مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    والي الخرطوم يشيد بمواقف شرفاء السودان بالخارج في شرح طبيعة الحرب وفضح ممارسات المليشيا المتمردة    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    محمد خير مستشاراً لرئيس الوزراء كامل إدريس    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الشان لا ترحم الأخطاء    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستشفى نيالا.. حالة موت سريري
نشر في الراكوبة يوم 22 - 08 - 2015


نقص في الكوادر وتردٍّ في العنابر
إضرابات واعتصامات ونقص في المعينات
المركز يتفرج وحكومة الولاية تعترف بالفشل
"الغاز قاطع وما في مياه شرب" هكذا أجابت عاملة بالمطبخ الملحق بعنبر سوء التغذية الذي يتم فيه إعداد الطعام للصغار الذين فتك الجوع بأجسادهم الهزيلة، وبدأت العاملة متحسرة على الحال الذي وصل إليه مستشفى نيالا عامة، وقسم سوء التغذية على وجه الخصوص وتحسرت على ذهاب المنظمات الأجنبية التي أكدت أنها كانت أكثر رحمة بالصغار، وذات النبرات الحزينة التي تحدثت بها العاملة كست وجه كبير الممرضين الذي تحدث لنا بحسرة وأسى وكاد أن يذرف الدموع على حقوقهم المهضومة وعلى التردي الكبير الذي يشهده أكبر مستشفى بغرب البلاد، والصورة تبدو قاتمة والواقع يوضح أن المستشفى الحكومي يشهد تراجعاً كبيراً وقد وصل مرحلة العجز شبه التام عن تقديم خدمات طبية تعيد الشفاء إلى المرضى.
نيالا: صديق رمضان
إخفاقات وحوادث
ماضي مستشفي نيالا لا يختلف كثيرا عن حاضره، لذا لا يمكن القول إن هذا المستشفى الذي يقدم خدمات لسكان ولاية يقترب عددهم من الأربعة ملايين نسمة قد تدهور أو أنه كان بحالة جيدة، فالكثير من الوقائع والأحداث تؤكد أن أزمة هذا المستشفى ظلت تراوح مكانها منذ عقد من الزمان دون أن تجد حلولاً من حكومتي المركز والولاية، والنماذج التي تعضد ما ذهبنا إليه كثيرة، يكفي أن نذكر منها ثلاثة لنوضح أن أزمة هذا المستشفى مستفحلة، ففي عام 2011 قدم الدكتور مبارك عبد الرحمن مختار مدير عام مستشفى نيالا استقالته احتجاجًا على تدهور الأوضاع الصحية والبيئية بالمستشفى، وتنصل حكومة الولاية عن الوفاء بمطالب الأطباء وقال مبارك وقتها إن من أهم أسباب تقديم استقالته عدم التزام حكومة الولاية بدعم مستشفى نيالا، موضحاً أن العجز الشهري للمستشفى بلغ 60 مليوناً، بالإضافة إلى عدم سداد متأخرات الأطباء منذ 2010، المتمثلة في السكن والبيئة الجاذبة وإيجار السيارات البالغ 2 مليار، وأوضح الدكتور مبارك أن الاحتياجات الفعلية والعاجلة لمستشفى نيالا في مجال الكوادر الطبية والتقنية والوسيطة 410 كوادر، منها 300 ممرض وممرضة و50 تقنياً، و40 طبيباً عمومياً، و20 اختصاصياً، وأن أقسام الجراحة والأطفال والباطنية والنساء والتوليد في حاجة عاجلة إلى 32 نائب اختصاصي، مشيراً إلى أن الحصول إلى تلك الكوادر تحتاج إلى تحسين بيئة العمل.
وسمة عار:
حكومة الولاية في ذلك الوقت كانت على قناعة تامة بتقصيرها وتردي الواقع في المستشفي وهذا ما أقر به الوالي في تلك الفترة عبد الحميد موسى كاشا، الذي اعترف بتدهور الخدمات الصحية والبيئية بمستشفى نيالا التعليمي، ووصف كاشا حال المستشفى بأنه سيء سيء جداً، وصمة عار في جبين كل المسؤولين، وفي عام 2012 مضى الوالي حماد إسماعيل على خطى كاشا، وذلك حينما اعترف بتردي الواقع في مستشفى نيالا بل مضى بعيدًا وذلك حينما أطلق صرخة داوية وقال: " المواطنون يموتون أمام أعين الأطباء يومياً"، لتتواصل المعاناة، وفي 2013 كشف مدير مستشفى نيالا التعليمي بولاية جنوب دارفور الدكتور عمر يعقوب، أن مديونيات المستشفى بلغت حوالي المليار جنيه، منها نصف مليار يمثل استحقاقات الأطباء والعاملين التي لم تدفع لهم منذ العام الماضي، ويومها قال إن المستشفى يعاني من نقص حاد في الاختصاصيين، وإن أعدادهم لا تغطي حاجة المرضى بالولاية في جميع التخصصات ابتداءً من الباطنية والنساء والتوليد والأطفال والجراحة، التي توجد بها 4 اختصاصيين فقط، بجانب الأجهزة المتطورة والمعامل، مشيراً إلى أن بيئة المستشفى الجاذبة معدومة تماماً مقارنة مع المستشفيات الأخرى، إلى جانب توقف بدلات الاختصاصيين لمدة طويلة مما أدى إلى عدم رغبة الاختصاصيين في العمل بالمستشفى. وأشار يعقوب إلى تردد أعداد كبيرة من المرضى من ولايات دارفور، مشيراً إلى حاجة المستشفى ل 10 اختصاصيين في كل تخصص لتسيير العمل بالمستشفى، موضحاً أن القسم الوحيد الذي يوجد فيه عددٍ كافٍ من الكوادر هو قسم الأسنان، والذي بدوره يفتقد الأجهزة المؤهلة للعمل، مبيناً أن السعة الاستيعابية للمستشفى أكثر من (490) مريضاً.
الوصول لمرحلة الانفجار
في عامي 2014 و2015 تواصلت الأحداث بالمستشفى الذي شهد الكثير من حالات الاضراب من قبل الأطباء والعاملين بسبب المتأخرات المالية بالإضافة الى احتجاجهم على الاعتداءات التي يتعرض لها الطاقم الطبي من قبل نظاميين أثناء ساعات العمل، وفي بداية هذا العام دخل الأطباء في إضراب وأرجعه المدير الطبي وقتها مضوي أحمد بلة الى تماطل إدارة المستشفى في الوفاء بحقوق الأطباء، مشيرًا إلى أن الأطباء أجبروا على الإضراب سيما أنهم يعملون في ظروف لا تساعد الطبيب في أداء مهامه الإنسانية، مضيفاً أن بيئة المستشفى طاردة كلياً، وأضاف مضوي أن إيرادات المستتشفى وحدها تكاد تكون كافية لسداد متأخرات الأطباء بالإضافة إلى كافة احتياجات الضرورية الطبية، مبينًا أن المستشفى يعاني نقصاً حادًا في أبسط مقومات الخدمات الطبية المتمثلة في الشاش والقفازات والمحاليل الوريدية.
من جانبه أشار الدكتور عمار أحمد محمد إلى التردي المريع بجميع الإدارات، والأقسام الطبية بالمستشفى بسبب سوء الإدارة والإهمال الجسيم، وأكد أنه رغم الإيرادات الوفيرة المفروضة بالمستشفى إلا أن المبالغ لا تذهب لصالح الطبيب ولا المريض ولا حتى لتوفير الأدوية المنقذة للحياة منوهاً الى نقص حاد في الأسرة الأمر الذي يؤدي إلى وضع مريضين على سرير واحد.
التدهور يتواصل
وفي شهر أغسطس من هذا العام، وفي عهد الوالي الحالي المهندس آدم الفكي كشفت الزيارة التي سجلتها "الصيحة" لمستشفى نيالا أن الأزمة ما تزال تراوح مكانها، فكل شيء يؤكد أن المستشفى في طريقه للانهيار، ويعتقد أطباء تحدثوا للصيحة أن أبرز الأسباب التي أسهمت في تردي الأوضاع بالمستشفى تعود بشكل مباشرة الى اعتبارها جهة إيرادية من قبل حكومة الولاية التي وعلى أساس هذا التصنيف لا تقدم لها الدعم المطلوب مما جعلها تعتمد مباشرة في التسيير على ما يدفعه المواطن، ويشير تقرير رسمي الى أن الإيرادات الشهرية للمستشفى تتراوح ما بين 265 ألفاً إلى 464 ألف جنيه، وأن متوسط المنصرفات الشهرية يبلغ 495 ألف جنيه، وهذا يعني وجود عجز شهري يبلغ 130 ألف جنيه، وهذا يوضح حاجة المستشفى إلى مبلغ 200 ألف جنيه لسد النقص في مال التسيير وحتى تتمكن المستشفى من تغيير الأثاثات والمراتب والملايات البالية التي لا تصلح للاستخدام الآدمي، كما أن المستشفى يعاني أزمة مزمنة في الصرف الصحي الذي وعند زيارتنا وجدناه طافحًا وقد غطت روائحه الكريهة الأجواء، وعلمنا أن هذه أزمة ظلت مستفحلة تطل برأسها بين فترة وأخرى دون أن تجد العلاج النهائي وترى إدارة المستشفى أن العلاج يكمن في توفير عربة شفط دائمة.
معاناة الاختصاصيين
يعتبر مستشفي نيالا المرجعي الرئيسي بالولاية ويضم اثني عشر تخصصًا هي: الباطنية، الأطفال، الجراحة العامة، العيون، أمراض النساء والتوليد، الأذن والأنف والحنجرة، جراحة العظام، جراحة الكلى والمسالك البولي التجميل، الأسنان، الأشعة والتصوير الطبي، وأخيراً التحاليل الطبية، ويوجد بالمستشفى عدد جيد من الاختصاصيين يبلغ 30 اثنان منهم في الباطنية وثلاثة في الأطفال، وأربعة في الجراحة العامة، وسبعة في النساء والتوليد، وأربعة في العيون، واثنين في قسم الأنف والأذن والحنجرة، ويعتبر هذا العدد جيداً رغم عدم وجود اختصاصي تخدير بالمستشفى وبالولاية قاطبة وهو أمر غريب أثار تعجبنا، كما أنه يوجد نقص كبير في تقنيي التخدير حيث تبلغ حاجة المستشفى 25 والعدد الموجود عشرة فقط وذلك بسبب ضعف الحوافز، ولأن المستشفى يشهد أعلى نسبة تردد في البلاد فإن الحاجة للاختصاصيين رغم عددهم الجيد نسبيًا ما تزال قائمة وملحة خاصة أن هناك تخصصات لا يوجد بها اختصاصيون وتبلغ خمسة وتحتاج لعشرة اختصاصيين وهي: التخدير، الطوارئ الطبية، الباطنية والقلب، الباطنية والكلى، والباطنية والصدر.
معاناة الاختصاصيين
البيئة التي يعمل فيها الاختصاصيون بمستشفى نيالا أقل ما توصف انها غير مشجعة للعمل فبخلاف انعدام وتوقف عدد من الأجهزة والمعدات فإنهم يواجهون معضلة ثابتة في الترحيل والسكن، وذلك من واقع عدم التزام حكومة الولاية بدفع مبلغ 1500 جنيه للسكن منذ ثلاث سنوات، كما يوجد 16 اختصاصياً تستأجر لهم حكومة الولاية عربات حسب تعهدها عند تعاقدها معهم بواقع 100 جنيه في اليوم إلا أنها لم تلتزم بدفع الإيجار الشهري ليتم سحب العربات منهم من قبل ملاكها.
نقص حاد
عدد نواب الاختصاصيين والأطباء العموميين وأطباء الامتياز فإن المستشفى يعاني نقصاً حاداً ألقى بظلاله السالبة على مستوى تقديم الخدمة، وتقدر إدارة المستشفى النقص في تقرير رسمي (تحصلت الصيحة على نسخة منه) بنسبة 80% وهذا يعني أن العدد الموجود من الكوادر يبلغ 20%، وهذا بحسب التقرير ألقى بظلاله السالبة على مجمل العمل وخاصة بقسم الحوادث، وأرجع التقرير النقص الى ضعف الحافز المادي المسمى بالبيئة الجاذبة، حيث يتقاضى نائب الاختصاصي 1350 جنيهاً، فيما ينال الطبيب العمومي 450 جنيهاً، وأخيراً يحصل طبيب الامتياز على 270 جنيهاً في الشهر، وتعتبر هذه الحوافز ضعيفة وبسيطة إذا تمت مقارنتها بما يقدمه التأمين الصحي والولايات المجاورة لجنوب دارفور حيث يتراوح الحافز ما بين ثلاثة الى خمسة آلاف جنيه في الشهر، بالإضافة إلى قلة الحوافز فإن نواب الاختصاصيين والامتياز والعموميين يفتقرون الى الاستراحات اللائقة والكافية، حيث يوجد "ميز" واحد وهو بحالة أكثر من سيئة، وعلى صعيد النقص في بعض التخصصات فإن المستشفى يحتاج الى عشرين نائب اختصاصياً في أقسام النساء والتوليد، الأطفال، الجراحة العامة، والأطفال، أما الحاجة الى الأطباء العموميين فتبلغ 60 أما أطباء الامتياز فإن العدد المطلوب 120 طبيباً.
حالة غريبة
تعتبر حالة الدكتور الشاب عمر الطاهر غريبة التفاصيل لجهة أنها تحمل بين ثناياها جملة من الدلالات التي تستحق من القائمين على أمر المستشفى بل والصحة بالبلاد التوقف للنظر إليها بتمعن، فالدكتور الشاب ظل يتحمل ولفترة طويلة مهموماً بتردي الواقع في كبرى مستشفيات غرب البلاد فبخلاف تفانيه في العمل كان يجتهد لسد النقص من ماله الخاص حتى تراكمت ديونه على المستشفى ووصلت الى ثلاثة عشر ألف جنيه، فهو قد اشترى من قبل للمستشفى عدداً من المعدات الطبية مثل موازين الضغط والسماعات وفي بعض الأحيان يشتري الكهرباء للمستشفى والميز، ولأنه كان يرى شح مال التسيير ورقة حال الكثير من المواطنين الذين يرتادون المستشفى كان يدفع من ماله الخاص لتسيير المستشفى، وذلك انطلاقاً من مسؤوليته وحرصه على عدم توقف العمل مهما كانت الدواعي، والشاب المهموم بقضية أكبر من امكانياته يبدو أنه وصل الى قناعة صعوبة العمل في مثل هذه الأجواء فكان أن تقدم باستقالته وسط حسرة الممرضين والمرضى على حد سواء، ولما عرفنا حكايته بحثنا عنه في قسم سوء التغذية فعثرنا عليه فرغم تقديمه لاستقالته إلا أنه يرتاد هذا القسم بدوافع إنسانية وبالفعل وجدنا أن عمليات صنع الطعام للأطفال المصابين بسوء التغذية متوقفة بسبب عدم وجود مياه وغاز .
واقع مؤلم
ويشير الدكتور أبوبكر محمد الذي تحدث إلينا بحسرة وأسى الى أن المستشفى بات قبلة لأصحاب الدخول الضعيفة والفقراء وذلك لأن من يمتلك مالاً يتوجه الى المستوصفات والمستشفيات الخاصة بنيالاً، مرجعاً السبب وراء تدني خدماته الى عدم وجود مال كافٍ للتسيير ما جعل المستشفى تعتمد كلياً على الرسوم التي تتحصلها من المواطنين، وقال إن الشرائح الضعيفة هي الأكثر معاناة وذلك لأنها مطالبة بدفع الرسوم بغض النظر عن ظروفها الاقتصادية، وأردف: في كثير من الأحيان يأتي مرضى الى الحوادث وهم لا يملكون المال الذي يمكنهم من مواجهة تكلفة العلاج وهذا الأمر يدخل الأطباء في حرج بالغ لأنهم يعملون بين سندان التشديد في تحصيل الرسوم ومطرقة المرضى البسطاء الذين لا يملكون المال الكافي للعلاج ، وأعتقد أن شح مال التسيير من أبرز أسباب تردي المستشفى لأن هذا الأمر انعكس بصورة سالبة على شراء الأجهزة والمعدات والإيفاء بحقوق العاملين ولا أعتقد أن هناك منطقاً يدعو حكومة الولاية لاعتبار المستشفى جهة ايرادية وبالتالي حسب تقديرها لا تستحق الدعم.
سوء التغذية حال يغني عن السؤال
تجولنا في عدد من عنابر مستشفى نيالا ووجدنا أن واقعها متشابه باستثناء بعض التي خضعت للتأهيل مؤخراً، فجدران بعضها متصدع وكذا الأرضيات والطلاء بات لونه باهتاً، أما التهوية فهي تعتبر اضعف الحلقات حيث تعمل مراوح لا تتجاوز الأربعة في العنبر الواحد الذي ترتفع داخله درجة الحرارة بصورة ملحوظة ويعاني المرضى كثيراً في هذا الصدد، ويعتبر عنبر سوء التغذية الأكثر بؤساً وذلك من واقع وجود أكثر من طفل مريض في السرير الواحد، وفي هذا الصدد أشارت ممرضة إلى أنه وضع أكثر من عادي نسبة للأعداد الكبيرة من الأطفال المرضى بسوء التغذية وقلة السراير التي تبلغ 60 فقط، مشيرة الى أن العنبر يستقبل في الخريف أعداداً كبيرة من الأطفال، وحينما سجلنا زيارة الى المطبخ الذي يتم إعداد المشروبات والوجبات فيه للأطفال المرضى بسوء التغذية أبلغتنا عاملة بأن العمل متوقف بسبب عدم وجود غاز ومياه شرب نقية، وحكت بحسرة وأسى الظروف التي يعملن فيها، وقالت: نحن لم نعد نهتم كثيرًا بمتأخرات حقوقنا ربما لأننا فقدنا الأمل في انصلاح الحال ولكن أكثر ما يؤلمنا المعاناة التي يرزح تحت وطأتها الأطفال الصغار الذين يحتاجون لتغذية خاصة، ولكن لا نستطيع توفيرها بصورة راتبة ودون انقطاع الميزانية التي لا تسمح بذلك ونتمنى أن يتكفل الخيرون في نيالا بهذا القسم أو السماح بعودة المنظمات وذلك لأن أسر الأطفال المصابين بسوء التغذية لا تملك المال الكافي الذي يتيح لها أن توفر الغذاء السليم الذي يسهم في علاج أبنائها.
مفارقة
وشكى لنا عدد من المواطنين الذين التقيناهم من ارتفاع أسعار مقابلة الأطباء في المستشفى وقال أحمد آدم القادم من محلية رهيد البردي: هل يعقل أن أدفع في مستشفى حكومي لمقابلة الاختصاصي مبلغ مائة جنيه، أين العدل والمنطق في هذا الأمر، أعتقد أن المبلغ كبير وهو فوق طاقة المرضى البسطاء الذين إذا كانوا يمتلكون المال لتوجهوا الى العيادات والمستوصفات الخاصة، على إدارة المستشفى أن تعمل على خفض هذا المبلغ الكبير وذلك لأن المرفق الذي نرتاده حكومي ويجب أن يقدم لنا خدمات بأسعار في متناول يدنا وبهذه الطريقة سيتحول مستشفى نيالا الحكومي الى خاص وساعتها فإن على المرضى الفقراء العودة الى عهد التداوي بالأعشاب الطبيعية، ومن ناحيتها قالت الشابة آسيا أن مقابلة الطبيب العمومي تبلغ 40 جنيهاً، وترى أن في هذا الأمر تكليفاً للمريض فوق طاقته.
الشكوى إلى الله
ولا تعاني مستشفى نيالا من تردي الخدمات وشح الإمكانيات والنقص في الكوادر وحسب بل يجأر العاملون فيها مر الشكوى من هضم حقوقهم، وهذا ما أشار إليه كبير الممرضين أبوبكر أحمد الذي أشار إلى أن للعاملين استحقاقات ظلت متراكمة منذ ثمانية أعوام ولم تجد الاهتمام من جانب إدارة المستشفى وحكومة الولاية، وكشف أمراً في غاية الخطورة وذلك عندما أشار إلى أنهم أرسلوا وفدًا الى الخرطوم للاستفسار عن متأخراتهم المالية وتمت إفادة الوفد أنهم تم الإيفاء بها وقد تسلمتها حكومة الولاية ما يعني أنها ضلت طريقها، مبيناً عدم استلامهم للكثير من الحقوق مثل البدلات والمناشير الاتحادية حول الزيادات، وقال إن المستشفى وفي الوقت الذي تعاني فيه من نقص حاد في الكوادر فإن هناك عدداً مقدراً منهم تم انتدابه الى التأمين الصحي، وأردف: العاملون في المستشفى يعانون كثيراً في سبيل الحصول على حقوقهم، بل إنهم لا يتقاضون مثل نظرائهم في مستشفيات دارفور الأخرى وأن الفارق بين أجورهم ومرتبات زملائهم في المستشفيات الأخرى يقترب من حاجز الثلاثمائة جنيه، معتبرًا هذا دليلاً واضحاً على تعرضهم لظلم كبير، وقال إن بيئة العمل ليست جاذبة والمستشفى يعاني النقص في أجهزته ومعداته، وكشف ان الممرضين وفي سبيل عدم توقف العمل يستجلبون من زملائهم في المنظمات "الجونتات" وغيرها من معدات، وفي ختام حديثه طالب والي الولاية بتسجيل زيارة إلى المستشفى للتعرف على مشاكلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.