المقال رقم 43 لا زلنا نجهل السبب الحقيقي وراء غضبة السلطة عندما عكس الإعلام حقيقة موقف الموازنة الأخيرة, وموقفها من حال المواطن الذى بلغ مداه في السوء والبؤس بما لا يسمح بأى مزيد منهما وفى أي صورة من الصور. ولم يكن ما كشف عنه الإعلام مجرد تكهنات أو تخيلات لما تنوى الموازنة فعله بالمواطنين, ولكن حقائق بنيت على ما صرح به وأعلن عنه السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني, وأمام البرلمان الذى أصبح عين السلطة التي ترى بها كيفية تحقيق كل مصالحها, ويدها التي تبطش بها كل من يقف في وجه تلك المصالح, والبرلمانات في كل دول العالم, ما عدا نحن وأمثالنا, هي لأجل مراقبة الحكومة وخطوات حكمها بما يحفظ للمواطن كل حقوقه في الحصول على كل أسباب الحياة الكريمة, بينما أعضاء مجالسنا التشريعية كبيرها وصغيرها, بدلا من ان يصبحوا رقباء على الحكومة لصالح المواطن, أصبحوا رقباء على المواطن لصالح الحكومة. وان لم يكن ذلك كذلك فما الذى يجعل أعضاء تلك البرلمانات يعلنون وبالصوت الجهير وقوفهم ضد اى اتجاه لرفع الدعم عن اى سلعة أو خدمة تمس حياة المواطن وقبل ان يتلاشى صدى تلك الادعاءات تعلوا صيحات التهليل والتكبير والتصفيق بعد ان وفقوا في إجازة كل ما أرادت الحكومة وبالكامل. بل ويطالب أحدهم بان لو زيدت بأكثر مما أجيزت به. ولو تساءلنا عن ما هي قيمة هذه المجالس, ان كانت كل مهمتها تنحصر في الوقوف خلف السلطة تمرر لها كلما تريد ومتى تريد وبصرف النظر عن تأثير ذلك على المواطن وما يريد؟. فان أصبحت هذه المجالس مجرد أدوات بيد السلطة تستخدمها لتحقيق اى من أغراضها وخدمة اى من أهدافها ودون أدنى اعتبار لحقوق وأهداف المواطنين, التي كثيرا ما تمهد ذات المجالس لانتهاكها, يصبح ما الذى يجعل المواطن يتحمل أعباء الصرف عليها من اجل خدمة السلطة وان كانت ضد خدماته؟ قلنا ان هذا النظام كثيرا ما يستند في تنفيذ الكثير من مخططاته اعتمادا على ان الشعب السوداني مثقوب الذاكرة حالما تسقط وعد الأمس إذا تم نقضه اليوم. ولذلك أصبح من الضروري إعادة أو تكرار بعض مما سبق ذكره حتى لا نترك لهم المجال للاستمرار في نقض عهودهم بناء على ذلك الوهم الكبير. لا شك أنكم تذكرون خطاب السيد رئيس الجمهورية الذى ألقاه في احتفالات مهرجان السياحة والتسوق بود مدني, حيث أعلن سيادته عن بشريات ستحققها موازنة العام 2016م, التي وصفها بأنها أفضل موازنة عرفها السودان ومنذ الاستقلال,.ولا باس من إعادة ما ذكرنا من قبل في ذلك الاتجاه, حتى يتم الحكم على الموازنة الأفضل والأمثل في تاريخ السودان, والى اى مدى هي سائرة في اتجاه تحقيق تلك البشريات أم غيره, فقد حدد السيد الرئيس تلك البشريات في انه وعبر هذه الموازنة, فان مشروع الجزيرة سيعود سيرته الأولى, بل وعشرة أضعاف ما كانت عليه. وان مصانع النسيج ستعود إلى الوجود مرة أخرى, ليس ذلك فحسب, بل سيتم تصنيع القطن عبرها حتى يتم تصديره كملابس جاهزة. وبموجب تلك البشرى يادوب, سنلبس مما نصنع. كما وان الموازنة المعجزة, ستعيد السكة حديد سيرتها الأولى هي الأخرى, بينما ستنعم ولاية الجزيرة بالقطار السريع المكندش. ولم يتم إغفال الخطوط الجوية السودانية, التي ستجلب لها أسطول من الطائرات, حتى تنهض من كبوتها لتعاود التحليق في سماء هيثرو بعد ان أعياها السجود على ارض مطار الخرطوم, كل هذا إضافة إلى العمل على رصف الطرق وغيره. والمهم ان كل تلك المشروعات ستعتمد في تنفيذها على الدعم الصيني, بما في ذلك الطائرات التي نذكر بان جلبها من الصين يجب ألا يتم دون التمعن في تجربة بصات الوالي التي فارقت الحياة قبل ان تكمل عامها الثاني. وأظنه من حقنا ان نسال الآن عن من أين لكل تلك البشريات ان تتحقق بينما الموازنة الأمثل والمناط بها تنفيذها, تعانى ما تعانى من العجز والوهن الذى اوشك ان يقضى عليها؟ ففكرة رفع الدعم الذى تم نفيها جملة وتفصيلا من جانب السلطة , أصبحت اليوم هي الأساس في ترقيع ثقوب هذه الموازنة, ولم تفلح, كما ولم تكتف الموازنة, أيا كانت اتحادية أو ولائية, برفع الدعم عن الخدمات أو السلع, ولكنها تسعى لإعفاء الحكومة من كل مسئولياتها في إصلاح كل ما قامت بإعطابه ثم توفيره أولا, وقبل ان ترفع الدعم عنه, فتتجه لكي تجعل كل ذلك من واجب المواطن يقوم به من جانبه وعلى حسابه الخاص أولا, ثم يعود ليكتوي بنيران ما تفرضه عليه السلطة من قيمة للحصول عليه ثانيا. مياه الخرطوم التي زيدت بنسبة 100%, أصبح على المواطن الامتثال لما أرادت سلطتها بان يشرع مباشرة في الالتزام بدفعها مقدما, وحتى تتمكن الهيئة المعنية بها من إصلاح إعطابها, وتوفير أموال تشغيلها, لتلتفت لعملية بيعها. فالدفع المقدم الذى فرض على خدمة المياه كما الكهرباء, هو اكبر عملية تفتقر إلى ادني عدل يأخذ في الاعتبار التفاوت المريع الذى أوجده هذا النظام بين المواطنين الذين جعلهم طبقات, منها من تناطح السحاب وغيرها ممن تستظل بظلها. فلماذا لا يتم اختراع جمرة خبيثة أخرى خاصة بالمياه, وقطعا هنالك الكثيرون ممن سيستثمروا فيها منهم, وهى الوسيلة الوحيدة التي ستحفظ للمواطن حقه في ان يشترى المياه بقدر استطاعته بدلا من السعر الواحد المفروض على من يملكه ومن يفتقده؟ ان مشكلة شراء المياه وهى في علم الغيب, بل وشرائها بالسعر الذى تفرضه السلطة ودون ان يكون للمواطن أي خيار في شراء ما يتناسب مع دخله وإمكاناته, قد يتسبب في خلق الكثير من المشاكل للكثير من المواطنين محدودي الدخل, خاصة وقد تم ربط الحصول على الكهرباء بتسديد فاتورة المياه أولا, فأي تسلط هذا؟ ثم لنفرض ان المياه ومشاكلها استمرت في حالها المايل هذا, وهو أمر وارد, فكيف للمواطن ان يسترد قيمة ما يفقد من المياه ولأي مدى تنقطع عنه فيه؟ يعنى السلطة زى المنشار, طالعة تأكل نازلة تأكل. والميزانية الأمثل, وبعد ان زادت سعر الغاز والمياه ثم الخبز الذى خف وزنه وتغير لونه وطعمه مع استمرار ندرته, وبصرف النظر عن الزيادات المختبئة خلف القيمة المضافة والضرائب وغيرها لا زالت هذه الميزانية تتعرض للتغيير والتبديل في بنودها, وهى لا زالت في بدايات مشوار عامها. حيث يعلن السيد وزير المالية حاليا عن قرارات هامة ستصدر خلال الأيام القادمة حول قطاعات حيوية سيتم تحويلها إلى شركات مساهمة عامة, بدلا من بيع المؤسسات الحكومية, كما أعلن سيادته عن فتح باب الاستثمار للقطاع الخاص في مجال البنيات التحتية بما فيها إنتاج الكهرباء والسكة حديد والنقل النهري والطرق, وستستمر عمليات الخصخصة. لا شك ان هذا الإعلان هو مقدمة لزيادات جديدة قادمة لسلع أو خدمات, وبصرف النظر عن التبشير بميزانية خالية من اى زيادات تقصم ظهر المواطن المقصوم أصلا, بل وبها, أي الميزانية, من البشريات ما يعيد المواطن لعهده القديم, بإعادة كل المشروعات التنموية التي كان ينعم بخدماتها ويسعد بخيراتها, وهى المشروعات التي دمرتها الإنقاذ وتعلن حاليا عن عزمها إعادتها سيرتها الأولى المستحيلة, فان إعلان السيد الوزير الذى يشير إلى تحويل أمر تحقيق تلك البشريات إلى القطاع الخاص قد يجيب على سؤال قد طرحته في شان تنفيذ تلك البشريات وان كان في مقدور هذه الموازنة, وفى ظل الظروف الاقتصادية البائسة والحرجة التي تحيط بها, ان تنجز أيا منها؟ وكانت الإجابة مرة أخرى (من دقنه وفتل له) يبدو ان الحكومة بدأت في خلع كل ثياب مسئولياتها تجاه المواطنين, ولتلقى بها على أكتاف ذات المواطنين. وبصرف النظر عن رفع الحكومة يدها من جل ان لم يكن كل الخدمات وتركت أمرها للمواطن, فلو رجعنا لبشريات السيد الرئيس سالفة الذكر فان أمر تنفيذها أصبح بيد القطاع الخاص ربما باستثناء مشروع الجزيرة, يعنى الحكومة طلعت منها.زى الشعرة من العجين. يصبح السؤال عن قصة البرلمانات ودورها في كل الذى يجرى حاليا من تغيير كامل للصورة التي خرجت بها الموازنة من بين أيديهم التي أنهكها التصفيق لكلما يتم انجازه لصالح الحكومة, وحتى تغيرت ملامحها, اى الموازنة, تماما, فلماذا لم نسمع بان سيادة أعضاء المجالس بشقيها الوطني والولائى والوطني بالذات, بأنه لم تتم استشارتهم في كل التغييرات والتعديلات والتبديلات التي جرت وتجرى بالموازنة ومنها الكثير المثير الخطر, كالخصخصة التي عادت مرة أخرى وقبل ان يشفى الاقتصاد من آثار بداياتها وما شابها من فساد سارت به الركبان على كل, ما دامت الحكومة قد رفعت يدها عن كل الخدمات التي يحتاجها المواطن وتركت أمرها بيده, وما دامت قد أوكلت كل مشروعات التنمية كبيرها وصغيرها, ليقوم القطاع الخاص بتنفيذها, بينما يظل المواطن مطالبا بتسديد ما يفرض عليه من عوائد وضرائب لخزانة الحكومة, وكأنه وبموجب هذا الوضع المغلوب, أصبح على المواطن ان يوفر للحكومة الأموال التي تمكنها من مقابلة كل احتياجات التمتع بسلطتها, خاصة نفقات الأسفار التي ستتفرغ لها بعد ان أصبحت ما عندها مسئولية. ممكن نعرف بأى وجه حق تسمى نفسها حكومة؟ أخيرا, جاءت بالأخبار بشرى جديدة للمواطنين تقول, بان كل القنوات التليفزيونية ستتجه إلى قاعة الصداقة لأجل تمليك المواطنين نتائج الحوار الوطني, لاحظوا حكاية تمليك دى. أخشى ان يكون الهدف من التمليك لكي يترك أمر التنفيذ ليهم أو للقطاع الخاص.. [email protected]