محمد خليل: تُعد القصة القصيرة أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر؛ لأنها انتقلت بمهمة القصة الطويلة (الرواية) من التعميم إلى التخصيص. كتبت فاطمة الزهراء فلا قليلون جدا من الكتاب الذين يلفتون نظري أثناء مناقشتهم للكتب أو الدواوين, أما أكثرهم فيشرقون, ويغربون ويتفلسفون فلسفات لا معني لها سوي الاستعراض الزائف, وارتداء أقنعة المثقف المدعي التي سرعان ما تسقط عنهم, ومحمد خليل من النوع الأول, فأنجذب لقراءته لأني بالفعل سوف أستفيد من ثقافته الواسعة, وانطلاقه في الرؤية بحكم كتاباته وقراءاته المتعددة, وهذا ما حدث في مناقشته للمجموعة القصصية "الكبير .. قوي" للكاتب محمد الخميسي بين حشد كبير من الكتاب جاءوا ليباركوا مقر فرع الاتحاد الجديد بالمنصورة، ويشهدوا المناقشة باعتبارها أول مناقشة للفرع الجديد الذي يتميز بالاتساع ووقوعه في منتصف المسافة بين سندوب والمحافظة. بدأت المناقشة بتعريف الكاتب محمد خليل بماهية القصة القصيرة والتي عرَّفها بأنها فن أدبي نثري يكتفي بتصوير جانب من جوانب الحياة لفرد، أو يصور موقفاً واحداً من المواقف تصويراً مكثفاً يساير روح العصر من سرعة وتركيز. وتُعد القصة القصيرة أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر؛ لأنها انتقلت بمهمة القصة الطويلة (الرواية) من التعميم إلى التخصيص، فلم تعد تتناول حياة جماعة بأكملها، أو شخصية كاملة، وإنما مسايرة لروح العصر عصر العلم والسرعة، فاكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد أو موقف واحد، أو فكرة واحدة تصويراً مكثفاً. ثم تساءل عن أنواع الصراع في القصة القصيرة: صراع خارجي وهو ما يدور خارج الشخصية في البيئة أو المحيط بها. وصراع داخلي: وهو ما يدور في أعماق الشخصية, ثم بدأ في الغوص داخل المجموعة التي تعايش معها بكل شخوصها شهرا كاملا وكأنه واحد من أبطالها. تضم المجموعة اثنتي عشرة قصة قصيرة, وأطولها قصة "الكبير قوي" التي وقعت في خمس وعشرين صفحة, وكيف حملت بداخلها الكثير من التخصيص والتكثيف, وأنا أركز عليها لأهميتها, وكيف أنها تجذب القارئ, وكيف أنه استطاع أن يوظف فيها الجملة القصصية, ثم تحدث بعدها عن لقطة قصصية حملت عنوان (لن أكون مثلك) وهي صورة رائعة ولقطة متميزة, واستطاع الخميسي أن يحكم قبضته علي الخيط الدرامي بينه وبين القارئ فنجح إلي حد كبير. أما عن رواية (سكر) فقد نجح الخميسي في معالجتها دراميا, وقد كان من الممكن أن نخلق منها رواية لو خضعت لعملية التكثيف, ثم انتقد الكاتب عنوان قصة (مدان حتي تثبت براءتك) بأن العنوان كان من الممكن أن يكون (مدان) فقط, وقصة الشرطة في خدمة الشعب تكون (الموكب). واستمر خليل في تصديه للمجموعة لأكثر من ساعتين والجميع منصت, لكننا في النهاية نتأكد أن القاص يمتلك أدواته في الكتابة وإن أهم ما يعيبه بأنه يكتب النص مرة واحدة, وأن الأخطاء كان لا بد لها من تصحيح لغوي دقيق, لكن العمل في مجمله جاذب للمتلقي. بعد ذلك قدمت الشاعرة فاطمة الزهراء رئيس الفرع والتي أدارت الندوة القاص ليقرأ بعضا من قصصه ليتعرف الحضور على ما احتوته المجموعة من قصص. فأعجب الحضور بالأفكار, لتبدأ المداخلات التي أثرت العمل. وحين تساءل القاص فرج مجاهد كانت الإجابة بأنه استخدمت تسميات عدة لمثل هذا النوع من الكتابة، منها "القصة الومضة" و"القصة القصيرة جداً" و"الأقصوصة" و"اللوحة القصصية"، وكذلك "المقطوعة القصصية"، ولعل أشهرها، في الدراسات النقدية العربية الحديثة، هو "القصة الومضة" و"القصة القصيرة جداً". أما في الدراسات النقدية المكتوبة باللغة الإنجليزية، فإلى جانب التسميتين السابقتين نجد أيضاً مصطلح "micro fiction"ويمكننا مقاربته عربياً بمسمى "القصة المتناهية القصر أو المتناهية الدقة". وإذا قسنا على ذلك فإن القصة القصيرة تصبح في وسط المسافة بين الرواية القصيرة والقصة القصيرة جداً. ولذلك فإن الحجم يعد عاملاً حاسماً في تحديد الجنس الأدبي. وإن كان عاملاً كمياً، ويقاس بالطول إلا أنه وسيلة أساسية للبدء في التصنيف بين الأجناس داخل النوع السردي، إضافة إلى أثره في النواحي الجمالية والبنائية. ولم تكن المداخلات أقل قيمة من المناقشة. فكانت الجلسة ثرية وأذكر على سبيل المثال الدكتور أشرف حسن, الدكتور علي السيد, الدكتور اسماعيل حامد, والكاتب محمد عبدالمنعم, والشاعر فتحي البريشي, والشاعر ماهر عبدالواحد. وفي النهاية أكدت فلا على أن اتحاد كتاب الدقهلية استطاع أن يكون بيتا لكل مبدع في الدقهلية ودمياط, وأن من حق الأعضاء الحضور مساء كل سبت ليمارس إبداعه, وأن الاتحاد ليس حكرا على أحد.