من حسن الفأل أنه في الأعوام الأخيرة بعد الحرب العالمية الثانية هنالك العديد من الإشارات الدالة على عود طموح إلى التأريخ العام للأدب. ميدل ايست أونلاين بقلم: د. مجدي يوسف توجهات تنحو للهيمنة يرجع المثل الأعلى للأدب الأوربي عند رينيه فيلك في كتابه (بالاشتراك مع وارن): نظرية الأدب، في طبعته الثالثة الصادرة في لندن عام 1966، ص 49، إلى القرن التاسع عشر "الذى عكف على التأمل بعمق فيه رجال من أمثال الأخوان شليجل، و"سيسموندي"، و"بوترفيك"، و"هلام". ولكنه في الوقت الذي يستشهد فيه "فيلك" بمثل هذه الأسماء اللامعة على هذا النحو التعاقبي، لم يقل لنا لم أصبح كل من هؤلاء المفكرين المتخصصين في تاريخ الآداب مهتما بفكرة - أو كما يحرص هو على أن يدعوها - مثال الأدب الأوربي بالمفرد. فهو بدلا من ذلك يسعى لأن يؤكد على أنه: "على المرء أن يدرك أن ثمة وحدة قوية تضم أوربا بكاملها، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية، وثقافات أميركا اللاتينية". ثم يمضي قائلا : ومن حسن الفأل أنه في الأعوام الأخيرة ( بعد الحرب العالمية الثانية- م. ى.) هنالك العديد من الإشارات الدالة على عود طموح إلى التأريخ العام للأدب. فكتاب "إرنست روبرت كورتيوس": الأدب الأوربي والعصور الوسطى اللاتينية" (1948) الذي يتتبع المواضع المشتركة في مجمل الآداب الغربية (...) ، وكتاب "المحاكاة" آورباخ (1946)، الذي يعد ل "إريخ تاريخا للواقعية من هومير إلى جويس (...) إنما هما إنجازات بحثية تعلن تجاهلها للنزعة القومية، كما تبين على نحو مقنع وحدة الحضارة الغربية ومصداقية إرثها الكلاسيكى (الإغريقى الرومانى – م.ى.)، والمسيحي العائد إلى القرون الوسطى الأوربي. ولعلنا لسنا بحاجة لأن نشير إلى أن رينيه إتيامبل كان في كتابه "دراسات في الأدب العام (بحق)" (1975) ناقدا لتلك الريفية الجديدة التي دعا إليها فيلك، بينما تحمس إتيامبل - في المقابل - لانفتاح على آداب العالم أجمع، حيث لا يمكن أن تقوم بدونه قائمة حقيقية للأدب العام. إلا أنه بعد ذلك بأعوام قلائل، وعلى وجه التحديد في عام 1982، طلع علينا" هورست روديجر، مؤسس مجلة "أركاديا" أول مجلة متخصصة في الأدب المقارن تصدر في ألمانيا الاتحادية (الغربية) منذ الحرب العالمية الثانية. وكان "روديجر" قبل ذلك مباشرة أستاذا للأدب الألماني في جامعة بون، شديد الولع بشعر "بتراركا". غير أنه قبل أن يصبح أستاذا للأدب المقارن في الجامعة نفسها خلال الستينيات، طلع علينا – أي "روديجر" - بنقده لتصور "جوته" للأدب العالمي مدافعا في المقابل عن "إقليمية أكثر واقعية" (على حد تعبيره ) حيث يقول: ليس الأدب العالمي بحال من الأحوال جمعية عامة للأمم المتحدة، فالأمر لا يلبث أن يفضي إلى العبث في هذه المنظمة عندما يتساوى صوت مستعمرة سابقة، منحت استقلالها حديثا وإذ بها خالية الوفاض من أية موارد اقتصادية أو فكرية بصوت قوة عظمى أو شعب يتربع على ثقافة يبلغ عمرها آلاف الأعوام (كذا!). ولعله من حسن الحظ، أو لسوئه، أن روديجر قد أماط بذلك اللثام عما كان فيلك يحرص على أن يجعل منه إجماعا مضمرا مع صحبه المركزيين الأوربيين. وقد تبدو هذه المسألة من منظور فقه اللغة (الفيلولوجيا) على أنها تتعلق بالتوجه النظري العام لكل من روديجر وفيلك، إلا أننا ما أن نتساءل عن الوظائف الاجتماعية للمنتج الثقافي، أو بعبارة أخرى عن دوره الاجتماعي الثقافي الملموس في إطار العمليات التفاعلية بين منتجي الثقافة ومستقبليها، فسوف لا نملك إلا أن نسلم بأن التوجه المركزي الأوربي المضمر وما ينم عنه من توجهات تنحو للهيمنة، لا يخلو من الأهمية. إنما أسهمت هذه التوجهات ذاتها في الوزن الخاص الذي حظى به هؤلاء المؤلفين ومؤلفاتهم. وقد سبق لى أن عرجت على حقيقة تاريخية مفادها أن مرحلة نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات كانت قد شكلت مناخا اجتماعيا وسياسيا بعينه صدرت في إطاره الأعمال المذكورة لكل من كورتيوس، وآورباخ وفيلك. والسؤال المطروح الآن: هل كان العمق النظري لهذه الأعمال هو مبعث نجاحها، أم أنها قد لبّت على نحو مفجع حاجة (غربية) ما في ذلك الوقت تماثل "الحاجة" إلى إطلاق الحرب الباردة، أو إلى المكارثية، أو تأسيس سلف حلف شمال الأطلنطي؟ على أية حال فإن الترحيب الذي لاقته تلك الكتب الثلاثة ليبعث على الحيرة. وقد أكدت خبرتي في كل من بون وبوخوم أن هذا التوجه قد ظل مستمرا على نحو قوي بعد ذلك بعشرين عاما.