الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقاعة صكوك الإستثمار الحكومية (شهامة و ما نحوها) ،،، الحلقة السادسة.
نشر في الراكوبة يوم 28 - 05 - 2011

الغالبية العظمي من حملة هذه الصكوك ليست لديهم دراية كافية نافية للجهالة بمخاطر عقد المضاربة و المخاطر التي يمكن أن تترتب عليه
عقود المضاربة تمثل عقود مشاركة في الربح فقط و ليس في الربح و الخسارة و الحكومة تقاسم المستثمرين في الربح أما الخسارة فيتحملها المستثمرين لوحدهم
ليس للمستثمرين سندا قانونيا أو شرعيا يقوي حجتهم في حالة نشوب نزاع بينهم و بين الحكومة
لن يكسب الناس نزاعا قانونيا و شرعيا مع الحكومة و هي لن تعجز عن إيجاد حجج تبرر بها عدم مسئوليتها عن ضياع أموال الناس
بنك السودان علي رأس أكثر من 160 شركة و مؤسسة مدرجة ضمن القائمة الخاصة للمشبوهين بغسيل الأموال و تمويل الإرهاب
فقاعة صكوك الإستثمار الحكومية (شهامة و ما نحوها) ،،، الحلقة (6)
بينا في الحلقة السابقة بحجج كافية كيف أن قاعدة حرمة الربا كواحدة من أهم القواعد الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية في الإسلام و قد اهتزت و شكك فيها عدد مقدر من أعلام الصيرفة الإسلامية و فقه المعاملات الإسلامية و قد دعمنا ذلك بأمثلة حية و مفارقات جوهرية تعيشها شهادات شهامة، و شمم. و بنفس القدر الذي سقطت فيه حرمة الربا عن هذه الصكوك فقاعدة بطلان عقود الغرر هي أيضا تتهاوي و تسقط بعيدا عن جوهر هذه الصكوك و محتواها غير الشرعي المتصادم مع مقاصد فقه المعاملات الإسلامية و مع مصالح الناس.
و الغرر في اللغة كما أسلفنا في الحلقة الرابعة هو الخطر الذي لا يُدْرى أيكون أم لا؟ كبيع السمك في الماء والطير في الهواء. و أَصْله كما قال الخطابي (ما طُوِيَ عَنْك وَخَفِيَ عَلَيْك بَاطِنه)، أو كما قال أيضا (و يصبح غررا كُلّ بَيْع كَانَ الْمَقْصُود مِنْهُ مَجْهُولًا غَيْر مَعْلُوم أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ غَيْر مَقْدُور عَلَيْهِ). و بالتالي فإن عقد الغرر هو العقد الذي تنعقد فيه نية الطرف الأول لإخفاء عيب أو أكثر في محل العقد عن الطرف الثاني و هو بذلك ،أي الغرر، يعني في اللغة المعروفة لعامة السودانيين الغش و التدليس و هو ما نهي عنه الرسول الكريم محمد، فقد روي عنه أنه (مر بصبرة "أي كومة" من بر، قد عرضها صاحبها للبيع، فأدخل يده فيها فنالت بللا، أي رطوبة، فقال: ما هذا يا صاحب الصبرة؟ فقال: أصابته السماء، أي أن هذا من آثار المطر، فقال: هلا جعلته أعلاه، أي اجعل هدا الرطِب في أعلاه كي يراه الناس، فمن غشنا ليس منا. (راجع موقع www.alhabeib.com شروط البيع - منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين شرح الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين). فقد اعتبر الرسول الكريم في هذه الحالة، و هي إحدي حالات الغرر البينة، أن إظهار الطيب من البضاعة في الأعلى وإخفاء المعيب وجعله في الأسفل غشا ،أي غررا. و بمعني آخر فإن أي عقد لا تتوافر فيه المعرفة النافية للجهالة فهو أحد عقود الغرر. لذلك فقد حدد فقه المعاملات الإسلامية أركانا شرعية للعقد لا تختلف من حيث المحتوي و المضمون عن أركان العقد في القانون المدني. و من أهمها وضوح معني العقد (أي الوسيلة التي يتم بموجبها التعبير عن إرادة المتعاقدين سواء باللفظ أو العمل أو الإشارة أو بالكتابة)، و الأهلية (أي أن يكون الشخص المتعاقد بالغا، راشدا، متمتعا بكامل قواه العقلية). و الولاية (و تعني الحق القانوني و الشرعي للتصرف في الموضوع محل العقد فلا يجوز للمرء أن يتعاقد فيما لا يملك حق التصرف فيه)، وجود محل العقد (أي المبيع) فلا يصح بيع المعدوم لقول الرسول الكريم: "لا تبع ما ليس عندك" و يجب أن يكون مالاً متقوماً معيناً و معلوماً للمتعاقدين بحيث لا يكون فيه جهالة تؤدي إلى النزاع والضرر ويحصل العلم بمحل العقد بكل ما يميزه عن الغير من رؤيته أو رؤية بعضه عند العقد، أو بوصفه وصفاً يكشف عنه تماماً، أو بالإشارة إليه، وذلك لأن الجهالة في محل العقد (المعقود عليه) تسبب الضرر وتفضي إلى النزاع (راجع: ماهية العقد في الفقه الإسلامي – الدكتور صلاح عبد الغني الشرع)، بالإضافة إلي توافر شرط القدرة على التسليم (أي أن يكون البائع قادرا على تسليم المبيع إلى المشتري، و المؤجر للمستأجر، و غيرها من الأركان الشرعية التي بغيابها يكون العقد باطلا و يدخل ضمن عقود الغرر أو الغش و التدليس. و لا نعتقد أن أركان التعاقد الشرعي النافية لشبهة الغش و الغرر متوافرة في صكوك و شهادات الإستثمار التي تطرحها حكومة السودان سواءا كان ذلك بعلم أم بجهالة و يتجلي ذلك في عدة جوانب أهمها (وهو موضوع حلقة اليوم):
عدم وضوح طبيعة التعاقد في آلية الصكوك:
علي الرغم من أنه و وفقا لما هو منشور في موقع شركة السودان للخدمات المالية (و التي تم إنشاؤها كشراكة بين بنك السودان ووزارة المالية والاقتصاد الوطني خصيصا لإصدار و إدارة صكوك الإستثمار الحكومية، وتسويقها مباشرة أو عن طريق شركات الوساطة العاملة في سوق الخرطوم للأوراق المالية وأفرع بنك السودان المنتشرة في ولايات السودان المختلفة) و كذلك منصوص عليه في نشرات إصدار هذه الصكوك بأن العلاقة بين المستثمرين و هذه الشركة تقوم علي أساس عقد المضاربة الشرعي بين حملة الصكوك (المستثمرين) كأصحاب لرأس المال و بين شركة السودان للخدمات المالية كمضارب و مشارك بالجهد. إلا أن الغالبية العظمي من حملة هذه الصكوك ليست لديهم دراية كافية نافية للجهالة بمضمون عقد المضاربة و المخاطر التي يمكن أن تترتب عليه و تؤدي في النهاية لضياع كل مدخراتهم التي استثمروها في هذه الصكوك. فعقود المضاربة (و هي من عقود الأمانة) كما هو معروف في صناعة الصيرفة الإسلامية عموما تعتبر من أكثر العقود التي تتميز بدرجة عالية من المخاطر لذلك فإن المصارف و المؤسسات المالية الإسلامية لا تميل للدخول فيها، و إن فعلت، أحاطتها بقدر عالى من درجات الحيطة و الحذر و حصرتها في الحالات التي تكون فيها مصادر السداد واضحة، و خبرة المضارب كافية و مجربة، و الضمانات قوية و تغطي كافة المخاطر، و تحرص أن يتولي دراسة و تقييم طلبات المضاربة و تنفيذها في حالة الموافقة عليها أكثر موظفيها كفاءة و خبرة نسبة لحساسيتها و مخاطرها العالية. و من بين هذه الجوانب التي تجعل المضاربة أكثر خطرا علي أصحاب المال أو المستثمرين في صكوك الإستثمار الحكومية (و لم تفصح عنها الشركة في موقعها الإلكتروني و في كافة مطبوعاتها خاصة نشرة الإصدار) علي سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
أولا: أن عقود المضاربة تمثل عقود مشاركة في الربح فقط و ليس في الربح و الخسارة حيث أنه في حالة الربح يتم إقتسامه وفقا للنسبة المتفق عليها بين صاحب رأس المال (أو حملة الصكوك) و المضارب (أو شركة السودان للخدمات المالية) (و هي كما هو معلن في موقع الشركة 92% لحملة الصكوك و 8% للمضارب) أما في حالة الخسارة فيتحملها صاحب رأس المال لوحده بالكامل و أن المضارب لا يخسر إلا الجهد الذي قام به ما لم يثبت أن الخسارة ناتجة عن إهماله و تقصيره و هذه هي القاعدة الشرعية المفصلية التي يقوم عليها عقد المضاربة و بدون تحققها يصبح العقد باطلا (راجع: هيئة المحاسبة و المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية – المعايير الشرعية 1428ه – 2007م – المعيار رقم (13) – المضاربة – صفحات (219 إلي 228). و علي ذلك فإن الخسارة يتحملها حملة الصكوك و تتحمل الدولة ممثلة في شركة السودان للخدمات المالية الجهد الذي بذلته في إدارة هذه الصكوك. و من الصعوبة في حالة النزاع إثبات تقصير الحكومة و إهمالها (خاصة و أن خبرة و كفاءة العاملين بشركة السودان للخدمات المالية غير مثبتة و غير معروفة للمستثمرين) فهي لن تعجز عن إيجاد حجج تبرر بها عدم مسئوليتها عن ضياع أموال الناس. و شبهة الغرر تتحقق هنا في عدم الإشارة لهذه القاعدة الشرعية الجوهرية في شروط عقد المضاربة سواء في موقع الشركة أو في مطبوعاتها المعلنة. و قد يكون ذلك مقصودا لضمان عدم عزوف المستثمرين عن الإستثمار في هذه الصكوك وفقا لهذه الصيغة إذا ما توافرت لديهم المعرفة المسبقة الكافية عن هذا الشرط المفصلي في عقد المضاربة. و بالتالي فإن عدم نشر شروط عقد المضاربة لجمهور المستثمرين مع حرص الحكومة علي عدم فقدان هؤلاء المستثمرين يشكك في نواياها و يضفي علي هذه الصكوك صبغة الغرر. لذلك نجد أن الإفصاح عن المخاطر في نشرات الإصدار في كثير من بلدان العالم التي تتمتع بقدر من الشفافية و الإفصاح حسب المعايير الدولية المستحدثة في بند منفصل خاصة بعد الآثار الكارثية التي خلفتها الأزمة المالية العالمية الأخيرة علي الإقتصاد العالمي أصبح يقدم علي كل بند من بنود نشرات الإصدار ليترك للمستثمر الخيار كاملا و يتحمل بالتالي نتائج خياراته و ليقفل الباب أمام تجدد الكوارث و الفقاعات الناتجة عن إنعدام الشفافية و الإفصاح (راجع: سودانايل - الهادي هباني - الشفافية والإفصاح وأثرها في الأزمة المالية والاقتصادية العالمية).
ثانيا: عدم وجود عقد مضاربة فعلي موقع بين الطرفين يحدد شروط المضاربة و حقوق كل طرف و يحدد الحالات التي تكون فيها الخسارة ناتجة عن تقصير أو إهمال المضارب (و يكون في هذه الحالة ملزما بسداد مستحقات الناس كاملة)، و الحالات التي تكون فيها الخسارة ناتجة عن ظروف و أسباب قاهرة خارجة عن سيطرته و إرادته. مما يفتح مجالا واسعا أمام الحكومة للتنصل عن مسئوليتها و إلتزامها الكامل بسداد مستحقات حملة الصكوك تحت عدة ذرائع و مبررات وهمية كأن تعلق أسباب الخسارة مثلا علي شماعة الأزمة المالية العالمية، أو لإندلاع حرب مقدسة بين الشمال و الجنوب، أو لإرتفاع أسعار الدولار و غيرها من الأسباب و المبررات التي لا تحصي أو تعد و يمكن الإستناد إليها في تبرير نهب و تبديد مدخرات الناس دون أن يكون لهم سندا قانونيا أو شرعيا يقوي حجتهم و يعينهم علي إسترداد حقوقهم في حالة نشوب أي نزاع بينهم و بين الحكومة. و علي الرغم من أن هنالك بعض الفقهاء الذين أجازوا التعاقد باللفظ أو العمل أو الإشارة إلا أن كتابة العقد هي الصيغة التي يجمع عليها كل الفقهاء و يوجد بشأنها نصا قرآنيا واضحا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ... إلي آخر قوله تعالي ... وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة الآية 282). و بالتالي فإن عدم وجود عقد مضاربة مكتوب و موقع بين الطرفين يعزز التدليس و الغرر و يسقط عن الشركة نسبة الربح البالغة 8% التي تستقطعها دون وجه حق من قيمة كل صك يتم إصداره و يفتح أبوابا لا طائل لها للنزاع القانوني و الشرعي سيكون الخاسر الأكبر فيه في نهاية الأمر صغار المستثمرين.
ثالثا: اكتفت الشركة في موقعها علي الإنترنت و في نشرات الإصدار بالإعلان عن أن الأرباح تتأتي من مجموع العوائد التي يتم الحصول عليها من عقود استثمارية دون أي إشارة أو توضيح لطبيعة هذه العقود و طبيعة هذه الإستثمارات و مجالاتها، و دون أن تكون هنالك دراسة جدوي أو حتي مجرد ملخص تنفيذي (Executive Summary) لهذه الإستثمارات يسترشد و يستدل به المستثمر جدوي هذه الاستثمارات و الأرباح المتوقعة منها قبل الدخول فيها و اكتفت فقط بنشرات إصدار غير متقنة لا ترقي لأدني الأسس المهنية المتعارف عليها و أبسط معايير الإفصاح و الشفافية. في حين أن دراسة الجدوي للمشروع محل المضاربة لا يمكن الإستغناء عنها فهي تمثل أساس مهم جدا في إنشاء عقد المضاربة و بدونها لا يمكن إحتساب نصيب أطراف المضاربة في الأرباح المتوقعة. فموجبها يتم إعداد بيان بالتدفقات النقدية المتوقعة خلال فترة المضاربة تمهيدا لإحتساب كلفة الأموال (الأرباح) (و التي عادة ما تتم بطريقة القواسم و النمر) و من ثم تحديد نصيب كل من طرفي عقد المضاربة من الأرباح المتوقعة، و بالتالي تحديد إجمالى الدين المستحق فى نهاية مدة المضاربة أو عند تنضيضها (أي تصفيتها تصفية شرعية) في نهاية مدتها بشفافية و وفقا لبيانات مالية واضحة لا لبس فيها. و غياب كل ذلك في حالة صكوك الإستثمار الحكومية و عدم معرفة المستثمرين لأوعية الإستثمارات الوهمية التي يتم فيها إستثمار أموالهم و إنفاقها في أوجه أخري غير معلنة يجعل هذه العقود باطلة من الناحية الشرعية و القانونية. هذا فضلا عن أن المعيار الشرعي رقم 13 الخاص بالمضاربة و المشار إليه سابقا لا يجيز إستخدام رأس مال المضاربة (أموال المستثمرين) في مشروع غير المشروع المنصوص عليه في العقد. و لكن للأسف هذا ما يحدث بالفعل حيث لا يتم إستثمار هذه الأموال في المشاريع المعلن عنها كما بينا في الحلقة السابقة و يعززه كذلك ما ورد في تقرير المراجع العام الخاص بموازنة عام 2005م صفحة 36 كما أوردنا في الحلقة الأولي من عدم إدراج إيرادات شهادات شهامة و أخواتها ضمن مصادر إيرادات الموازنة العامة. و كلما هو غير مدرج في إيرادات الموازنة لا يمكن بالطبع أن يكون مدرجا في نفقات الموازنة نفسها.
و بهذا الإخفاء المتعمد لإيرادات هذه الصكوك و أوجه إنفاقها تدخل تلقائيا ضمن ما يعرف بالاقتصاد الخفي أو الاقتصاديات السوداء التي يتم الإصطلاح إليها في العالم المعاصر ب "غسيل الأموال" و الذي تعرفه المواثيق الدولية بأنه (القيام بتصرفات مالية مشروعة لأموال اكتسبت بطرق غير مشروعة، عن طريق استخدامه ولمرات عديدة، وفي جهات مختلفة، وبأساليب عدة وفي وقت قصير، عن طريق إيداعه في بنوك خارجية، وإدخاله بطريقة مشروعة إلى البلاد، أو تدويره في شراء العقارات ثم رهنها والاقتراض بضمانها، أو تداوله في البورصات المحلية والعالمية، أو إنشاء شركات وهمية وإثبات مروره باسمها بهدف إخفاء المصدر غير المشروع للأموال و التي تأتي من مصادر عديدة من أهمها زراعة أو صناعة أو بيع المخدرات، الدعارة، تجارة البشر، التهرب من الرسوم والضرائب، الرشوة، العمولات الخفية، والتربح من الوظيفة ومن استغلال المناصب ومن التجسس والسرقات، والاختلاس والابتزاز، و الغش التجاري، والاتجار بالسلع الفاسدة والمحرمة، ومن التزوير في النقود والمستندات والوثائق والماركات والعلامات التجارية، ومن المغامرات في أسواق السلع والمال العالمية، ومن المعاملات الوهمية (كصكوك الإستثمار نفسها). و كل ذلك و للأسف البالغ موجودا بكثرة في بلادنا. و تجمع كل المواثيق و الاتفاقيات الخاصة بغسيل الأموال علي أن الدول الأكثر فسادا في العالم هي الدول التي تشكل بؤرا لغسيل الأموال. و السودان حسب آخر تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية في العام المنصرم يحتل المركز الخامس بجدارة بين قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم بعد العراق، هاييتي، مينامار، غينيا (راجع:وكيبيديا الموسوعة الحرة و كذلك الجزيرة نت) و قد أكده (و هو لا يحتاج لتأكيد) و شهد عليه المراجع العام أبوبكر عبدالله مارن في خطابه الشهير في أكتوبر 2009م أمام المجلس الوطني حيث بين أن حجم التعدي علي المال العام و البالغ 5.4 مليون جنيه خلال 11 شهر فقط من سبتمبر 2008م إلي أغسطس 2009م (أي بمعدل 491 الف جنيه شهريا و ما خفي كان أعظم) منها 1.7 مليون جنيه علي مستوي الشركات و الهيئات الحكومية و 3.7 مليون جنيه علي مستوي الأجهزة الحكومية وقد شكلت نسبة خيانة الأمانة 90% من إجمالي المبالغ المعتدي عليها. و علي ذلك فإن الغموض الذي يحيط بصكوك الإستثمار و أوجه استثمارها و إنفاقها في ظل هذا الفساد الشامل علي كافة المستويات الحكومية و غير الحكومية من أدناها إلي أعلاها يجعل من الصعوبة تبرئة هذه الصكوك من شبهة غسيل الأموال سواء من جانب كبار المستثمرين في هذه الصكوك من الأفراد و المؤسسات ((حيث لا توجد قيود علي سداد قيمة الاكتتاب في هذه الصكوك نقدا للحكومة دون أن تكون هنالك آليات للتدقيق و الفحص لمصدر هذه الأموال و هو ما يتعارض مع نص التوصية الخاصة التاسعة (مهربو النقد) الصادرة عن اللجنة المالية لمكافحة غسيل الأموال و مكافحة الإرهاب (Financial Action Task Force (FATF)) بتاريخ 22/10/2004م و التي تفرض علي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الإلتزام بضوابط و قواعد فحص و تنظيم التداول و الإنتقال المادي للنقد))، أو من جانب جهة الإصدار أو الحكومة نفسها و التي عادة ما تسدد قيمة هذه الصكوك و أرباحها من حساباتها بأحد البنوك أو من خلال أحد فروع بنك السودان نفسه خاصة و أن هنالك عددا من الشخصيات الحكومية و الإستثمارية البارزة و قد وردت أسمائهم في العديد من الصحف و المواقع و المنتديات و أجهزة الإعلام المحلية و الخارجية علي أساس أنهم مرتبطين بشكل أو آخر بغسيل الأموال و تجارة السلاح. هذا فضلا عن أن عدد الشركات و البنوك و المؤسسات الحكومية و غير الحكومية ضمن القائمة الخاصة للمشبوهين في علاقتهم بغسيل الأموال و تمويل الإرهاب حتي تاريخ 24/05/2011م يتجاوز ال 160 شركة و مؤسسة علي رأسها بنك السودان نفسه، بنك الخرطوم، مؤسسة الأقطان، شركة السكر السودانية، جياد، شركة أسمنت عطبرة، شيكان للتأمين، مؤسسة التنمية السودانية، بشاير، سوداتل، مؤسسة الأسواق الحرة، بنك الإدخار، و غيرها من الشركات و المؤسسات التي كانت قبل 22 عاما بعيدة عن كل شبهة من هذا القبيل (راجع: US Department of the Treasury http://www.treasury.gov/resource-center/sanctions/SDN-List/Pages/default.aspx Specially Designated Nationals List (SDN)).
تابعونا في الحلقة القادمة التي سنواصل فيها الحديث عن جانب آخر من جوانب الغرر أو الغش و التدليس في آليات هذه الصكوك و في طبيعة العلاقة بين المستثمرين و شركة السودان للخدمات المالية و التي يتضح يوما بعد يوم أنها ليس إلا مطية لنهب و تبديد مدخرات صغار المستثمرين من أهلنا الطيبين لصالح قلة من المتنفذين (الذين جعلوا المال، من دون الله، وليا لهم) من كبار التجار و المضاربين و الموظفين في هذه الشبكة العنكبوتية (بنك السودان، وزارة المالية، شركة السودان للخدمات المالية، سوق الخرطوم للأوراق المالية و شركات الوساطة المحيطة بها) فمثلهم كما يقول القرآن الكريم ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت:41)
الهادي هباني
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.