التاريخ الخميس 29 يونيو1989..اكتملت كل الخطة لاستلام السلطة..فوجيء المقدم بكري حسن صالح ان الضابط العظيم المسئول عن قوات المظلات المرابطة بالقيادة العامة *في ذاك المساء ليس سوى واحد من كوادر حزب البعث العربي..والخطة كانت تدرك ان المقدم بكري سيكون (نبطشي ) في تلك الليلة..تداول بكري الامر مع زميله المقدم صلاح كرار..رفض بكري استخدام العنف ضد قائده الاعلى وبالطبع كان من المستحيل اقناع ذاك القائد بجدوى التغيير ..أخيرا *تم الاتفاق على تخدير الضابط العظيم *ووضعه في غرفة *الى حين ان ينجلي الامر..لكن القدر سهل مهمة الضباط الشباب وذاك الضابط العظيم يجمع أوراقه بعيد صلاة المغرب متجها لمنزله مطالبا بإخطاره ان حدث طاريء..في القيادة كان المقدم بكري اول من قابل الرئيس الجديد وهيا له مكتب مؤقت وسط عرين جنود المظلات الذين يعرفون البشير ويعرفهم. تلك الواقعة تجسد علاقة الثقة بين بكري حسن صالح خيري اهم رموز الحكومة الجديدة والرئيس البشير..بكري الذي رفض استخدام العنف ضد ضابط ارفع منه رتبة سيكون اكثر وفاءا للرئيس البشير الذي لازمه منذ ان كان ضابطا يافعا في سلاح المظلات. البحث عن اهل الثقة كان كلمة السر في التغييرات الدستورية الواسعة..لم تكن الفكرة توسيع نفوذ العسكريين على حساب المدنيين كما ذهبت بعض التحليلات ..التغيير الواسع ضرب مراكز القوى التي انتشرت في كيان الإنقاذ..مثلا كان الشيخ علي عثمان رقما حاضرا في مفاصل الدولة عبر جهازها التنفيذي..ذات الحضور البارز كان ثمة نافع علي نافع في الحزب..لم يكن بوسع اي كادر ان يحرك صغيرة ولا كبيرة في الحزب الحاكم الا بموافقة الدكتور نافع.. فيما اسامة عبدالله والدكتور عوض الجاز كانا رقمين صعبين كل في مجال تخصصه الوزاري..كمال عبد اللطيف كان واحدا من مراكز القوي استنادا على منصبه الوزاري وإشرافه على جهاز تامين الحركة الاسلامية..لم يبقى من المراكز القديمة الا الفريق عبدالرحيم محمد حسين الذي يتحرك في مساحات واسعة ولكن برضاء ومباركة رئيس الجمهورية. لن تكتمل الصورة الا اذا اشرنا الى ان القادمين الجدد تجمع بينهم انهم من اهل القبول ..ليس ذاك القبول فقط داخل جدران الحزب الحاكم بل الى الاحزاب المجاورة.. اذكر جيدا يوم تم الاعتداء على الدكتور ابراهيم غندور داخل دار حزب الامة.. اول من صعد الى المنبر وأدان ذاك التصرف لم تكن سوى الدكتور مريم الصادق المهدي..سجلات الفريق بكري حسن خيري خالية من العنف اللفظي تجاه الخصوم..ذات الخاصية تشمل النائب حسبو محمد عبدالرحمن وعيسى بشري في البرلمان. المجموعات الأخري تمثل الجيل الثالث او ما يمكن ان تسميهم اصطلاحا (اولاد البشير) ..صلاح ونسي الذي تم تسميته وزيرا لرئاسة الجمهورية كان في قطاع الطلاب وتم ترشيحه مديرا لمكتب الرئيس البشير في المؤتمر الوطني ..الفاتح عز الدين المرشح لرئاسة البرلمان كان في منظمة شباب الوطن وكذلك وزير الدولة عبيدالله محمد عبيدالله الذي كان طالبا بالسنة الاولي في جامعة الخرطوم حينما جاءت الإنقاذ.. معتز موسى وزير الكهرباء الجديد من ابناء صراصر التي تعتبر مسقط راس البشير بجانب حوش بانقا. في تقديري ان صفتي القبول للفريق الحكومي *واحساس الابوة نحو القادمين الجدد تيسر للرئيس البشير نقل السلطة بهدوء الى جيل جديد..هذه التغييرات ستكون بلا قيمة *اذا ما شكل الخارجين من مفاصل السلطة مراكز قوى جديدة واصبحوا حكومة من وراء ستار..او ان الرئيس البشير ظل في السلطة واصبح مرشحا رئاسيا في الانتخابات القادمة..ان حدث هذا او ذاك فسيكون مجرد تغيير والسلام . الأهرام اليوم