مُسيّرات مليشيا الدعم السريع تهاجم كوستي    عقوبات الولايات المتحدة على السودان تحوّلت إلى "سكترما"    تفكيك بيان أبوظبي المنسوب للرباعية !!    لامين يامال: هكذا سأحتفل إذا فزت بالكرة الذهبية    الحزب الجمهوري: بيان «الرباعية» يتسق مع ما ظللنا ننادي به    "الدعم السريع" تسحق متحرك للجيش غرب أم درمان    القوز ابوحمد يستعرض مسار الصعود للممتاز    رئيس المجلس الرئاسي يبحث مع المبعوث البريطاني الأوضاع في السودان    أرسنال يستعيد نغمة الفوز    المريخ يدشن تجاربه الإعدادية والكاف يؤجل مباراته الأفريقية    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    مبابي ينقذ ريال مدريد من فخ سوسيداد رغم اللعب ب10 لاعبين    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عاجل..قرار من" كاف" تجاه نادي المريخ السوداني    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    لامين جمال.. قصة نجاح خارج المستطيل الأخضر    ترامب يلوح بفرض عقوبات كبيرة على روسيا    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    "تمبور": بيان الرباعية لا يؤثّر في خطة حسم الدعم السريع    شاهد بالفيديو.. جنود درع الشمال يحتفلون بتحرير "بارا" بالأغاني الحماسية (منايا ليك ما وقف)    شاهد بالفيديو.. وسط ضحكات وسخرية الجمهور.. جندي بالدعم السريع يهرب من المعركة وينفذ بجلده: (عيال كيكل ما بتداوسوا وأنا ماشي أرعى إبل وأمي قالت لي كان ما رجعت ما عافية ليك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بعد حصوله على قميص نادي الهلال السوداني.. مقدم برامج بقنوات "بي ان سبورت" يوجه رسالة للبرنس: (أعرفك من سنين عمرك ما هديتنى تيشيرت واليوم حصلت عليه بعرق جبيني)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل "بارا" وسط استقبالات حاشدة وغير مسبوقة وساخرون: (الدعامة والقحاتة الليلة ما بنوموا من الزعل)    شاهد بالصورة.. بعد الهجوم الإسفيري الشرس الذي تعرض له.. المذيعة تسابيح خاطر تتغزل في زوجها "الميرغني" وتسانده: (واثِق ُ الخطوةِ يمشي ملكاً)    أرميكا علي حافة الهاوية    الرئيس الرواندي يصل الدوحة    انتقادات عربية وأممية.. مجلس الأمن يدين الضربات في قطر    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة النص أم ثقافة الخطاب؟
نشر في الراكوبة يوم 31 - 03 - 2015

في الحديث عن تأصيل الإجرائي في الفعل الثقافي، بمعنى تحرير أو نقل سلطة النص من البلاغي إلى الإجرائي، تبرز أمامنا إشكالية الفهم والتفسير، لأن كل محاولات الفهم للإجرائي تصطدم في حياتنا العربية، ثقافيا واجتماعيا، بالسياسي والسياسي السلطوي على وجه التخصيص.
هذه المشكلة (تريد لها المؤسسة السلطوية العربية البقاء والتأبد في خانة الإشكالي من أجل منع المثقف العربي من الاقتراب من كشفها وحلها، ترهيبا) تتمثل في حصر سلطة النص الإبداعي (بكافة أجناسه) في الجانب الجمالي/البلاغي من أجل احتواء أثر فعلها وتأثيره وقصره على الوجداني ومنعه من التحول إلى ملموس فعل ثقافي تغييري إجرائي فاعل، يأخذ على عاتقه عملية بناء الرؤى الثقافية الفعلية والفاعلة في إعادة إنتاج الفعل الثقافي وثقافة الفرد والإنسان المثقف.
حجر سلطة النص الإبداعي في الجانب البلاغي والجمالي/اللغوي تعني، أول ما تعنيه، أن منتج النص لا يؤمن بما يقول، أو إنه يسوق معارفه بشكل النص لغاية دعائية؛ في حين أن الإيمان بخطاب أو مقولة النص تعني الإيمان والعمل على نقله إلى حيز الإجراء، من أجل تعميمه كفعل ثقافي يجب أن يبلغ مداه ويثبت محمولاته كركائز حياتية (ثقافية) واجبة الوجود والفعل، من أجل أن تأخذ دورها في فعل الإنضاج والتغيير.
هذا الشكل من الثقافة هو ما عكف عليه النص الشعري، في تاريخنا العربي (السياسي والثقافي) منذ خروجه من طور ثقافة الخطاب إلى ثقافة الوعظ والتعليمية، وحتى مطلع خمسينيات القرن الماضي وظهور شكل القصيدة الحديثة (قصيدة التفعيلة) على يد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي ومن جايلهما من الشعراء العرب، وفي ما بعد انعطافها التطوري إلى شكل قصيدة النثر على يد أنسي الحاج وأدونيس والماغوط وغيرهم، وحتى تبلور شكل الرواية العربية ونضوج أوجه خطابها في نهاية ستينيات القرن الماضي، وعلى يد قلة أو نثار من الروائيين العرب الذين يعدون على أصابع اليد، للأسف الشديد، كعبدالرحمن مجيد الربيعي في روايته «الوشم» وسهيل ادريس في «الحي اللاتيني» وحيدر حيدر (في أغلب رواياته) وعبدالرحمن منيف في روايتيه «الأشجار وإغتيال مرزوق وشرق المتوسط» والطيب صالح في «موسم الهجرة إلى الشمال».
ورغم أننا لا نستطيع تبرئة السلطة المؤسساتية وعبء التاريخي وماضويته من جانب كبير من مسؤولية الحجر على الثقافة وحصرها داخل النص، إلا أننا لا نستطيع تجاوز مسؤولية المثقف عن هذا ايضا، في كونه الفاعل الرئيس في عملية إنتاج الفعل الثقافي ووسيلة التعبير عنه أو وجه تمظهره، النص، وفي كونه الطرف الأول في عملية تحويله إلى فعل وفعل إيمان بخطابه وأهدافه وتعميمه كفعل حراك وتغيير، خاصة في مواجهة السلطة المؤسساتية الثقافية، التي مازال بعضها المؤسسات الثقافية الرسمية لا يكتفي في العمل على حصر سلطة الثقافي في حدود النص ووهجه البلاغي، بل يتعداه إلى محاربة تطور شكل النص وسيرورته الطبيعية في مواكبة صيرورة الحياة وثقافتها، وكما يحدث الآن في شكل بعض المسابقات والمهرجانات الشعرية، التي تقصر المشاركة فيها على شكل القصيدة القديم (العامودية) وتنظر بعين الاستخفاف إلى أشكال القصيدة المتطورة والمولدة الحديثة، تلك المؤسسات (وأغلبها تابع للسلطات الثقافية الرسمية) مازالت تنظر بعين القداسة لمسطرة الخليل بن أحمد الفراهيدي، وبالتالي عدم القدرة على رؤية شكل القصيدة العربية خارج حدود أطرها وأطر أصول القصيدة الجاهلية، التي أسس على إيقاعاتها مسطرة بحوره الخمسة عشر (قبل أن يضيف إليها الأخفش البحر السادس عشر)... رغم أن تلك المسطرة لا يدعمها أي نص مقدس.. وطبعا هذا الإصرار المؤسساتي الرسمي، هو إصرار مبطن على اعتقال أو تحنيط الفعل الثقافي وإيحاء به وبضرورته لمنتجيه أيضا داخل حدود النص وبلاغيته أو جماليته اللغوية والإيقاعية، من أجل قطع الطريق على النص في تحوله إلى خطاب فاعل يطالب بمساحته من الواقع والفعل في الوعي والذائقة الثقافيين.
وهذا الاستلاب الذي مازال يمارس من قبل المؤسسات وبطاناتها الثقافية، ضد شكل القصيدة (قصيدة النثر، باعتبارها الشكل الأحدث على الذائقة الثقافية العربية) وضد مضامينها المتوالدة والمتشعبة وخطابات هذه المضامين ومقولاتها التي صارت مصدر قلق لأفق رؤية المؤسسة السلطوية، (لما تنطوي عليه من فعل التغيير والهدم للخطابات القديمة الراكدة)، هو أحد أسباب نكوص وتحول الأصوات الثقافية، شعرية ونثرية، وانطوائها تحت عباءة سلطة المؤسسة، وبالتالي تحول أصحابها من مثقفي خطابات إلى مثقفي نصوص مدجنين، ليس لهم غير التفاخر بعدد ما يصدر لهم من كتب ونصوص منشورة في الصحف والدوريات، وتحولهم إلى نوع من أجهزة الرقابة ضد فورة الخطابات وتجددها.
وهو الأمر الذي انسحب أيضا على خطاب العملية والممارسة النقدية، بتحولها من فعل تثوير لمحمولات خطاب النص إلى آلية استعراضية وحكائية عن النص، تستمد مشروعية مرورها وثقلها ومنطقها من حجم المصطلح الذي تحقن به والتركيز على الجانب البلاغي وحمولة اللغة أو سلامتها من الأخطاء الإملائية والنحوية، في أغلب الأحيان؛ أما عملية ملاحقة إشارات النص وتفكيك شفراته الرمزية والخطابية والتركيز على إجرائية تفعيلها في المساحة والساحة الثقافيتين، فصارت ترفا لا يلاحقه إلا القلة من النقاد من أصحاب الهم والفعل الثقافيين الجادين.
ورغم أن مشكلتنا النقدية مع البلاغي والتفاخري، كونه الجزء الأوفر من إرثنا الثقافي (الشعري)، هي قديمة قدم الحركة النقدية التي تأسست في العصر الأموي وأخذت أوسع مدى لها في العصر العباسي، إلا أن هذا الإرث النقدي الطويل لم يمتلك من مؤهلات دوره، على صعيد الوعي والأدوات، ما يمكنه من فهم النص البلاغي كأداة فعل ثقافي، وبالتالي تثوير خطابه والانتقال به أو الحض على تحويله إلى صيغ وبنى إجرائية.. وهذا يعني في المحصلة، أن غياب العقل والوعي النقديين يتحملان مسؤولية كبيرة في انصياع العدد الأكبر من مثقفينا أو تقبلهم لأنفسهم في أن يكونوا مثقفي نصوص لا مثقفي خطابات، رغم أن تاريخنا النقدي الحديث، لم يخلُ من بعض صرخات التنبيه لخطورة هذه المشكلة، التي بدأها الشاعر والناقد، عبدالرحمن طهمازي، في مقال له تحت عنوان «نكسة الأصوات» والمنشور في مجلة «الأقلام» العراقية عام 1965 من القرن الماضي.
روائي وناقد عراقي
سامي البدري
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.