كشف محافظ بنك السودان المركزي الدكتور صابر محمد الحسن في حوار خاص ل"العربية.نت" أن الشمال والجنوب يعملان حالياً لحث الدول الدائنة لإعفائهما من الديون كمساهمة في إحداث الاستقرار في المنطقة، وإذا لم تتم الاستجابة فإن الديون ستقسم بين الجنوب والشمال وفق معايير كثيرة، منها السكان والجغرافيا وغيره، وسيناقش ذلك لاحقاً. وتحدث المسؤول السوداني عن مقترح لإقامة اتحاد نقدي بين الشمال والجنوب في حالة الانفصال. في الوقت ذاته، شدد على أهمية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السودانية في ضبط الصرف بالعملة الأجنبية لاستقرار السوق. وأكد الحسن على أهمية القرارات الخاصة بحظر استيراد بعض السلع الاستهلاكية والكمالية للمحافظة على هدوء السوق. ورغم ما أثارته هذه الإجراءات من جدل بين المراقبين الاقتصاديين، إلا أنهم شككوا في مدى نجاعتها، حيث أبدى البنك المركزي ارتياحاً لنتائجها. محافظ البنك المركزي السوداني يطلعنا على تفاصيل المشهد الاقتصادي في السودان ومآلاته بعد الاستفتاء الذي بدا واضحاً أنه سيؤدي إلى الانفصال. وأشار الحسن إلى أنه في حالة الانفصال فإن العلاقة الاقتصادية يجب أن تكون علاقة تعاون لمصلحة الدولتين أولا، والجنوب بدون تعاون مع الشمال على الأقل في السنوات الاولى سيكون وضعه في غاية الصعوبة وكذلك الشمال، هناك عدد من مجالات التعاون بعد الانفصال أولها البترول. نفط الجنوب ولفت إلى أن بعض الحقول المنتجة للبترول ستذهب نسبة كبيرة منها للجنوب، لكن كل البنى التحتية للتصدير، منها محطات ضخ الخط الناقل للتخزين.. إلخ، كلها موجودة في الشمال والجنوب، في الوقت الحاضر ليس لديه أي مجال لتصدير البترول إلا عبر الشمال، والشمال كذلك لا يمكنه الاستفادة من هذه البنى التحتية إلا بالتعاون مع الجنوب، أيضاً هناك موضوع العلاقة في الحدود، فلا بد من تعاون لحركة العمالة والبضائع ورؤوس الأموال، فلا بد من التعاون الكامل بين الشمال والجنوب. وحول قرار إلزام المصدرين ببيع حصيلة الصادر للمصارف أو استخدامها للاستيراد، قال الحسن إن السودان مقبل على نتائج الاستفتاء وهذه مرحلة دقيقة فيها كثير من عدم الاطمئنان للنشاط الاقتصادي، لذلك في مثل هذه الاوقات نلجأ لعمل بعض الإجراءات المؤقتة غير العادية. وزاد "كنا عادة نترك حصيلة الصادرات للمصدرين، لكن في الوقت الحاضر نحن كبنك مركزي نحتاج لتجميع كل إمكانات البلد، وكل مقدراتنا في مواردنا داخل القطاع المصرفي، حتى نساعد في الاستقرار الاقتصادي وفي سعر الصرف، ونساعد في توفير الاحتياجات الأساسية من النقد الأجنبي لنشاط الاقتصاد، وبالذات بعدما عدلنا نظام سعر الصرف بالنظام الحالي المعمول به وهو نظام الحافز، وأصبح لا يوجد فرق في سعر الصرف، فلذلك أصدرنا هذا القرار". وأشار إلى أن هذه الإجراءات بدأت تأتي أكلها بعد ما أخذت فترة مخاض وحضانة، وهذا ملحوظ في انخفاض السوق الموازي بنسبة أكثر من 9% في الأسبوعين الأخيرين، والمؤشرات الحالية توضح أن الاتجاه يشير إلى المزيد من الانخفاض، حيث أصبح هناك الكثير من المعروض من الدولار في السوق والطلب على الدولار انخفض بشكل كبير، وذلك بسبب مرور الأيام الأولى من الاستفتاء بشكل عادي بعد ما كان هناك تخوف أعطى اطمئناناً جزئياً. معروض نقدي كبير وحول الجوانب السلبية لزيادة المعروض من الدولار، قال الحسن لا شك أن زيادة النقد الأجنبي له آثار بعضها إيجابية والأخرى سلبية، العوامل الإيجابية متمثلة في تحسن الوضع الاقتصادي في السودان وازدياد النشاط الاقتصادي وارتفاع الاستثمار الخارجي والبنك المركزي من جانبه يحاول توفير الموارد لمقابلة ذلك. أما العوامل السلبية وفقاً للحسن فإنها تعتبر عوامل سياسية مثمثلة في عملية الاستفتاء والحديث حول آثاره، وخلق حالة من عدم الاطمئنان والترقب، ولذلك فكر البعض في حماية وضعه وثروته ولذلك لجأوا للنقد الأجنبي كمخزن للقيمة، وكذلك أدى ذلك لظهور السوق الموازي (السوداء) ثم أدى لظهور الطلب على النقد الأجنبي لأغراض التجارة فحصل هروب لرأس المال نتيجة لهذا الوضع الدقيق الذي أشرت له. وفيما يتعلق بتخوف المواطنين من مزيد من إجراءات التقشف، قال الحسن إن أي اقتصاد مهما كانت قوته يتعرض للحظات ضعف، حتى أقوى الاقتصاديات على سبيل المثال اقتصاد أمريكا وعدد من الدول الأوروبية تعرضت للضعف خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2009، وإن أي اقتصاد معرض لتأثيرات خارجية خارجة عن الإرادة، والسودان ليس استثناء، لذلك تعرض لضغوط وللحظات ضعف لأسباب تتعلق بسياساتنا. وقال نحن قبل فترة كان من المفترض أن نبدأ بإصلاحات جذرية في سياساتنا الاقتصادية، لكنها تأخرت بحجة أن الوقت غير مناسب بسبب الانتخابات ثم الاستفتاء، هذا أثر في الاقتصاد السوداني، ثم جاءت الأزمة المالية العالمية، كل هذه العوامل أدت إلى اختلالات في الوضع الاقتصادي، والطريقة الوحيدة لمعالجة هذه الاختلالات اتخاذ إجراءات تقشفية، ولا يوجد علاج غيره وهذا واضح في كثير من البلدان . وفي اعتقادي أن الإجراءات التي تمت هي بداية الإصلاح، لكن البداية دائماً تكون مؤلمة وأثرها كبير والإجراءات القادمة، نحن نأمل أن لا تحمل عبئاً كبيراً على المواطنين، لكن على الناس أن يعرفوا أن هذه الإجراءات ستستمر لإصلاح الاقتصاد. علاقة مستقرة وحول الترتيبات التي ستتم في حالة اتفصال الجنوب قال الحسن أقمنا لجان مشتركة مكونة من الطرفين بين الشمال والجنوب تدرس قضايا ما بعد الاستفتاء، ومن ضمن هذه اللجان لجنة تسمى لجنة القضايا الاقتصادية، حيث تدرس عدة قضايا منها قضية البترول وكيفية تقسيمه وإدارته بعد الانفصال وقضية العملة وكيف سيتم التعامل معها ومنها قضية الديون وقضايا المياه، كلها قضايا لا بد من الوصول إلى اتفاق حولها. ولفت إلى أن هذه اللجان تجتمع باستمرار وتناقش الحلول، في مجال العملة أفضل وضع للدولتين في حالة الانفصال أن يكون هناك اتحاد نقدي لفترة انتقالية وبعد ذلك يقرروا استمراره أو كل دولة تستقل بعملتها وهذا هو المطروح الآن وقد يقبل أو لا يقبل، والأوضاع الأخرى أن تختار كل دولة عملة منفصلة وفي هذه الحالة لا بد للدولتين من التعاون مع بعضهما. وحول موضوع الديون قال الحسن في التجارب العالمية في أي انفصال فإن الديون تقسم بين الدولتين، لكن الآن الشمال والجنوب يعملان لحث الدول الدائنة لإعفائهما من الديون كمساهمة في إحداث الاستقرار، وإذا لم يحدث ذلك يقتسم الجنوب والشمال الديون وفق معايير كثيرة منها السكان والجغرافيا وغيره، وسيناقش ذلك. وأوضح أن علاقة السودان مع البنك الدولي إنها مستقرة جداً، ومشكلة السودان أن الصندوق لديه ديون كثيرة على السودان تقدر بأكثر من مليار ونصف دولار، ولكن السودان ظل يتعاون مع الصندوق خلال ال13 إلى 14 سنة الماضية في إطار برنامج يسمى برنامج المراقبة هذه البرامج لا يقدم فيه الصندوق مبالغ مالية، لكنه يقدم دعماً فنياً وهذه سياسة اتخذها الصندوق في إطار مساعدة الدول الأعضاء لمعالجة متأخرات الديون. وأكد تعاون السودان مع الصندوق في مجال السياسات الاقتصادية، وكذلك في مجال تقييم السياسات، وفيما يختص بالالتزام بالدفعيات الصغيرة التي تتم سنوياً، والصندوق معترف بالأداء الاقتصادي الممتاز للسودان خلال ال14 سنة الأخيرة، ومشكلتنا مع الصندوق هي مشكلة سياسية بسبب عدم رضا الولاياتالمتحدةالأمريكية عن السودان، وأنا لا أدري لماذا؟، أما من الناحية الاقتصادية ليس لدينا مشكلة معهم. العربية