تظل العلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان مرهونة بمدى تنفيذ الحكومتين للاتفاقيات الموقعة بينهما، إضافة إلى مدى تنفيذ توصيات اللجان الفنية المشكلة لكثير من الملفات العالقة. في ظل تلك التقاطعات السياسية والاقتصادية تبرز العلاقات الثقافية والاجتماعية بين البلدين، التي تتخذ موقعاً محايداً من شكل العلاقات الرسمية. فالناظر لاستقبال شعب السودان لإخوانهم العائدين من دولة جنوب السودان، سيجد أن الرابط بين الشعبين أقوى من ما يفصلهم. في هذا الاتجاه يقول د. عبد الله دينق نيال وزير البيئة الجنوب سوداني (السابق)، والقيادي الإسلامي، إن العلاقة بين الشعبين يقف في طريقها - من أسماهم - ب (المتطرفين) من الجانبين. وأشار، خلال ندوة مستقبل العلاقات الاسترتيجية بين السودان وجنوب السودان، التي نظمها مركز دراسات المستقبل، أمس (الثلاثاء)، إلى أن انفصال جنوب السودان انفصال سياسي فوقي، أنتجته النخب السياسية الحاكمة. عبد الله دينق أشار إلى أن العلاقات راسخة، ولا يمكن إزالتها وفصل الشعبين. وأضاف أن مستقبل العلاقة بين شطري السودان إذا ما تم تجاوز ما وصفه ب (الحماقات)، سيفضي إلى وحدة، وإن كانت في شكل (فدرالية)، بجانب أن هناك مؤشرات إيجابية للتكامل بين البلدين، تجلت في أول يوم لإعلان استقلال الجنوب حين ما طلب بعض المتطرفين الجنوبيين تسليم علم السودان للرئيس البشير باعتبار أنه يخص دولة أخرى الآن. رفض عقلاء الجنوب تسليم العلم باعتباره يمثل تاريخ سابق للبلاد الوليدة، وسيوضع بالمتحف القومي، وهذه إيجابية، من وجهة نظر نيال. في ذات المنحى، يضيف صمويل جيمس مدير مركز دايفر ستي للدراسات الاستراتيجية بجمهورية جنوب السودان أن الضغوط الخارجية تؤثر في العلاقة بين البلدين، موضحاً أن الروابط بين البلدين قوية جداً خاصة الثقافية منها، حيث اللغة باعتبار أن اللغة العربية تعد اللغة الأولى بالجنوب، مشيراً إلى أن إحصائيات غير رسمية أثبتت أن (70%) من شعب جنوب السودان هي قومية زنجية مسلمة، ما يعني أن تلك الروابط لا يمكن فصلها سياسياً، كما يشير إلى أن المصالح الاقتصادية من أكبر الدوافع للبلدين للتعاون، ويتضح ذلك من تنفيذ للاتفاقية الاقتصادية التي حرصت عليها حكومتا البلدين على تنفيذها في مقدمتها نقل نفط الجنوب عبر خطوط نقل البترول السودانية وتصديره عبر ميناء بشائر السوداني، مبيناً أن تلك الاتفاقية أكثر الاتفاقيات التي وجدت حظها من التنفيذ، كما لفت صمويل إلى أن تنفيذ اتفاقية الحريات الأربع إذا ما تم سيتوصل شعبا البلدين للتكامل الاجتماعي. وأشار إلى أن استقبال السودان للعائدين الجنوبيين بعد اندلاع الأحداث بجوبا 2013م، كان له الأثر الطيب في نفوس الجنوبيين. أشواق الوحدة بين البلدين تراود الكثيرين من أبناء شقي السودان، حيث يرى الأمين عبد الرازق أستاذ العلوم السياسية، أن عودة السودانيْن إلى الوحدة مؤكدة، ويراهن عبد الرازق على الوحدة بين البلدين على قرار الجمهورية الألمانية. وقال إن ما يربط البلدين أقوى من ما يفرقهما. في ذات السياق قال عبد الله دينق نيال إن هناك مصالح اقتصادية مشتركة، حيث يعد الجنوب سوقا للمنتجات السودانية، نسبة لثقة المواطن الجنوب سوداني فيما ينتج بالسودان. وزاد: "المصالح المشتركة أقوى بين شعبي السودان والجنوب سوداني من مصالح الجنوب بشرق أفريقيا". ورهن عبد الله دينق تنفيذ الاتفاقيات المشتركة بين البلدين بمعالجة كل دولة مشكلاتها الداخلية. وأكد أن الخلافات بين دولتي السودان عابرة، ولابد أن تعود المياه لمجاريها وتصبح علاقة تكاملية. وتظل القضايا العالقة بين البلدين حجر عثرة في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، حيث يقول إبراهيم أوول من مركز دايفر ستي الجنوب سوداني إن أبرز القضايا العالقة بين الدولتين هي تنفيذ الترتيبات المتبقية من اتفاقية نيفاشا، في ما يتعلق بترسيم الحدود وقضية أبيي، كما لفت إلى أن الحكومتين لم تجدا الوقت لإدارة القضايا العالقة، مؤكداً أنه حال تنفيذ الاتفاقيات المشتركة ستحل المشكلات بين البلدين. وأوضح أن هناك شبه اتفاق على المناطق المتنازع عليها في كل من (الميل 14، كفياكنجي وحفرة النحاس، مربعات النفط بالقرب من ولاية الوحدة، منطقة هجليج "بانطاو" وخط الحدود الشمالية لولاية أعالي النيل)، مبيناً أن اللجان الفنية الخاصة بتلك المناطق توصلت إلى توافق بين البلدين يرضي الطرفين، لكن تظل قضية منطقة أبيي قيد النظر باعتبارها تتبع لبرتكولات نيفاشا بالإضافة إلى المنطقتين. ويقول صمويل جميس إن العامل المؤثر في النظام السياسي الجنوب سوداني المتمثل في تشكيل أحزاب الجنوب ال (19)، خمسة منها تشكل الحكومة و(14) حزبا في خط المعارضة، حيث تشكل القبلية الأيدلوجية العنصر الأساسي لتكوين الأحزاب، بجانب ممارسات السلطة، إلا أنه أشار إلى مقدرت تحالف قوى المعارضة الجنوب سوداني بقيادة لام أكول في إحداث تغيير في مسار علاقة الدولة الوليدة بمحيطها الإقليمي، خاصة علاقتها بدولة السودان، حيث لفت إلى تعطيل التحالف للانتخابات الأخيرة عبر لجوئه إلى القضاء، بجانب سعيه للجمع بين الأطراف المتنازعة في جنوب السودان عبر مفاوضات السلام في أديس أبابا. بالرغم من كل المعطيات السياسية والاقتصادية التي تشكل العلاقة بين السودان وجنوب السودان، تظل الإرادة السياسية لحكومتي البلدين المخرج الأوحد للقضايا العالقة. إذ يرى عبد الله دينق نيال أنه إذا توفرت إرادة سياسية للبلدين، وتم تطبيق الاتفاقيات لعقد من الزمان يمكن أن يعود السودان موحداً. وأشار إلى أنه متى ما انخفضت أصوات المتطرفين هنا وهناك، ستزول سحب الضباب بين البلدين. إذا ظل انفصال شعبي النيل السياسية تظل الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حاضرة في الوجدان، إلى أن تعالج القضايا العالقة بين البلدين وتنفذ الاتفاقيات، تظل علاقة البلدين على صفيح ساخن توقده قوى لا مرئية، تقود إلى طريق مسدود. اليوم التالي