرافي، أو المكانة والقدر. ويمكن القول إن هذه المؤسسة يسيرها شخص واحد هو يوسف القرضاوي المعروف بانتمائه إلى الإخوان المسلمين وولائه لهم، وإن زعم أنه ترك التنظيم منذ فترة من الزمن. يوسف القرضاوي النجم التلفزيوني اللامع، والذي يستطيع أن يجيب عن كل سؤال على الهواء مباشرة، لم يتأخر ساعة عن الالتحاق بميدان التحرير عقب سقوط مبارك ليستفيد وتنظيمه من إنجازات ثورة يناير، وهو الذي طلب من مذيعة الجزيرة أن ترفع يديها لتشاركه الدعاء بالهلاك على القذافي مباشرة لأنه لم يعد يمثل إرادة الشعب، وهو الذي أفتى بالثورة على بشار الأسد وطالب الجيش بالخروج عليه في إبريل 2011 بعد مرور أقل من شهر على اندلاع الاحتجاجات في سوريا مؤكداً أن خروج الناس في الشوارع يعني أنه فقد شرعيته. ولكن يوسف القرضاوي هذا كان له رأي آخر عند خروج الملايين في 30 يونيو في مصر، فالرئيس الذي ثار الناس عليه هنا هو ابن الإخوان المسلمين، والثورة على "أولاد الإخوان" حرام شرعاً في نظر القرضاوي، والإرادة الشعبية التي تحدث عنها في ليبيا وسوريا وفي مصر يوم سقوط مبارك لم يعد لها قيمة الآن في نظر الشيخ الذي بات الناس جميعاً يمجون كلامه، حتى إن ابنه اضطر إلى أن يوجه له رسالة عبر وسائل الإعلام يدعوه فيها إلى الوقوف وقفة حق والاستجابة لإرادة الملايين في ساحة التحرير. أمس، أراد اتحاد علماء المسلمين أن يكمل دور مؤسسه الذي أطل علينا من "منبر من لا منبر له" مفتياً بحرمة الخروج على الحاكم (شريطة أن يكون الحاكم من الإخوان)، فأصدر الاتحاد بياناً عجيباً أكد فيه "حرمة الاستجابة لأي نداء يؤدي إلى حرب أهلية، أو لتغطية العنف ضد طرف ما، أو لإثارة الفتنة" في إشارة إلى دعوة الفريق عبدالفتاح السيسي المصريين للنزول إلى الشارع من أجل الحفاظ على إنجازات 30 ثورة يونيو. وهو عكس الدعوة التي صدرت من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أمس حين دعا المصريين إلى الخروج حفاظاً على بلادهم من الفوضى والتدمير. لم يكتف التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالتخطيط لإسقاط المؤسسات السياسية بالدول، بل راح يخطط ويعمل جاهداً لإلغاء كل من لا يوافقه ويتابعه على غلوائه من مؤسسات دينية عريقة كالأزهر الشريف والمؤسسات الرسمية الأخرى لينتج بدلاً عنها واجهات مزيفة للدين تضم أخلاطاً عجيبة من الانتهازيين السياسيين، فلم نعد نرى إلا من يفتي بالقتل ويحث على الفوضى، متبعاً في ذلك الأهواء والمصالح الشخصية الفئوية دون مراعاة حق عامة الناس الذين ينبغي حقن دائهم وصونها عملاً بمحكم التنزيل الذي حرّم قتل النفس البشرية. هذا ما وصل إليه الإسلام في أيامنا هذه، دكاكين للإفتاء، تفتي بحسب الأهواء والمصالح الشخصية، تتلون في فتاويها كما تتلون الحية الرقطاء، غير آبهة بما يترتب على فتاويها من مصائب ومحن. وهذا ما يجعلنا نتساءل: من يعطي لهذا الدكاكين الحق في الإفتاء وتأليب الناس؟ ولماذا طفت هذه المؤسسات المشبوهة على السطح الآن؟. وهي تفعل هذا بكل وقاحة في الوقت الذي تنأى المؤسسات الرسمية الإسلامية بنفسها عن الدخول في أتون الفتنة. أظن أنه آن الأوان لحل هذه المؤسسات وعدم الترخيص لها، إذا وجدت في دول عربية أو اسلامية، وتفعيل دور مؤسسات الإفتاء الرسمية التي تعمل في النور وليس في الظلام، والتي تضم نخب علماء الدين المؤهلين للفتوى وليس أولئك المتسلقين على حياض الدين دون علم شرعي أو منهج فقهي واضح، طمعاً في دنياً يصيبونها أو شهرة تحقق لهم مآربهم الشخصية. وأنه حان الوقت لأن تأخذ الغيرة علمائنا الراسخون في علمهم على ديننا الحنيف، ويثوبون إلى رشدهم، فيجنبون أنفسهم الدخول في أوحال السياسة، ولاسيما أن الحابل اختلط في النابل في أيامنا هذه، وأن أمتنا تمر في مرحلة من أصعب المراحل وأدقها، بعد أن خرجت جرذان الفتن من أوكارها، وكشفت عن نياتها الخبيثة غير مبالية بما ستؤول إليه حال البلاد والعباد. سعيد الكتبي كاتب من الإمارات