كتاب كمال الإخناوي عبارة عن مجموعة مقالات بحثية ومُطعّمة بالرأي الشخصي، تشكل محاولة لإدراك الأشياء من منظور مختلف. ميدل ايست أونلاين كتب محمد الحمامصي ما إدراكنا إلا شواهد محدودة يجمع هذا الكتاب "الثنائيات الزائفة" للدكتور كمال الإخناوي عضو هيئة التدريس بالجامعة الأميركية بالقاهرة مجموعة مقالات بحثية ومُطعّمة بالرأي الشخصي، تشكل محاولة لإدراك الأشياء من منظور مختلف؛ فما يحدث حولنا في العالم أكبر من أن ندعي بكل بساطة أننا ندرك ما يحدث فيه، ومن ثم من غير المنطقي أن تدعي أي أيدولوجية أنها تملك الحل؛ فإذا كنت لا تفهم النظرية الرياضية أو المعادلة أو المسألة نفسها، فكيف تستطيع أن تحلها؟ وعليه، يحاول المؤلف أن ينظر للأمور من زاوية أخرى لأن ما اعتدنا عليه وورثناه من مفاهيم ما هو إلا موروثات ثقافية بعضها صحيح ومعظمها أثبت فشله في علاج مشاكل العالم المحيقة بنا. يقول الإخناوي برغم أن لا أحد يستطيع أن يزعم أن يدعي أو يؤكد بصورة جازمة أنه يفهم، أو يدرك ما يحدث في العالم الآن من تغييرات وتقلبات واختلال موازين، وسقوط أنظمة، إلا أن الكل يزعم، بل ويؤكد في كثير من الأحيان أنه يملك الحل لعلاج تلك المشاكل، والأزمات التي تحل على العالم؛ فكيف من لا يدرك ما يحدث في العالم أن يزعم أو يؤكد أنه يملك الحل؟ فمعظم الأحزاب السياسية وأنظمتها المتعددة مع اختلاف أيدولوجيتها، والأنظمة السياسية أو الدينية باختلاف أيدولوجياتها وتوجهاتها ومذاهبها وطوائفها المتعددة لا يمكن أن تدرك ما يحدث في العالم من أحداث وثورات وفوران وغليان. وإذا كان هناك بعض الأنظمة السياسية أو الدينية تدعي بأنها تعرف السبب وتزعم بأن السبب في كل ذلك هو بعد الناس عن أيدولوجياتهم الحزبية أو دينهم أو مذهبهم، فكيف يدعون أو يؤكدون ذلك في حين أنها – أي تلك الأحزاب السياسية أو المذاهب الدينية – لا تتفق مع بعضها البعض وهي تحت مظلة دين واحد؟ فما يحدث حولنا في العالم أكبر من أن ندعي بكل بساطة أننا ندرك ما يحدث فيه، ومن ثم فمن غير المنطقي أن تدعي أي أيدولوجية أنها تملك الحل؛ فإذا كنت لا تفهم النظرية الرياضية أو المعادلة أو المسألة نفسها، فكيف تستطيع أن تحلها؟ وعليه، أحاول في هذه المحاولة المتواضعة في هذا الكتاب أن أنظر للأمور من زاوية أخرى لأن ما اعتدنا عليه وورثناه من مفاهيم ما هو إلا موروثات ثقافية بعضها صحيح ومعظمها أثبت في فشله في علاج مشاكل العالم المحيقة بنا". ويضيف "أيضا فبرغم أن هدف السياسة هو خدمة وإدارة شئون المواطنين، إلا أن كل الأنطمة السياسية تقريبا لم تستطع على مدار عقود طويلة أن تستوعب ما يحدث في العالم، وإذا ادعت، فنحن لا نجد أي حل جذري لأي مشكلة في العالم، بل على العكس، المشاكل تتفاقم والأزمات تزداد حدة مع أن المشاكل والأزمات لم تكن وليدة اللحظة ولم تنشأ في غياب الأنظمة السياسية المتعددة، والمذاهب الدينية المختلفة. ومع كل هذا، نجد أن الكل يتطلع للتغيير، فهل التغيير يأتي من القادة فقط، أم لنا دور حيوي ومحوري تجاه ما يحدث من حولنا في العالم؟ أعتقد أن أي حل جذري يجب أن تنبث بذوره على مستوى القاعدة، أي من كل فرد في كل حي أو مجتمع محلي؛ فبناء الهرم لا يأتي من القمة". ويؤكد د. الإخناوي أن وضع أحيائنا ومجتمعاتنا المحلية يمكن تغييره إذا تغيرت وجهة نظرنا تجاه مشاكل مجتمعنا؛ وإذا تغيرت وجهة نظرنا والزاوية التي ننظر بها إلى مشاكلنا، فستتغير آليات وطرق تغيير وتحسين أوضاع مجتمعاتنا. فدعونا نتطرق إلى بعض الموضوعات ذات الصلة بواقع مجتمعاتنا؛ فمن هنا، من كل حي وكل منطقة، كل حسب دوره، يمكن أن نساهم في تقدم المجتمع البشري. ويشير إلى إن الأشكال الهندسية أو الحقائق العلمية ليست مطلقة لأن ما نعلمه عن الكون حتى الآن قد لا يتجاوز 4% والباقي لا نعلم عنه شيئا؛ ولأنها - أي الحقائق العلمية – تتطور بطبيعة الحال ويصبح لنا منظور أكثر شمولا. إذن فهي ليست مطلقة، واذا قلنا إنها مطلقة فهي قد تكون مطلقة بعلاقتها بالوقت والزمان والمكان، أو من زاوية معينة، أو مع ثبات العوامل المؤثرة عليها.. إلخ لأن كل ما حولنا في الحياة مرتبط ارتباطا وثيقا بعامل الزمن والمكان والظروف المناسبة لحدوث هذا الشيء حسب قوانين الطبيعة، وهذا يؤثر على ما نشاهده؛ فنحن عندما نزعم بأننا نشاهد المريخ، ففي الحقيقة نشاهده من خلال التليسكوب المتطور وليس لنا دليل قوي على أن ما نشاهده هو الحقيقة المطلقة. فالأدلة القوية لما نزعم بأنه الحقيقة ما هي إلا تجميعات عقل متزن لشواهد وآثار شيء معين لتكون دليلا او دلائل لوجود شيء وهذا الشيء نطلق عليه في بعض الاحيان الحقيقة او الحقيقة المطلقة. وعليه، فكل انسان قد يكون على صواب من الزاوية التي يرى بها الأشياء، وكل انسان قد يكون على صواب في حدود علمه ومعلوماته وإدراكاته العقلية والروحية؛ وهذا هو "فرويد الذي قال... إننا لا ندرك الحقيقة فما ندركه هو ما يتراءى لنا أنه الحقيقة"؛ وادعاء شخص او مجموعة من الناس بأن لديها الحقيقة المطلقة قد يخالفها الصواب، فليس هناك من يمكن أن يثبت بأن معه صكوك الحقيقة المطلقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكننا الوصول الى الحقيقة المطلقة؟ قد يقول البعض: نعم، فلكل شيء علامة وشواهد، ولكن لا يمكننا أن ندعي بأننا الوحيدون الذين نمتلكها، كما اننا لا يمكنا أن نجبر الآخرين عليها. فنحن مثلا لا يمكننا رؤية موجات ارسال التليفون المحمول ولكن يمكننا الاستدلال – حتى وان لم نكن من المتخصصين بتكنولوجيا الاتصالات - على أن هناك موجات بين التليفون ومحطات الإرسال؛ فباتصالنا بمن نتحدث معهم يوميا، استطعنا أن نستدل على أن هناك شيئا ينقل لنا المكالمات، والمتخصصون قالوا لنا إنها موجات تنقل مكالماتنا؛ وعدم رؤيتنا لهذه الموجات لا ينفي وجودها ودورها. ويلفت الإخناوي إلى أننا كثيرا ما نرى في أحاديث الناس في حياتنا اليومية والحوارات التليفزيونية مجموعة تتناقش وكل واحد يلقي على الآخر بوابل من التهم والتنكيل، وفي بعض الأحيان لا يستمع أي شخص للآخر، بل ويريد أن يثبت أن من يتحاور معه على خطأ وكل همه أن يهدم ما يقوله الآخر، ويكون حديثهما مثل أمواج العواصف تتلاطم ولا تتعانق، والحوار برمته أشبه بالمضحكات المبكيات وكما نقول في المثل الشعبي "هم يضحك وهم يبكي". فلماذا لا نستمع الى بعضنا البعض ونتعلم من بعضنا البعض؛ فعندما يكون لنا وجهة نظر في موضوع فإننا نراه بعينينا، وعندنا نستمع لشخص آخر بطريقة إيجابية، فإننا نرى الموضوع بعيني الشخص الآخر، وبذلك نرى الموضوع بأربعة أعين، وعندما نستمع الى شخص ثالث، كأننا نرى الموضوع بستة أعين.. الخ؛ فالحقيقة لا تظهر الا باختلاف الاراء، وهناك قصة رمزية عن عدة أشخاص في كهف به فيل وكل شخص يحمل في يده بطارية يسلط ضوءها على الفيل، فكل واحد يمكن أن يصف ما يراه من زاويته، فهناك يمن يقول إنه يرى أذنين، وهناك من يصف ما يراه بعدة أرجل.. الخ وبوصف كل شخص تظهر الصورة الكاملة للفيل. ولتوضيح ما سبق يقول "هناك نظرية تمسي نظرية التكامل، وهي نظرية نعرفها ونستخدمها، نجد أن كل عضو من أعضاء أي شيء له دور فاعل في العملية التي تقوم بها الأعضاء، ودوره أساسي ومحوري وبدونه قد تنعدم العملية؛ فماذا يحدث إذا قلت لشخص إنه في بعض الحالات 50% تساوي صفرا؟ بالطبع، قد يسارع ويقول إن هذا هراء. لكن دعنا ننظر للموضوع من زاوية أخرى. كل انسان له يدان، وكل يد هي بمثابة 50%، لكن هل يمكن ان تصفق بيد واحدة؟ يقول المثل الشعبي "إيد واحدة ما تصقفش"، صح؟ وهذا معناه أن يدا واحدة لا تستطيع ان تقوم بعمل الشيء وهو التصفيق، وهنا نقول إن في عملية التصفيق بيد واحدة أي 50% تساوي صفرا. ومثال آخر يمكن أن نقول إن في بعض الحالات 80% تساوي صفرا. ففي يدك خمسة أصابع وكل إصبع يساوي 20%، لأن 100% ÷ خمسة أصابع = 20%. لكن في بعض الأحيان لا يمكن أن تعمل بعض الأصابع بدون الباقي؛ فحاول أن ترتدي قميصا بعدة أزرار بدون إصبع الإبهام، فهل تستطيع – بدون إصبع الإبهام– أن تفك أزرار القميص؟ بالطبع لا، فلن تتمكن من ارتداء القميص إذا كان لديك مشكلة في إصبع الإبهام. وهنا يمكن القول إن في بعض المواقف لا تنبلج الحقيقة إلا باكتمال كافة العناصر المكونة لها ونقص أي عامل منها يعني ضعفها أو عدم إتمامها. ومن الأمثلة التي نراها حولنا هي تلك المتعلقة بالحرب على الآخر، فكل يعتقد أن من يحاربه هو كائن لم يخلقه الله محبة في خلقه، ويرى فيه عدوا يجب قتله، ونفس الصورة قد تتولد لدى الطرف الآخر الذي يحاربنا، وعلى نفس المنوال يمكن أن ننظر إلى باقي أمور الحياة. ويقول الإخناوي "إذا كانت كل الأديان تقول بأنها أتت من معين واحد وهو الله سبحانه وتعالى، وبما أن الله واحد أحد، فلا يعقل ان يكون جوهر كل دين يختلف عن جوهر أي دين يأتي من الله؟ فبالتأكيد هناك حلقة مفقودة في الموضوع، فما هي؟ دعونا ننظر للموضوع من زاوية اخرى. فجوهر الأديان كلها واحد وهو أن الهدف من كل دين هو أن نوحد بالله، ونعبده، ونعمر الأرض، ونتعايش مع الاخر في محبة وسلام؟ أليس هذا صحيحا؟ فأين تكمن المشكلة؟ المشكلة والاختلافات تكمن في كلمة "كيف"؛ كيف تعبد الله في الصلاة والصوم ...الخ؛ كيف تعمر الارض بتشريعات مثل الزواج والطلاق والميراث ... الخ؛ كيف تتعامل مع الاخر في محبة وسلام في تعاملاتنا الاقتصادية، وإدارة شئون بعضنا البعض تحت مظلة القوانين الحاكمة رغم اختلاف عقائدنا؛ أي أن الاختلافات التي تظهر هي في التشريع الذي يتغير بتغير مقتضيات العصر لأن الله ينزل من حين لآخر تشريعا يواكب العصر الذي يعيش فيه الإنسان. فمن يريد أن يعبد الله حسب معتقده، لا يجب أن ينسى بأن هناك آخرين عليه احترامهم واحترام عقائدهم واحترام حقوقهم وبدون إجبارهم على اتباع ما يراه هو. فما أكثر الاختلافات بين أتباع الاديان التي تسببت في صراعات عديدة وبمسميات مختلفة بسبب عدم رؤية الأمور من زاوية مختلفة. ويرى أنه إذا أردنا النظر للمطلق والنسبي من الحقيقة، نجد أن معظمها له علاقة بنظريات العلم ومعتقدات الدين؛ فمع أن كليهما أتى من نفس المصدر والمعين وهو الله، فلا يعقل أن يختلفا أيضا؛ وإنما الاختلاف يأتي من محدودية رؤيتنا؛ فهناك بعض الملاحظات أو المتشابهات بين كل من العلم والدين. فكلاهما يجد اعتراضا من قبل العلماء عند ظهور جديد؛ وكلاهما يحدث ويقلب كل الموازين المتعارف عليها ويغير من حياة الناس؛ وكلاهما يعتمد على التطور في شكل حقب متتالية، وكل حقبة تأتي بطفرة نوعية مؤكدة في تطورها على حقيقة وجوهر ما سبقها ومعتمدة عليه. فكما أن كل نظرية علمية تتطور اعتمادا على ما سبقها من نظريات سابقة باختراع جديد أو جيل جديد من الاختراعات، نجد أن كل دين جديد يأتي مؤكدا على حقيقة وجوهر ما سبقه من أديان وكاشفا لمفاهيم روحية جديدة تحتاجها البشرية في ذلك الوقت. وكل نظرية علمية تظهر، نجد أن من جادلها واعترض عليها يكون من العلماء والناس؛ وكل دين جديد يأتي، يعترض عليه الناس أيضا؛ والملفت للنظر أن من يعترض على النظرية أو الدين هو أهل "القديم" يعني العلماء: بعض علماء العلم او الدين. فما من نظرية علمية تظهر إلا واعترض عليها علماء نفس فرع العلم، حتى الاخوة (رايت) الذين اخترعوا الطائرة في أوائل القرن العشرين وطاروا بها أمام حشد من الناس، كان هناك من اعترض وكذب ما فعلوه بعدها بعدة اسابيع رغم أن هناك فيديو (تسجيلا مصورا وقتها) يظهر هذه التجرية النوعية. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن العلماء في كلا الفرعين، العلم والدين، يدعون بأن ما لديهم وتوصلوا إليه هو النهاية وليس بعده نهاية، والتاريخ يحدثنا عن كم كبير من علماء قاموا باكتشافات عظيمة ودفعوا حياتهم ثمنا لاكتشافاتهم. وعلى نفس المنوال نجد انه عند ظهور كل دين، نجد أن أول من يقود قافلة الاعتراض هم بعض علماء الدين السابق الذين يدعون بأن الدين الذي يؤمنون به هو نهاية مطاف الفيض والرحمة الإلهية بإرسال رسول جديد وكأن يد الله مغلولة؛ وكم من الرسل وأوائل المؤمنين بهم دفعوا حياتهم ثمنا لاعتراض بعض رجال الدين السابق لأنهم ببساطة يدعون بأن لديهم الحقيقة المطلقة. فالعلم والدين من الله سبحانه وتعالى؛ فهما من نفس المنبع، ولا يعقل أن يكون بينهما أي اختلاف، فالاختلاف بينهما معناه إما أننا لم نصل بنظريات العلم إلى النضج الكامل الذي يتفق مع الدين، أو أننا فهمنا أو فسرنا آيات الدين خطأ. فالاختلافات بين الدين والعلم ما هي إلا ثنائية من الثنائيات الزائفة لأنهما وجهان لعملة واحدة في حقيقتها. ويخلص د. الإخناوي إلى إن المطلق والنسبي من الحقيقة هو شيء نسبي يعتمد على الزاوية التي يرى بها الأمور التي غالبا ما تستند إلى نصيب الشخص من العلم، والمعرفة في حدود مداركه العقلية، والنفسية، والعاطفية، والعقائدية، وتجاربه التراكمية في الحياة، ولا يخفى على أحد أن معظم ما نؤمن به أو نعتقد به هو في الحقيقة عبارة عن موروثات ثقافية توارثناها من أناس نحبهم ونؤمن بإخلاصهم ونيتهم الحسنة في أنهم يقولون لنا الصواب، وفي الحقيقة هم غالبا يقولون لنا بإخلاص ما توارثوه هم أيضا. فإذا أردت أن تقنع شخصا بشيء، فما عليك إلا أن تغير الزاوية التي ينظر بها لهذا الموضوع أو تلك النقطة؛ فليس كل ما يرى أو لا يرى يمكن إدراكه، وليس كل ما ندركه نراه؛ فما إدراكنا إلا شواهد محدودة، والاعتراف بعجز إدراك الكل، أو المطلق، هو عين الإدراك.