"البرنامج مخجل وما فيهو سياسات واضحة عشان البلد تمشي لقدام". بتلك العبارات صب وزير المالية الاسبق عبد الرحيم حمدي جام غضبه على السياسات الاقتصادية بالبلاد مبديا تأسفه على الوضع الذي وصفه بالسئ مقارنة ببداية عهد حكومة الانقاذ، حمدي وجه عدداً من الرسائل وطلب من ممثل رئاسة الجمهورية والي ولاية الخرطوم الفريق اول مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين الذي ترأس جلسة المجلس الأعلى للاستثمار بنقلها إلى القيادة العليا بالبلاد أجملها في عدم مقدرة البرنامج الخماسي الاقتصادي على إحداث تغيير اقتصادي، واصفاً إياه بأنه توسعي وإنشائي جداً لا يحتوي على أرقام وموارد. الحديث عن فشل البرامج والسياسات أصبح كثيراً لكن أهمية ما قاله حمدي أنه جاء من أحد أعمدة القطاع الاقتصادي بالدولة وأحد عرابي السياسات الاقتصادية بالمؤتمر الوطني والحكومة ولذا فإنه جاء مؤثراً وعميقاً فقد "شهد شاهد من أهلها". ربما دق حديث حمدي ناقوس الخطر لدى خبراء الاقتصاد، فقد اعتبر وزير الدولة بوزارة المالية الأسبق د. عز الدين إبراهيم عندما تحدث ل(الصيحة)، حديث د. عبد الرحيم حمدي جيداً من حيث النظرية، إلا أنه تساءل عن البديل للبرنامج الخماسي مبيناً أن حمدي لم يتطرق لذكر بديل عند انتقاده البرنامج الخماسي، وقال إن البلاد في أشد الحوجة إلى البديل، وأضاف أن حديث حمدي ينطلق من منطلق شخص ويؤكد أنه أصبح يائساً ومحبطاً ومتألماً من الوضع الحالي لكنه لا يمتلك بديلاً وبالتالي وضع نفسه في ذات النقد الذي تحدث عنه. صورة سوداء وربما لا ينظر عز الدين للبرنامج الخماسي بذات النظرة السوداوية التي ينظر بها حمدي فالصورة السوداء أمام ناظري حمدي فقط مشوهة عند عز الدين الذي يرى أن البرنامج الخماسي جيد من حيث التخطيط لكنه يفتقد آليات التنفيذ والصرامة فيها، جازماً بأن هنالك سياسيات تضمنها البرنامج لكنها لم تنفذ منها السماح للمغتربين بالاستيراد بدون عملة والتي جاءت أيضاً في البرنامج الثلاثي إلا أنها لم تنفذ بجانب الاهتمام بالصناعات والتنوع فيها وعدم الاعتماد على الزراعة فقط، لافتاً إلى أن البرنامج ليس منزلاً من السماء أو بقرة مقدسة لذا فإن وجد الجديد أو البديل يمكن أن يرمى في سلة المهملات وقال: "إذا كان لدى حمدي برنامج يجب أن يطرحه للجميع للاتفاق أو الاختلاف معه وعلينا عدم إلقاء اللوم على البرنامج الخماسي على كل حاجة وإنما يجب اتخاذ القرارت المؤجلة والصعبة التي جاءت به مثل رفع الدعم الذي جمد في البرلمان لجهة أن التأجيل لم يعد يتناسب مع الوضع الحالي". داعياً وزير المالية لفتح الباب للمقترحات والسياسات البديلة من قبل الخبراء سواء كانت معززة للبرنامج أو التخلص منه في ظل عدم وجود نتائج للبرنامج الخماسي. إيقاف حرب وإن كانت نظرة عز الدين تتجه نحو بديل ناجح أو اتخاذ إجراءات صارمة فإن الخبير الاقتصادي دكتور هيثم محمد فتحي يرى أن عملية الإصلاح الاقتصادي في البلاد تتطلب إيقاف الحرب بدارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق فضلاً عن التخطيط الاستراتيجي لتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد وسن التشريعات الداعمة بجانب توفر الإرادة السياسية المطلوبة لاستكمال البرنامج الخماسي 2015- 2019 ومكافحة الفساد وتنفيذ توصيات المراجع العام وتفعيل الرقابة على الأموال العامة، مشيراً في حديث ل(الصيحة) إلى أن الدولة وضعت عدة برامج إسعافية للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهها الاقتصاد، حققت جزءاً من اهدافها، منوهاً إلى أن تنفيذ الحكومة البرنامج الخماسي للأعوام 2015- 2019م مواجه بعدة تحديات تتمثل في الانخفاض الحاد في الإيرادات العامة وفي عائدات الصادرات بجانب تزايد الإنفاق الحكومي على المستويين الاتحادي والولائي وضعف الإنتاج في القطاع الحقيقي، وبالتالي ضعف العائد من الصادرات غير البترولية، الزيادة في تحويلات العمالة الأجنبية وأرباح الاستثمارات للخارج بالإضافة إلى تراجع أهداف الاكتفاء الذاتي من القمح والزيوت النباتية وسلع أخرى بسبب التشوهات الهيكلية في القطاعات الإنتاجية. شبه مستورد هيثم فتحي يرى أن السودان حدثت فيه متغيرات كثيرة في السوق المحلية جعلته من شبه مكتفٍ ذاتياً إلى شبه مستورد للمواد الغذائية مما جعل أسعار الدولار تلعب دوراً رئيسياً في تسعير السلع الأساسية في الأسواق، مشدداً على أهمية توجيه جميع الإمكانيات والموارد المتاحة في مجال التمويل لقطاعات الإنتاج التي يستهدفها البرنامج في القطاع الزراعي والصناعي لدعم الإنتاج حتى في حالة اللجوء إلى التمويل بالعجز وقال إن ذلك يتطلب وضع سياسات داعمة ومشجعة للعملية الانتاجية، جازماً بأن المخرج من الأزمة الاقتصادية يكمن فقط في الإنتاج وزيادة دعم وتحفيز وتشجيع الإنتاج والصادر ويربط نجاح البرنامج الخماسي بزيادة الإنتاج وتشجيع وتحفيز الصادر ليسهم بصورة كبيرة في تحقيق الاستقرار لسعر الصرف ووقف تدهور قيمة العملة الوطنية، مؤكداً أن المعالجات الحالية لم تسهم في إيقاف حدة الارتفاع التي ظل يشهدها سعر الدولار فضلا عن ضرورة العمل على تشجيع وتحفيز الإنتاج الزراعي والصناعي وتحريره من القيود والسياسات المكبلة والمقيدة له. ونوَّه إلى أن الضرائب شهدت زيادة متصاعدة في الرسوم والجمارك من عام 2011 إلى الوقت الراهن والتي لها آثار سيئة على تكاليف المنتجات المحلية على قلتها مما أثر في معدلات التضخم فزادت الأسعار. ويقول هيثم إن من الطبيعي أن تسعى الحكومة إلى تخفيض الإنفاق الحكومي بدلاً عن زيادة الإيرادات عن طريق الرسوم والضرائب، الأمر الذي اعتبره الطريق الذي سيؤدي إلى توازن الاقتصاد بشكل نسبي، وذكر أن عدم توفر أموال كافية للتنمية أو الخدمات الأساسية للمواطنين مثل الصحة والتعليم هو أحد أسباب عجز الميزانية التي تتم تغطيتها عن طريق القروض الداخلية والخارجية. وأضاف: "هذه الديون تضر بالاقتصاد الوطني وهي سبب من أسباب التضخم ولها علاقة وطيدة بتبعية الخارج". تقليل انفاق وعاب هيثم على البرنامج الخماسي التركيز على زيادة الإيرادات وإهمال زيادة الأجور والمعاشات إضافة إلى أنه تحدث عن الإنتاج ولم يتطرق إلى المنتجين، وعكس صورة مناقضة من نتائج البرنامج الذي كان من المفترض أن يعمل على تخفيض الإنفاق الحكومي بصورة فعلية وكسر الحصار الاقتصادي بجانب محاربة الفقر وزيادة الإنتاج والعمل على جذب أموال المغتربين من الخارج والمستثمرين الأجانب والمحلين وزيادة الصادرات وإحلال الواردات وتحسين أوضاع العاملين في الدولة ووقف الهجرة والنزيف إلى الخارج، لافتاً إلى أن الصادرات تضاءلت في مقابل زيادة الواردات لدرجة وصل فيها العجز في الميزان إلى نحو 5 مليار دولار في عام الماضي ولم يحدث أي زيادة في تحويلات المغتربين بل تقلصت لأن الفارق بين السعر الرسمي والسوق الموازي قرابة 100٪ فالتحاويل تتم خارج الجهاز المصرفي ومازالت الهجرة مستمرة من الريف للمدن بسبب الفقر ومن السودان للخارج لزدياة نسبة البطالة وتدني الرواتب للعاملين بالدولة. الصيحة