من بين الهضاب المُخضّرة وقطرات المطر تطل المدينة وتنفتح على الدنيا، حسناء جبال النوبة وحاضرتها حقنت شرايين هذا الوطن بالكثير من الأفذاذ، وضمّخت بالروعة مختلف المجالات؛ عدد أن شئت مختلف ضروب الفن، كرة القدم، الفكر والإبداع، ولا تنس نصيبها من الشجاعة والإقدام، فكم من الجند البواسل انحدروا من تلالها هناك، بخلاف المصارعين الأشداء.. مدينة الرقص الأفريقي المهول، إذ تضرب أقدام الخير على وقع الطبل في أرض الخير؛ ليتداخل النساء والرجال، حلقات أثر حلقات، وصفوفا بين صفوف، يحفظون ريتم الحياة وإيقاع البلاد العام. إنها (كادوقلي).. عروس الجبال، بلاد الخضرة والضباب والنسيم العليل، مدينة مدرسة (تلو) الثانوية، رابع أكبر وأعرق ثلاث مدارس ثانوية في السودان قاطبة؛ بزّت الآخرين وسبقتهم بما لا يقاس، لتحتل مكانها خلف القلاع الأكاديمية القومية الأشهر؛ طقت، وادي سيدنا، وحنتوب. حج إليها الطلاب زرافات ووحداناً من مختلف أنحاء السودان. العودة إلى الواجهة بعد سنوات من الغياب عن المشهد الثقافي وتوقف الحركة الفنية بجانب تحول بعض المنتديات الثقافية إلى أطلال تعشش من فوقها الطيور، وبعد أن جفت الينابيع الصافية عادت كادوقلي إلى الواجهة من جديد وخطفت الأضواء من جميع المدن السودانية عندما نظمت مهرجان السلام للتجارة والاستثمار والسياحة والتراث، تدافع مواطني الولاية من كل حدب وصوب إلى استاد (مرتا) في استفتاء حقيقي واحتفل الجميع كلٌّ على طريقته الخاصة، عشرات الفرق الشعبية كانت حاضرة في المهرجان وأعطت أقصى وأجمل ما عندها، وقدم أطفال المدارس عرضاً راقصاً نال الإعجاب وجمل المهرجان حضور الفريق أول ركن بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية. أيام استثنائية تواصلت فعاليات المهرجان وتحول الكل إلى شعلة من النشاط المُعطم بالفرح أفضى في النهاية إلى تصبب العرق وارتفعت مع الأهازيج حرارة الطقس واختفت موجات البرد مع الهطول المستمر للأمطار واستأذن جموع سكان الولاية هيئة الأرصاد بأن هذه الأيام تعد استثنائية في تاريخ عروس الجبال، ولن تمنعهم فيها برودة الطقس من المشاركة في أمسيات الفرح، بل وفي رواية أخرى سيحتاجون إلى جرعات إضافية من البرودة لتحويل حرارة أجسادهم المحبة إلى أجواء أكثر رطوبة. طفرة والجايي أحلى شهدت المدينة طفرة كبيرة في مجالات البنى التحتية في منشآت الحكومة؛ من مباني الوزارات التي شيدت بأحدث طراز، وبمواصفات خاصة، فضلاً على توسعة ورصف الطرق الداخلية بصورة زاهية، بجانب تشييد مستشفى متكامل، واستاد دولي شهد ملعبه فعاليات بطولة (سيكافا) في العام 2013، إضافة إلى الميناء البري وغيرها كثير في أحياء وجبال مدينة كادوقلي، بدءاً من حجر المك مروراً بتقور، كليمو، كلباء، مرتا، تافري وليس انتهاءً بدامبا. علو كعب رياضي ملعب استاد كادوقلي أصبح قبلة للكثيرين مع منح هلال الجبال ممثل المدينة في مسابقة الدوري الممتاز الكثيرين فرصة مشاهدة كبار النجوم من البطولة على مسرح المباريات (مرتا)، وقد ظل هلال كادوقلي يقدم مستويات رفيعة في المنافسة، وكثيراً ما جندل خصومه من القمة وحاز على مراكز متقدمة في الممتاز. إبداع المكان لمن لا يزال يتحرى خاتمة في هذا التقرير؛ لا مزيد من القول سوى أن تنوع مدينة كادوقلي يبدع بصورة معنوية، بعناصره القبلية المتعددة، في رسم صورة زاهية لتعزيز التلاقح والتعايش والتساكن من أجل إضفاء مسحة من التصاهر الخلاق.. تماماً مثلما أن إبداع المكان المادي يتبدى للمكان، من حيث الطبيعة والتلال وفنون الناس؛ لعله مجتمع مدينة فاضلة، تذوب فيها الفوارق العرقية والثقافية وتختفي، في وقت لا تختفي فيه الآمال.. في وقت تنعقد فيه التطلعات نحو المزيد من الاستقرار، وضخ مشروعات التنمية في الولاية حتى تعود سيرتها الأولى اليوم التالي