ما كنت أودُّ العودة للكتابة عن شركة سيبيرين ، فقد كتبت عنها مع آخرين ما يكفي لفضح وتعرية تلك الشركة ، و أبرزنا ما يكفي لردع وزير المعادن من معاودة الكذب ، ولكن يبدو أنَّ كل الحجارة التي ألقمناها له لم تُخرس ذلك اللسان الكذوب ، فأصبح كل يوم يخرج علينا بكذبة جديدة كانت آخرها أنَّ شركة سيبيرين الروسية تواجه مصاعب في تحويل مبلغ 5 مليار دولار كقرض لحكومة السودان بسبب المقاطعة الأمريكية !!! وكان الوزير قد اعتبر سابقاً أنَّ هذا القرض هو أهم بنود الإتفاقية الموقعة مع شركة سيبيرين الروسية ، ولكن لم يكشف أبداً إن كان هناك شرطاً جزائياً في حالة فشل سيبيرين في الوفاء بهذا القرض !!! وبعد أيام من تصريح الوزير هذا ، تحدث السفير الروسي بالسودان لرئيس وأعضاء البرلمان نافياً أن تكون شركة سيبيرين شركة روسية ، ونفى أي علاقة لروسيا بها ، وقال إنَّها شركة سودانية صِرفة !!! وأظنه قصد بذلك تبرئة الدولة الروسية باكراً من أي كوارث قد يجلبها لاحقاً التعامل مع شخص مثل فلاديمير جوكوف !!! هذا البرلمان الذي تحدث اليه السفير الروسي ، هو ذات البرلمان الذي قالت عضوته حياة الماحي ، رئيس لجنة الطاقة والتعدين في أغسطس الماضي أنَّ لجنتها استلمت خطاباً من وزارة المعادن يحمل معلومات مفصلة عن شركة سيبيرين الروسية ، أكدت فيه الوزارة أنَّ الشركة تابعة لحكومة روسيا ، وأنَّ الحكومة الروسية تمتلك 66٪ من أسهمها !!! أيهما يكذب على البرلمان يا حياة الماحي ، السفير الروسي أم وزير المعادن ؟ حياة الماحي هذه أكدت في أغسطس الماضي إطمئنان لجنتها للمعلومات التي وردت اليها من وزارة المعادن والإكتفاء بها ، وأنَّهم في البرلمان لم يكونوا بحاجة الي كل هذه التفاصيل !!! هل مازالت حياة الماحي مطمئنة لتلك المعلومات المزيفة والمتضاربة والمضللة حتى بعد استماعها لما قاله السفير الروسي ؟!! بعد يومين من حديث السفير الروسي لرئيس وأعضاء البرلمان ، خرجت علينا وزارة المعادن بكذبة جديدة ، وهي أنَّ السودان يمتلك 75٪ من أسهم شركة سيبيرين !!! وقبل أن يجف ريق اللسان المخاتل الذي نطق بتلك الكذبة ، وقبل أن يجف المداد الذي كُتبت به ، خرج علينا السيد فلاديمير جوكوف ليؤكد ملكيته التامة للشركة ولرأسمالها بنسبة 100٪ !!! في أغسطس الماضي ادعى فلاديمير جوكوف أنه يملك 99٪ من أسهم الشركة ، وأن له شريك سوداني لا علاقة له بالحكومة ولن يكشف عن اسمه !!! وفي 12 أغسطس كشفت صحيفة آخر لحظة عن اسم الشريك السوداني ، وقالت إن اسمه الأمين خلف الله عبد الله ، وأنه يمتلك 5٪ من أسهم الشركة وأن فلاديمير جوكوف يمتلك 95٪ من الأسهم !!! صبري خليفة الطيب رئيس شعبة المعادن بلجنة الطاقة والتعدين بالبرلمان ، أكد في ذلك الوقت أنَّ هند خانجي المسجل التجاري للشركات قد أكدت للجنة البرلمانية سلامة جميع الإجراءات المتعلقة بالشركة ، ولكن هل يمكن أن نجد إجابة صادقة من السيدة هند خانجي عن اسم الشريك السوداني ونسبته ؟ هل هو الأمين خلف الله عبد الله بنسبة 5٪ ، أم حكومة السودان بنسبة 75٪ ، أم هو فلاديمير جوكوف فقط بنسبة 100٪ بدون أي شريك سوداني ؟ وهل يسمح قانون الشركات بأن يكون نصيب الشريك الأجنبي أكثر من 49٪ ؟!! عدم الإجابة الصادقة والواضحة على هذه الأسئلة يشكك في سلامة جميع الإجراءات المتعلقة بهذه الشركة !!! أكد فلاديمير جوكوف في آخر حديث له هذا الأسبوع أن بداية الإنتاج ستكون خلال ستة أشهر من تاريخ التوقيع على الإتفاق ، مبشراً بنتائج إيجابية واحتياطي كبير من الذهب !!! ولو كان فلاديمير هذا واضحاً وشفافاً لقطع بأن الإنتاج سيبدأ في نهاية يناير لأن توقيع العقد كان في نهاية يوليو ، ولكنه يريد تعويم التواريخ ظناً منه أن الناس قد نسيت تاريخ التوقيع ، ويُحمد له هذه المرة أنه قد تواضع كثيراً وهو يبشر باحتياطي كبير متنازلاً عن مبالغاته السابقة التي كانت تتحدث عن أكبر احتياطي للذهب في العالم يبلغ وزنه 46 ألف طن !!! لم ينس فلاديمير جوكوف أن يتطرق في حديثه الي أهم بند في اتفاقيته مع وزارة المعادن وهو قرض ال 5 مليار دولار قائلاً أن الحصار الذي فرضته منطقة اليورو على البنوك السودانية قد تسبب في تأخر وصول القرض ، وأنه قد اتفق مع بنوك في الصين وسنغافورة لتحويل 5 مليار دولار بضمان احتياطي الذهب ، وسيصل المبلغ في منتصف يناير !!! الآن تأكد لي أن فلاديمير جوكوف ليس هو مساعد رئيس جمهورية السودان ، بل هو الرئيس الفعلي للجمهورية الذي يستطيع أن يرهن معادن وموارد الدولة كلها لبنوك أجنبية !!! كيف يُعقل أن تُفوِّض دولة ذات سيادة شخصاً أجنبياً وتزوده ببطاقة مساعد رئيس جمهورية ليقوم بالإقتراض لها من البنوك العالمية برهن موارد الدولة ؟ لماذا لا تقوم الدولة بنفسها بهذا الدور وتتقدم بطلبها مباشرة الي مؤسسات التمويل العالمية بضمان ما تملك من معادن ؟ ماذا سيكون موقف الدولة اذا لم تتحصل على ذهب يكفي حاجة تلك البنوك الدائنة ؟ كيف استطاع فلاديمير جوكوف إقناع البنوك الصينية والسنغافورية بتحويل هذا المبلغ الي بنوك السودان وبأي صفة ؟ وهل ناقش البرلمان شروط هذا القرض وربويته ونسبة الفائدة منه وأجل سداده ؟ أليس هذا بيع الغرر الذي لا يختلف عن بيع السمك في الماء واللبن في الضرع ؟ هل سيتم قبول هذا القرض كقرض من شركة سيبيرين أم من البنوك الصينية والسنغافورية ؟ هل يعتقد فلاديمير والبنوك التي اتفق معها أن أجهزة الرقابة الأمريكية عاجزة عن مراقبة التدفقات النقدية غير المشروعة ؟ هل يخطط فلاديمير والبنوك التي اتفق معها للتحايل بحجب المعلومات عن التحويلات الإلكترونية بحيث تمر بالنظام الأمريكي دون إثارة شبهات ؟ هل نسيت حكومة السودان المتاعب والخسائر التي سببتها لبنك بي ان بي باريبا العملاق الفرنسي الذي كان يعمل بمثابة بنك مركزي لها حيث تعرض لأكبر غرامة مالية بلغت 9 مليار دولار فرضتها عليه الحكومة الأمريكية في يوليو 2014 بسبب خرقه للمقاطعة الأمريكية على السودان ؟ إنَّ كل بنوك العالم تخشى المقاطعة الأمريكية ولن تجازف بتعاملات مشبوهة تجرُّ عليها المصائب ، وتصريحات فلاديمير هذه لم تترك شيئاً مستوراً عن الرقابة الأمريكية ، ويبدو أن فلاديمير يريد ذلك لحاجة في نفسه !!! لا أعتقد أن فلاديمير رجلاً غبياً حين التزم في العقد بتوفير هذا القرض الضخم ، فهو يعلم تماماً حاجة الدولة التي يتعامل معها للمال ، ويعلم تماماً أنها تخضع للمقاطعة الأمريكية التي اتخذها حجة للمراوغة ، وقد كان تصريح وزير المعادن بأن المقاطعة الأمريكية قد حالت دون وصول القرض الي السودان ، يَصُبُّ في مصلحة فلاديمير . لقد نجح فلاديمير في إغراء الدولة بهذا القرض الملياري ففتحت له خزائن باطن أرض السودان ينهب منها كيف يشاء ، وكلما سئل عن القرض أجاب بأن المقاطعة الأمريكية أو الحصار الذي تفرضه منطقة اليورو يحول دون وصول القرض الي البنوك السودانية ، وبعد قليل سنسمع منه اعتذاراً جديداً بأن البنوك الصينية والسنغافورية لم تستطع التخلص من القبضة الأمريكية !!! في رأي أن جريمة كبرى يتم الإعداد لها بمشاركة المافيا الروسية التي يمثلها فلاديمير جوكوف ، وحكومة السودان التي تمثلها رئاسة الجمهورية ووزارة المعادن ، فقد تكررت في الآونة الأخيرة زيارات نائب الرئيس ووزير المعادن الي روسيا ، وقد كانت آخر زيارة لوزير المعادن الي روسيا للمشاركة في مؤتمر عن البيئة رغم أن للبيئة وزير يمكن أن يمثلها بنفسه !!! ويبدو لي جلياً الآن أن عمل شركة سيبيرين في مجال التعدين هو غطاء لنشاطات إجرامية في مجال المخدرات والخمور وغسيل الأموال والتدفقات النقدية غير المشروعة ، ولا أستبعد أن تكون هذه المليارات الخمس هي جزء من المليارات التسع التي اتُهم الرئيس بتهريبها الي حسابات خارج الوطن كما جاء في وثائق ويكيليكس ، كما أعتقد أن إغراءات ضخمة قد قُدمت الي فلاديمير جوكوف والمافيا التي يتزعمها ان نجحوا في استرداد تلك الأموال ليتم ادراجها في ميزانية 2016 المتعثرة ، والتي فشلت كل الجولات الخليجية في ضخ أموال تُقيل عثرتها !!! فلاديمير جوكوف لن يخسر شيئاً ، فإن عجز عن إرجاع تلك المليارات المنهوبة وخسر نسبته فيها ، فلن يعجز عن الحصول على أطنان من الذهب ، وعائدات ضخمة من حاويات الڤودكا والمخدرات التي سيملأ بها السوق ، وسيكون مكسبه الأكبر عضويته في هيئة رئاسة الدولة التي تتيح له مجالات واسعة للكسب ، وتفتح له آفاقاً لا حدود لها للإحتيال وبيع ما تقع يده عليه في هذه الدولة التي ينظر اليها شعبها بلا مبالاة وهي تُنهب . أما آن لشعب السودان أن يستيقظ وينتفض قبل أن يبيعه أمثال فلاديمير ومافيته في سوق النخاسة ؟ [email protected]