وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقاعة صكوك الإستثمار الحكومية (شهامة و ما نحوها) ،،، الحلقة السادسة.
نشر في الراكوبة يوم 28 - 05 - 2011

الغالبية العظمي من حملة هذه الصكوك ليست لديهم دراية كافية نافية للجهالة بمخاطر عقد المضاربة و المخاطر التي يمكن أن تترتب عليه
عقود المضاربة تمثل عقود مشاركة في الربح فقط و ليس في الربح و الخسارة و الحكومة تقاسم المستثمرين في الربح أما الخسارة فيتحملها المستثمرين لوحدهم
ليس للمستثمرين سندا قانونيا أو شرعيا يقوي حجتهم في حالة نشوب نزاع بينهم و بين الحكومة
لن يكسب الناس نزاعا قانونيا و شرعيا مع الحكومة و هي لن تعجز عن إيجاد حجج تبرر بها عدم مسئوليتها عن ضياع أموال الناس
بنك السودان علي رأس أكثر من 160 شركة و مؤسسة مدرجة ضمن القائمة الخاصة للمشبوهين بغسيل الأموال و تمويل الإرهاب
فقاعة صكوك الإستثمار الحكومية (شهامة و ما نحوها) ،،، الحلقة (6)
بينا في الحلقة السابقة بحجج كافية كيف أن قاعدة حرمة الربا كواحدة من أهم القواعد الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية في الإسلام و قد اهتزت و شكك فيها عدد مقدر من أعلام الصيرفة الإسلامية و فقه المعاملات الإسلامية و قد دعمنا ذلك بأمثلة حية و مفارقات جوهرية تعيشها شهادات شهامة، و شمم. و بنفس القدر الذي سقطت فيه حرمة الربا عن هذه الصكوك فقاعدة بطلان عقود الغرر هي أيضا تتهاوي و تسقط بعيدا عن جوهر هذه الصكوك و محتواها غير الشرعي المتصادم مع مقاصد فقه المعاملات الإسلامية و مع مصالح الناس.
و الغرر في اللغة كما أسلفنا في الحلقة الرابعة هو الخطر الذي لا يُدْرى أيكون أم لا؟ كبيع السمك في الماء والطير في الهواء. و أَصْله كما قال الخطابي (ما طُوِيَ عَنْك وَخَفِيَ عَلَيْك بَاطِنه)، أو كما قال أيضا (و يصبح غررا كُلّ بَيْع كَانَ الْمَقْصُود مِنْهُ مَجْهُولًا غَيْر مَعْلُوم أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ غَيْر مَقْدُور عَلَيْهِ). و بالتالي فإن عقد الغرر هو العقد الذي تنعقد فيه نية الطرف الأول لإخفاء عيب أو أكثر في محل العقد عن الطرف الثاني و هو بذلك ،أي الغرر، يعني في اللغة المعروفة لعامة السودانيين الغش و التدليس و هو ما نهي عنه الرسول الكريم محمد، فقد روي عنه أنه (مر بصبرة "أي كومة" من بر، قد عرضها صاحبها للبيع، فأدخل يده فيها فنالت بللا، أي رطوبة، فقال: ما هذا يا صاحب الصبرة؟ فقال: أصابته السماء، أي أن هذا من آثار المطر، فقال: هلا جعلته أعلاه، أي اجعل هدا الرطِب في أعلاه كي يراه الناس، فمن غشنا ليس منا. (راجع موقع www.alhabeib.com شروط البيع - منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين شرح الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين). فقد اعتبر الرسول الكريم في هذه الحالة، و هي إحدي حالات الغرر البينة، أن إظهار الطيب من البضاعة في الأعلى وإخفاء المعيب وجعله في الأسفل غشا ،أي غررا. و بمعني آخر فإن أي عقد لا تتوافر فيه المعرفة النافية للجهالة فهو أحد عقود الغرر. لذلك فقد حدد فقه المعاملات الإسلامية أركانا شرعية للعقد لا تختلف من حيث المحتوي و المضمون عن أركان العقد في القانون المدني. و من أهمها وضوح معني العقد (أي الوسيلة التي يتم بموجبها التعبير عن إرادة المتعاقدين سواء باللفظ أو العمل أو الإشارة أو بالكتابة)، و الأهلية (أي أن يكون الشخص المتعاقد بالغا، راشدا، متمتعا بكامل قواه العقلية). و الولاية (و تعني الحق القانوني و الشرعي للتصرف في الموضوع محل العقد فلا يجوز للمرء أن يتعاقد فيما لا يملك حق التصرف فيه)، وجود محل العقد (أي المبيع) فلا يصح بيع المعدوم لقول الرسول الكريم: "لا تبع ما ليس عندك" و يجب أن يكون مالاً متقوماً معيناً و معلوماً للمتعاقدين بحيث لا يكون فيه جهالة تؤدي إلى النزاع والضرر ويحصل العلم بمحل العقد بكل ما يميزه عن الغير من رؤيته أو رؤية بعضه عند العقد، أو بوصفه وصفاً يكشف عنه تماماً، أو بالإشارة إليه، وذلك لأن الجهالة في محل العقد (المعقود عليه) تسبب الضرر وتفضي إلى النزاع (راجع: ماهية العقد في الفقه الإسلامي – الدكتور صلاح عبد الغني الشرع)، بالإضافة إلي توافر شرط القدرة على التسليم (أي أن يكون البائع قادرا على تسليم المبيع إلى المشتري، و المؤجر للمستأجر، و غيرها من الأركان الشرعية التي بغيابها يكون العقد باطلا و يدخل ضمن عقود الغرر أو الغش و التدليس. و لا نعتقد أن أركان التعاقد الشرعي النافية لشبهة الغش و الغرر متوافرة في صكوك و شهادات الإستثمار التي تطرحها حكومة السودان سواءا كان ذلك بعلم أم بجهالة و يتجلي ذلك في عدة جوانب أهمها (وهو موضوع حلقة اليوم):
عدم وضوح طبيعة التعاقد في آلية الصكوك:
علي الرغم من أنه و وفقا لما هو منشور في موقع شركة السودان للخدمات المالية (و التي تم إنشاؤها كشراكة بين بنك السودان ووزارة المالية والاقتصاد الوطني خصيصا لإصدار و إدارة صكوك الإستثمار الحكومية، وتسويقها مباشرة أو عن طريق شركات الوساطة العاملة في سوق الخرطوم للأوراق المالية وأفرع بنك السودان المنتشرة في ولايات السودان المختلفة) و كذلك منصوص عليه في نشرات إصدار هذه الصكوك بأن العلاقة بين المستثمرين و هذه الشركة تقوم علي أساس عقد المضاربة الشرعي بين حملة الصكوك (المستثمرين) كأصحاب لرأس المال و بين شركة السودان للخدمات المالية كمضارب و مشارك بالجهد. إلا أن الغالبية العظمي من حملة هذه الصكوك ليست لديهم دراية كافية نافية للجهالة بمضمون عقد المضاربة و المخاطر التي يمكن أن تترتب عليه و تؤدي في النهاية لضياع كل مدخراتهم التي استثمروها في هذه الصكوك. فعقود المضاربة (و هي من عقود الأمانة) كما هو معروف في صناعة الصيرفة الإسلامية عموما تعتبر من أكثر العقود التي تتميز بدرجة عالية من المخاطر لذلك فإن المصارف و المؤسسات المالية الإسلامية لا تميل للدخول فيها، و إن فعلت، أحاطتها بقدر عالى من درجات الحيطة و الحذر و حصرتها في الحالات التي تكون فيها مصادر السداد واضحة، و خبرة المضارب كافية و مجربة، و الضمانات قوية و تغطي كافة المخاطر، و تحرص أن يتولي دراسة و تقييم طلبات المضاربة و تنفيذها في حالة الموافقة عليها أكثر موظفيها كفاءة و خبرة نسبة لحساسيتها و مخاطرها العالية. و من بين هذه الجوانب التي تجعل المضاربة أكثر خطرا علي أصحاب المال أو المستثمرين في صكوك الإستثمار الحكومية (و لم تفصح عنها الشركة في موقعها الإلكتروني و في كافة مطبوعاتها خاصة نشرة الإصدار) علي سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
أولا: أن عقود المضاربة تمثل عقود مشاركة في الربح فقط و ليس في الربح و الخسارة حيث أنه في حالة الربح يتم إقتسامه وفقا للنسبة المتفق عليها بين صاحب رأس المال (أو حملة الصكوك) و المضارب (أو شركة السودان للخدمات المالية) (و هي كما هو معلن في موقع الشركة 92% لحملة الصكوك و 8% للمضارب) أما في حالة الخسارة فيتحملها صاحب رأس المال لوحده بالكامل و أن المضارب لا يخسر إلا الجهد الذي قام به ما لم يثبت أن الخسارة ناتجة عن إهماله و تقصيره و هذه هي القاعدة الشرعية المفصلية التي يقوم عليها عقد المضاربة و بدون تحققها يصبح العقد باطلا (راجع: هيئة المحاسبة و المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية – المعايير الشرعية 1428ه – 2007م – المعيار رقم (13) – المضاربة – صفحات (219 إلي 228). و علي ذلك فإن الخسارة يتحملها حملة الصكوك و تتحمل الدولة ممثلة في شركة السودان للخدمات المالية الجهد الذي بذلته في إدارة هذه الصكوك. و من الصعوبة في حالة النزاع إثبات تقصير الحكومة و إهمالها (خاصة و أن خبرة و كفاءة العاملين بشركة السودان للخدمات المالية غير مثبتة و غير معروفة للمستثمرين) فهي لن تعجز عن إيجاد حجج تبرر بها عدم مسئوليتها عن ضياع أموال الناس. و شبهة الغرر تتحقق هنا في عدم الإشارة لهذه القاعدة الشرعية الجوهرية في شروط عقد المضاربة سواء في موقع الشركة أو في مطبوعاتها المعلنة. و قد يكون ذلك مقصودا لضمان عدم عزوف المستثمرين عن الإستثمار في هذه الصكوك وفقا لهذه الصيغة إذا ما توافرت لديهم المعرفة المسبقة الكافية عن هذا الشرط المفصلي في عقد المضاربة. و بالتالي فإن عدم نشر شروط عقد المضاربة لجمهور المستثمرين مع حرص الحكومة علي عدم فقدان هؤلاء المستثمرين يشكك في نواياها و يضفي علي هذه الصكوك صبغة الغرر. لذلك نجد أن الإفصاح عن المخاطر في نشرات الإصدار في كثير من بلدان العالم التي تتمتع بقدر من الشفافية و الإفصاح حسب المعايير الدولية المستحدثة في بند منفصل خاصة بعد الآثار الكارثية التي خلفتها الأزمة المالية العالمية الأخيرة علي الإقتصاد العالمي أصبح يقدم علي كل بند من بنود نشرات الإصدار ليترك للمستثمر الخيار كاملا و يتحمل بالتالي نتائج خياراته و ليقفل الباب أمام تجدد الكوارث و الفقاعات الناتجة عن إنعدام الشفافية و الإفصاح (راجع: سودانايل - الهادي هباني - الشفافية والإفصاح وأثرها في الأزمة المالية والاقتصادية العالمية).
ثانيا: عدم وجود عقد مضاربة فعلي موقع بين الطرفين يحدد شروط المضاربة و حقوق كل طرف و يحدد الحالات التي تكون فيها الخسارة ناتجة عن تقصير أو إهمال المضارب (و يكون في هذه الحالة ملزما بسداد مستحقات الناس كاملة)، و الحالات التي تكون فيها الخسارة ناتجة عن ظروف و أسباب قاهرة خارجة عن سيطرته و إرادته. مما يفتح مجالا واسعا أمام الحكومة للتنصل عن مسئوليتها و إلتزامها الكامل بسداد مستحقات حملة الصكوك تحت عدة ذرائع و مبررات وهمية كأن تعلق أسباب الخسارة مثلا علي شماعة الأزمة المالية العالمية، أو لإندلاع حرب مقدسة بين الشمال و الجنوب، أو لإرتفاع أسعار الدولار و غيرها من الأسباب و المبررات التي لا تحصي أو تعد و يمكن الإستناد إليها في تبرير نهب و تبديد مدخرات الناس دون أن يكون لهم سندا قانونيا أو شرعيا يقوي حجتهم و يعينهم علي إسترداد حقوقهم في حالة نشوب أي نزاع بينهم و بين الحكومة. و علي الرغم من أن هنالك بعض الفقهاء الذين أجازوا التعاقد باللفظ أو العمل أو الإشارة إلا أن كتابة العقد هي الصيغة التي يجمع عليها كل الفقهاء و يوجد بشأنها نصا قرآنيا واضحا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ... إلي آخر قوله تعالي ... وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة الآية 282). و بالتالي فإن عدم وجود عقد مضاربة مكتوب و موقع بين الطرفين يعزز التدليس و الغرر و يسقط عن الشركة نسبة الربح البالغة 8% التي تستقطعها دون وجه حق من قيمة كل صك يتم إصداره و يفتح أبوابا لا طائل لها للنزاع القانوني و الشرعي سيكون الخاسر الأكبر فيه في نهاية الأمر صغار المستثمرين.
ثالثا: اكتفت الشركة في موقعها علي الإنترنت و في نشرات الإصدار بالإعلان عن أن الأرباح تتأتي من مجموع العوائد التي يتم الحصول عليها من عقود استثمارية دون أي إشارة أو توضيح لطبيعة هذه العقود و طبيعة هذه الإستثمارات و مجالاتها، و دون أن تكون هنالك دراسة جدوي أو حتي مجرد ملخص تنفيذي (Executive Summary) لهذه الإستثمارات يسترشد و يستدل به المستثمر جدوي هذه الاستثمارات و الأرباح المتوقعة منها قبل الدخول فيها و اكتفت فقط بنشرات إصدار غير متقنة لا ترقي لأدني الأسس المهنية المتعارف عليها و أبسط معايير الإفصاح و الشفافية. في حين أن دراسة الجدوي للمشروع محل المضاربة لا يمكن الإستغناء عنها فهي تمثل أساس مهم جدا في إنشاء عقد المضاربة و بدونها لا يمكن إحتساب نصيب أطراف المضاربة في الأرباح المتوقعة. فموجبها يتم إعداد بيان بالتدفقات النقدية المتوقعة خلال فترة المضاربة تمهيدا لإحتساب كلفة الأموال (الأرباح) (و التي عادة ما تتم بطريقة القواسم و النمر) و من ثم تحديد نصيب كل من طرفي عقد المضاربة من الأرباح المتوقعة، و بالتالي تحديد إجمالى الدين المستحق فى نهاية مدة المضاربة أو عند تنضيضها (أي تصفيتها تصفية شرعية) في نهاية مدتها بشفافية و وفقا لبيانات مالية واضحة لا لبس فيها. و غياب كل ذلك في حالة صكوك الإستثمار الحكومية و عدم معرفة المستثمرين لأوعية الإستثمارات الوهمية التي يتم فيها إستثمار أموالهم و إنفاقها في أوجه أخري غير معلنة يجعل هذه العقود باطلة من الناحية الشرعية و القانونية. هذا فضلا عن أن المعيار الشرعي رقم 13 الخاص بالمضاربة و المشار إليه سابقا لا يجيز إستخدام رأس مال المضاربة (أموال المستثمرين) في مشروع غير المشروع المنصوص عليه في العقد. و لكن للأسف هذا ما يحدث بالفعل حيث لا يتم إستثمار هذه الأموال في المشاريع المعلن عنها كما بينا في الحلقة السابقة و يعززه كذلك ما ورد في تقرير المراجع العام الخاص بموازنة عام 2005م صفحة 36 كما أوردنا في الحلقة الأولي من عدم إدراج إيرادات شهادات شهامة و أخواتها ضمن مصادر إيرادات الموازنة العامة. و كلما هو غير مدرج في إيرادات الموازنة لا يمكن بالطبع أن يكون مدرجا في نفقات الموازنة نفسها.
و بهذا الإخفاء المتعمد لإيرادات هذه الصكوك و أوجه إنفاقها تدخل تلقائيا ضمن ما يعرف بالاقتصاد الخفي أو الاقتصاديات السوداء التي يتم الإصطلاح إليها في العالم المعاصر ب "غسيل الأموال" و الذي تعرفه المواثيق الدولية بأنه (القيام بتصرفات مالية مشروعة لأموال اكتسبت بطرق غير مشروعة، عن طريق استخدامه ولمرات عديدة، وفي جهات مختلفة، وبأساليب عدة وفي وقت قصير، عن طريق إيداعه في بنوك خارجية، وإدخاله بطريقة مشروعة إلى البلاد، أو تدويره في شراء العقارات ثم رهنها والاقتراض بضمانها، أو تداوله في البورصات المحلية والعالمية، أو إنشاء شركات وهمية وإثبات مروره باسمها بهدف إخفاء المصدر غير المشروع للأموال و التي تأتي من مصادر عديدة من أهمها زراعة أو صناعة أو بيع المخدرات، الدعارة، تجارة البشر، التهرب من الرسوم والضرائب، الرشوة، العمولات الخفية، والتربح من الوظيفة ومن استغلال المناصب ومن التجسس والسرقات، والاختلاس والابتزاز، و الغش التجاري، والاتجار بالسلع الفاسدة والمحرمة، ومن التزوير في النقود والمستندات والوثائق والماركات والعلامات التجارية، ومن المغامرات في أسواق السلع والمال العالمية، ومن المعاملات الوهمية (كصكوك الإستثمار نفسها). و كل ذلك و للأسف البالغ موجودا بكثرة في بلادنا. و تجمع كل المواثيق و الاتفاقيات الخاصة بغسيل الأموال علي أن الدول الأكثر فسادا في العالم هي الدول التي تشكل بؤرا لغسيل الأموال. و السودان حسب آخر تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية في العام المنصرم يحتل المركز الخامس بجدارة بين قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم بعد العراق، هاييتي، مينامار، غينيا (راجع:وكيبيديا الموسوعة الحرة و كذلك الجزيرة نت) و قد أكده (و هو لا يحتاج لتأكيد) و شهد عليه المراجع العام أبوبكر عبدالله مارن في خطابه الشهير في أكتوبر 2009م أمام المجلس الوطني حيث بين أن حجم التعدي علي المال العام و البالغ 5.4 مليون جنيه خلال 11 شهر فقط من سبتمبر 2008م إلي أغسطس 2009م (أي بمعدل 491 الف جنيه شهريا و ما خفي كان أعظم) منها 1.7 مليون جنيه علي مستوي الشركات و الهيئات الحكومية و 3.7 مليون جنيه علي مستوي الأجهزة الحكومية وقد شكلت نسبة خيانة الأمانة 90% من إجمالي المبالغ المعتدي عليها. و علي ذلك فإن الغموض الذي يحيط بصكوك الإستثمار و أوجه استثمارها و إنفاقها في ظل هذا الفساد الشامل علي كافة المستويات الحكومية و غير الحكومية من أدناها إلي أعلاها يجعل من الصعوبة تبرئة هذه الصكوك من شبهة غسيل الأموال سواء من جانب كبار المستثمرين في هذه الصكوك من الأفراد و المؤسسات ((حيث لا توجد قيود علي سداد قيمة الاكتتاب في هذه الصكوك نقدا للحكومة دون أن تكون هنالك آليات للتدقيق و الفحص لمصدر هذه الأموال و هو ما يتعارض مع نص التوصية الخاصة التاسعة (مهربو النقد) الصادرة عن اللجنة المالية لمكافحة غسيل الأموال و مكافحة الإرهاب (Financial Action Task Force (FATF)) بتاريخ 22/10/2004م و التي تفرض علي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الإلتزام بضوابط و قواعد فحص و تنظيم التداول و الإنتقال المادي للنقد))، أو من جانب جهة الإصدار أو الحكومة نفسها و التي عادة ما تسدد قيمة هذه الصكوك و أرباحها من حساباتها بأحد البنوك أو من خلال أحد فروع بنك السودان نفسه خاصة و أن هنالك عددا من الشخصيات الحكومية و الإستثمارية البارزة و قد وردت أسمائهم في العديد من الصحف و المواقع و المنتديات و أجهزة الإعلام المحلية و الخارجية علي أساس أنهم مرتبطين بشكل أو آخر بغسيل الأموال و تجارة السلاح. هذا فضلا عن أن عدد الشركات و البنوك و المؤسسات الحكومية و غير الحكومية ضمن القائمة الخاصة للمشبوهين في علاقتهم بغسيل الأموال و تمويل الإرهاب حتي تاريخ 24/05/2011م يتجاوز ال 160 شركة و مؤسسة علي رأسها بنك السودان نفسه، بنك الخرطوم، مؤسسة الأقطان، شركة السكر السودانية، جياد، شركة أسمنت عطبرة، شيكان للتأمين، مؤسسة التنمية السودانية، بشاير، سوداتل، مؤسسة الأسواق الحرة، بنك الإدخار، و غيرها من الشركات و المؤسسات التي كانت قبل 22 عاما بعيدة عن كل شبهة من هذا القبيل (راجع: US Department of the Treasury http://www.treasury.gov/resource-center/sanctions/SDN-List/Pages/default.aspx Specially Designated Nationals List (SDN)).
تابعونا في الحلقة القادمة التي سنواصل فيها الحديث عن جانب آخر من جوانب الغرر أو الغش و التدليس في آليات هذه الصكوك و في طبيعة العلاقة بين المستثمرين و شركة السودان للخدمات المالية و التي يتضح يوما بعد يوم أنها ليس إلا مطية لنهب و تبديد مدخرات صغار المستثمرين من أهلنا الطيبين لصالح قلة من المتنفذين (الذين جعلوا المال، من دون الله، وليا لهم) من كبار التجار و المضاربين و الموظفين في هذه الشبكة العنكبوتية (بنك السودان، وزارة المالية، شركة السودان للخدمات المالية، سوق الخرطوم للأوراق المالية و شركات الوساطة المحيطة بها) فمثلهم كما يقول القرآن الكريم ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت:41)
الهادي هباني
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.