هكذا ينطقها الإخوة في السودان وليت إسقاط هذا النظام بنفس سهولة إسقاط نقطة من حرف القاف، لأن هذا النظام تمكن وتغلغل وتغول في نفوس البسطاء بالقهر والإرهاب باسم الدين، ورأيي أن إسقاطه سيكون صعبا ليس لأنه ذو رصيد أو دعم شعبي، لأن العكس هو الصحيح تماما، لكن آلية الفقر والجهل الجهنمية الجبارة التي سيق إليها السودانيين سوقا لقرون طويلة تلك الآلية هي التي مكنت هذه النظم الفاشية من تضليل البشر تارة من جماعات تتوارثهم باسم التاريخ وأخرى تتوارثهم باسم الجغرافيا وتارة من جماعات تتوارثهم باسم الدين وهى أشدهم خطورة، فتلك الجماعات الأفاقة استغلوا فطرة هؤلاء البسطاء القانعين روحيا بمقاصد عقيدتهم الشاكرين على تلك الوديان المعشبة التي وهبهم الله إياها بعد طول ترحال في البوادي القاحلة في جنوب شبه الجزيرة وعندما اختلط هؤلاء بسكان البلاد الأصليين اختلطوا مندمجين دون عنف أو كراهية أو تعصب. وكل مقومات ثورة على نظام هي متوافرة الآن في هذا البلد المنكوب، فالوطن تشظى والناس جاعوا والحريات قمعت كل ذلك فعله نظام الإخوان الترابى وذراعه العسكرى البشير وأعوانهم ومموليهم، وصعوبة إزاحة هذا النظام تكمن فى أسباب عدة منها تحول الجيش من مؤسسة إلى طبقة وتحول تابعى النظام ومؤيدوه إلى طبقة أخرى، وهاتان الطبقتان البرجوازيتان لا تعانيان مما يعانيه الناس وعليه سوف يعتبروا الدفاع عن هذا النظام مسألة حياة أو موت، ونظرة إلى الجيران فى الشمال سوف يؤكد ما نقول فالإخوان في مصر الذين تحولوا الى طبقة مصطفاة من العناية الإلهية أصابهم الذعر والهلع عندما فقدوا كرسى الحكم، وهم الآن يرقصون رقصة الطير المذبوح وينثرون الدماء فى كل اتجاه، وإذا كان المصريون دفعوا ثمنا باهظا لحكم عام واحد من هؤلاء فكم سيدفع السودانيون ثمنا لحكم هؤلاء لثلث قرن. سبب آخر لصعوبة إزاحة هذا النظام وهو أن السودانيين يظنون أن خلاصهم سيكون على أيدي زعامات تاريخية لا زالت تقاوم الزمن على الساحة، وهذه الزعامات دائما ما يجد النظام السبب والوسيلة لسحقها وتحضرنا هنا مأساة الهادى وأتباعه فى الجزيرة (أبا) الذين أبادهم نميرى بمساعدة عبد الناصر باعتبارهم فلول دينية رجعية ستعوق تحول السودان الى دولة عصرية حديثة، والمفارقة أن نميرى نفسه بعد سنوات وقف على ضفاف النيل فى احتفالية كبيرة ليلقى بصناديق الويسكى والبيرة فى مياه النهر معلنا السودان دولة دينية بامتياز، ومن هنا كانت الشرارة الاولى التى فجرت السودان وفى رأيي أن السودانيين دفعوا باسم الدين من دمائهم ما لم يدفعه شعب فى كل المنطقة وباسم الدين دفع السودانيون من أراضيهم مالم يدفعه شعب في كل المنطقة، وبفضل هؤلاء الذين ذبحوا الخراف فى شوارع الخرطوم ابتهاجا بفقد نصف وطن بفضلهم سوف يتكرر المشهد فى دارفور وجبال النوبة وغيرها إذا ظل هذا النظام منشبا أنيابه فى جسد هذه الأمة التى لا تستحق هذا المصير البائس، نعم هذا هذا الشعب لا يستحق هذه السنين من الرق والعبودية فهم شعب واع ومثقف ويملك كل مقومات الغنى والرفاهية، شعب ينشد الحرية ويقدسها ثار على المستعمرين الأجانب وتخلص منهم لكنه وقع فى شرك مستعمرين محليين ساموه عذابات لم يذقها على يد الأجانب. ورغم المحصلة البائسة لحكم ثلث قرن من ضياع نصف الوطن ونصف موارده وتدنى معيشة الناس ورئيس مطلوب للمحاكمة الدولية وأجزاء كبيرة مرشحة للانفصال وعملة في الحضيض ناهيك عن الفساد والفوضى والميليشيات الدموية وبشر جوعى مرضى محرومون من أبسط الحقوق رغم كل ذلك لازال النظام يكابر وسوف يكابر معتمدا على تمويلات مشبوهة ستهب لمساندته لأسباب عنصرية وطائفية كريهة. ورغم مايقرب من اثنى عشر انقلابا أو محاولة للاستيلاء على السلطة نجح بعضها وفشل الباقى واللذين نجحوا لم يستمروا فى السلطة لسنوات معدودة عدا نميرى والبشير وهم اللذين استعملوا الخلطة السحرية أي مزج الدين بالدبابة فالأول حكم خمس عشرة سنة والثانى حكم سبع وعشرون عاما حكم (دينوعسكرى) لو صح التعبير فإن لم تفلح الفتاوى والسياط باسم الشريعة في قمع الشعوب فالبديل هو الحكم العسكري والطوارئ والاعتقالات والمحاكمات العسكرية السريعة. الخلاصة يجب أن يتوقف السودانيون عن انتظار الهادي أو المهدي أو الميرغني، فالأول قتله المصريون بطائراتهم في أبا والثاني والثالث تجاوزتهم المرحلة مع أحزابهم العتيقة، والأمل فى الشباب اللذين بدئوا إرهاصات ثورة ملامحها تتبلور مع أول دفعة من الشهداء فى أول مواجهه حقيقية مع النظام وسوف تتوالى المواحهات ويتوالى معها سقوط الشهداء وسوف يسقط هذا النظام سوف يقتلعه الشباب قبل أن يضيع بقية السودان قبل أن يتحول إلى كانتونات من المخيمات المرهوبة بعصابات الجنجويد، قبل أن يتحول إلى صومال جديد. الجديد