بسم الله الرحمن الرحيم د. سعاد إبراهيم عيسى حتى الآن لم نصل إلى السبب, الذى جعل السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني, يثير كل تلك الزوابع والأعاصير, التي حجبت عن المواطنين رؤية اى أمل في فرج مرتجى, ينقذهم من كل المشاكل التي أحاطت بهم إحاطة السوار بالمعصم. ففي الوقت الذى استحكمت فيه حلقات ندرة الوقود والغاز والخبز, وتمددت فيه ساعات قطوعات الكهرباء وشقيقتها المياه, يعلن سيادته عن عزمهم رفع الدعم عن المحروقات والقمح والكهرباء بموازنة العام 2016م, وقبل ان تنقشع تلك السحب المحبطة, من سماوات المواطنين, جاءهم الفرج من حيث لا يحتسبون, وبأكثر مما يأملون. السيد رئيس الجمهورية, وفى مخاطبته جماهير الجزيرة بود مدني, وفى إطار الاحتفالات بمهرجان السياحة والتسوق, يفاجئ الجميع بالانتقال بموازنة العام 2016م مائة وثمانين درجة,عندما يجعلها ميزانية لدعم المواطنين بدلا عن رفع الدعم عن أهم ضرورات حياتهم, ومن ثم يصفها بأنها أفضل ميزانية عرفها السودان منذ استقلاله, وهى أهلا لتلك الصفة ما دامت ستعمل على تقويم كل الأخطاء التي ارتكبتها الإنقاذ في حق أهم وانجح المشروعات التنموية بالسودان ومنذ استقلاله, قضت عليها خلال ربع قرن من الزمان ستصلحها الموازنة المعجزة خلال العام القادم.. فقد حدد السيد الرئيس كل الإصلاحات التي سيتم تحقيقها عبر هذه الموازنة حيث تصدرتها إعادة مشروع الجزيرة سيرته الأولى, بل ستتعداها بعشرة أضعاف ما كانت عليه سابقا, كما وإنها أي الموازنة, ستعيد الحياة إلى مصانع النسيج, بعد ان اندثرت وغابت عن الوجود زمنا طويلا, ومن ثم سيتم تصنيع قطن مشروع الجزيرة, ليتم تصديره ملابس جاهزة, وحينها طبعا, سنلبس مما نصنع فعلا. والموازنة القادمة ستعيد السكة حديد هي الأخرى التي تم تشليعها وبيعها خردة, إعادتها هي الأخرى, سيرتها الأولى, كما وستنعم الجزيرة بالقطار السريع المكندش, ولم تغفل الموازنة, الخطوط الجوية السودانية, التي تم تدميرها هي أيضا, بحيث سيتم استجلاب ما يلزمها من طائرات, مثلها مثل ما يلزم السكك الحديدية من قطارات, استجلابها جميعها من الصين, أضف إلى كل تلك الإصلاحات, الإعلان عن زراعة أربعة مليون فدانا, ورصف أربعمائة طريق أسفلت جديد. وبهذه البشريان القادمة, رأت حكومة الإنقاذ ان تبرئ فترة حكمها, من حمل أثقال أهم واكبر التهم التي التصقت بها والمتمثلة في بتدميرها لكل تلك المشروعات التي تعلن عن إصلاحها وإعادتها سيرتها الأولى الآن. وبصرف النظر عن غيرها مما دمرت, فلم لم تضف إعادة الخطوط البحرية السودانية سيرتها الأولى مثلها مثل غيرها من المشروعات التي تضمنتهم الموازنة المقبلة؟, حتى تكتمل صورة البراءة في هذا الجانب تماما. وسيبقى على الإنقاذ الإيفاء بكل ما وعدت به وخلال العام القادم, فهل يا ترى في استطاعتها فعل ذلك بحساب الواقع الماثل والمعاش حاليا, خاصة والإنقاذ انتقلت فجأة من حالة البحث عن مصادر دخل عبر الضغط على المواطن برقع الدعم عن أهم مطلوبات حياته, إلى دعمه وتبشيره بما لم يحلم به من إصلاحات؟ وبما غالبية المستوردات من الصين رغم بؤس صناعتها, يصبح السؤال, عن اى صيغة من صيغ التمويل يتم الحصول عليها؟ ونخشى ان تصبح دينا على المواطن سداده مستقبلا, إذ يمثل ذلك, إلغاء فكرة رفع الدعم عن المحروقات والقمح والكهرباء وحتى لا يثقل كاهل المواطن من جانب, بينما سيتم أثقال كاهله بما هو أثقل, سداد كل تلك الديون, من جانب آخر وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا. وما ان تم إيداع تلك الموازنة بالمجلس الوطني وبدأت مناقشتها, حتى بدأت عوراتها في التكشف. حيث ارتفعت بعض أصوات عضويته بان الموازنة نستأثر قوات الدفاع والأمن وغيرها من القوات النظامية بنصيب الأسد منها, وبما يمثل نسبته 70% من مجملها, كما وإنها عاجزة عن الإيفاء بمقابلة التزاماتها الأخرى, بل رأى احدهم بأنها لن تصمد على ما اتخذت من قرارات حول رفع الدعم, وقد تعود إلى المجلس مرة أخرى بحثا عن المعالجة. ومن المعالجات الشائعة لأجل تقليل عجز الموازنة, قصة خفض الاتفاق الحكومي, الذى ربما يبتلع ما تبقى من الموازنة بعد الصرف على الأمن والدفاع. وفى الوقت الذى تعتبر فيه الحكومة ذاتها بأنها أول من يهزم فكرته. فكم عدد المرات التي أعلنت فيها بأنها بصدد تخفيض إنفاقها, ففاجأت المواطنين بزيادته, بحجة اضطرارها لتوسيع دائرة مشاركة الآخرين معها في السلطة, الأمر الذى تضمن لها إغلاق أبواب تداولها معهم واستمرار إبقائها بين يديها؟ فقد وصلتني رسالة ممن أطلق على نفسه خبيرا اقتصاديا متقاعدا, يقترح فيها كيفية خفض الإنفاق الحكومي. فان صحت كل الأرقام التي نسبها للإنفاق الحكومي, تصبح هي التي تستأثر بما بفي من الموازنة وتحرم المواطن من حقه فيها. ولننظر فيما جاء بتلك الرسالة من أرقام. يقترح الخبير الاقتصادي بان يتم خصم جالون بنزين واحد من كل دستوري يوميا, فإذا كان عدد الدستوريين 3000 فسيوفرون 3000 جالونا في اليوم وبواقع 20 جنيها للجالون فيصبح جملة ما يوفرون للخزينة يوميا, مبلغ 60,000 ستين ألفا من الجنيهات, وشهريا مبلغ 1,800,000مليار وثمانمائة ألفا من الجنيهات, وسنويا مبلغ 21,600,000 واحد وعشرين مليارا وستمائة ألفا من الجنيهات. هذا وقد جعل الرجل لكل دستوري عدد خمسة جالون بنزين يوميا وحتى ان كانت أربعة أو ثلاثة جالون يوميا, فلا يمنع ذلك من خصم ذلك الجالون الذى عادة ما يتم استخدامه في غير ما خصص له. أما إذا تم تنفيذ اقتراحه الثاني بان يتم تخفيض عدد الدستوريين إلى النصف ليصبحوا 1500 فقط, فان ذلك سيرفد خزينة الدولة من عائدات البنزين وحده, بما مقداره 7500 جالونا وبواقع 20 جنيها للجالون, اى 150,000 جنيها يوميا, أو 4,500,000 أربعة مليار وخمسمائة القا من الجنيهات شهريا, أو 00, 5,400,000 خمسة تريليون وأربعمائة مليارا من الجنيهات سنويا. وقد عزز الرجل ذلك الاقتراح بخفض عدد الدستوريين إلى النصف, لان نصفهم يظل (قاعد ساكت) ولن يؤثر التخلص منه على مسيرة العمل. واطمئن الخبير بان تعيين هؤلاء (القاعدين ساكت) قد تم للتوازنات والترضيات السياسية, التي من العسير الشفاء من دائها. أما إذا تم تطبيق خفض عربات كل الدستوريين وبواقع سيارة من كل منهم, وإذا افترضنا ان قيمة شراء تلك السيارة 400,000 جنيها, طبعا يقصد الخصم من السيارات الإضافية, بعيدا عن الكامرى واللاند كروزر وأشباهها, فان عائدها يصل إلى 12,000,000,00 جنيها اى 12 تريليون من الجنيهات. فتصوروا كمية الأموال المهدرة في الفارغ. وبالطبع لا نعيد تجربة خفض عربات الدستوريين التي طالبت بها هوجة خفض الإنفاق الحكومي في فترة سابقة عندما بدأ وزير المالية حينها,بإحدى عرباته, غير أن محصلة تلك الدعوة لم تعرف حتى الآن من حيث العدد الذى استجاب من الدستورين, والعربات المرتجعة, وماذا فعل الله بها؟ فان بيعت فلمن وبكم وأين ذهب العائد منها, ولذلك نفضل ان يتم الخصم منذ البداية وقبل عملية الشراء. ولو تذكرون فان السيد الرئيس قد اصدر قرارا بان يتم بشراء عربات المسئولين (مما نصنع) أي من شركة جياد, وقد بدأت الاستجابة له ولكن على استحياء وببطء, سريعا ما غض الطرف عنه وتم إهماله. اذ كيف لدستوري ان يرضى بغير الفارهات, من قبائل البرادو وغيرها من المستوردات من احدث الموديلات واغلاها سعرا, وحتى المجلس الوطني المنوط به مراقبة الإنفاق الحكومي وضبط حركته, أقدم على استيراد عربات لقياداته وكان مفترضا ان يبدأ هو بالالتزام بقرار السيد الرئيس بالشراء من جياد قبل غيره.. الجديد في الأمر ان عضوية المجلس الوطني قررت هذه المرة, ان تهدى تصفيقها لرفع الدعم عن الدستوريين, فقد اقترح احد الأعضاء بان يتم خفض مرتبات الدستوريين بنسبة 25%, وطبعا هذا العضو قد (ذودها شوية ) رغم انه اختص بتلك النسبة كبارهم وانخفض بها لمن هم دونهم لكننا نستميحه في ان يجعلها فقط 10% للكبار و 5% للآخرين. ورغم إننا لا ندرى كم هي مرتباتهم المعلنة, وتلك الإضافية كمخصصات, ولكن مهما كانت فإذا أردنا حساب ذلك الخصم فسيصبح إضافة حقيقية لما سبق ولأعطت الموازنة جرعة فاعلة لامتصاص الكثير من أسقامها. ثم الدعوة لضبط وخفض سفر الدستوريين للخارج, خاصة بعد أن أصبح (هيصة) ليس أدل عليها أكثر من وفد السودان لاجتماعات لجنة حقوق الإنسان بجنيف, الذى مثله أربعون شخصا, الكثير منهم ذهب لأجل السياحة والتسوق, فماذا لو غير السودان نهجه بدلا من صرف المليارات لتلك الوفود لأجل السعي لمخارجته من إمكانية حشره تحت البند الرابع, واعتمادا على مساندة الآخرين له, بان كرس جهده في حماية ورعاية حقوق إنسانه التي يبدع وبتفنن في كيفية هضمها وانتهاكها ولمختلف الأسباب وبمختلف الطرق. وأخيرا فان الموازنة فريدة عصرها, لا زال أمامها مشوار طويل ليطمئن قلبها بالا إضافة لأثقالها التي تنوء بحملها الجبال, إذ لا زال الحوار الوطني محتدما وفى انتظار مخرجاته, التي نخشى من ان تصبح إضافة لأمراض الاقتصاد وليست طريقة لعلاجها. خاصة والأحزاب المشاركة فيه الغالبية العظمى منها من تلك التي لا تعشم في ان تتداول السلطة فيما بينها وعلى الأخص في حضرة شيخهم المؤتمر الوطني, فكل الذى نخشاه ان ترضى تلك الأحزاب من الغنيمة بالإياب وتكرر قبولها ببدعة المشاركة في السلطة التي يجيد إخراجها المؤتمر الوطني ونسمع تانى بعودة الحكومة ذات القاعدة العريضة جدا, التي عليها ان تستوعب ممثلا لكل من الأحزاب التي شاركت في الحوار وكذا ممثلين للحركات المسلحة التي تجاوبت معه. فهل ستصمد هذه الموازنة أم ستبرك عند أول محاولة لتحركها؟ فسنرى .وان غدا لناظره قريب..