لأسباب متعددة يقبل الناس على العشابين ومحلات العطارة بحثا عن علاج لأمراض أعيتهم ظروفهم الاقتصادية ربما عن تلقيها في المستشفيات والمراكز الصحية الحديثة، والطب التقليدي هو صنو الطب الحديث، ولكن تلاحظ في الآونة الأخيرة امتهان البعض للدجل والغش، تحت واجهة العشابين، مما أساء إلى المهنة التي توارثوها جيلاً بعد جيل، وراح ضحية تلك الممارسات الخاطئة الكثير من المرضى المغلوب على أمرهم. ظل الاتحاد العام للعشابين والطب الأصيل يسعى منذ عام (2010) لتقنين مهنتهم وتنظيمها عبر سياسة قومية للطب التقليدي وطب الأعشاب. وفي (2017) أعلنت وزارة الصحة الاتحادية عن إدخال العشابين في الوصف الوظيفي، بعد إجازة السياسة القومية للطب التقليدي وطب الأعشاب التي يأمل تنفيذها قبل نهاية هذا العام، كيف يمكن أن تكون فاعلة وذات مردود إيجابي؟ وكيف تشكل خطراً على الإنسان؟ مخاطر أقل نفى المعالج العشابي إبراهيم عبد الفضيل أن تكون تكلفة العلاج بالإعشاب هي التي دعت الكثريين للتداوي به. وأرجع السبب لتخوفهم من استخدام العلاج الكيميائي واعتقادهم أنها السبب في إصابتهم بالأمراض المستعصية ولديها تأثيرات ضارة على جسم الإنسان. وقال: "مهما كان وضع المريض المادي فهو لا يفكر سوى في العلاج لذلك لا ينظر لتكلفته بقدر ما ينظر لفعاليته ومأمونيته، وأن الذين يأتون للعلاج بدافع محدودية دخلهم قلة لا تذكر". وأضاف: "أهم من العلاج التشخيص لذلك على المريض اختيار معالج عشاب ذي خبرة يستطيع تشخيص حالته، ومن ثم إعطاءه الوصفة الصحيحة". ولفت إلى انتشار المتاجرين بالأعشاب أساءوا لسمعة العشابين بوصفاتهم الخاطئة. وأشار إلى أن المخاطر تنجم جراء الجرعة الزائدة أو خلط مكونات ليس لها علاقة بالمرض. وقال: "رغم ذلك مخاطر الأعشاب على جسم الإنسان أقل ويمكن تداركها من العقاقير الطبية التي يمكن أن تعجل بحتفك إذا تناولت وصفة خاطئة أو جرعة زائدة. وأكد أن السياسة التي تقوم بها إدارة الصيدلة بوزارة الصحة الاتحادية تمثل حماية وسنداً للعشابين، وتقنين المهنة، وتشجع العشاب على التطوير والتدريب في المجال. معاهد تدريب وجامعات أشار عبد الله معتصم الأمين العام للاتحاد العام للعشابين والطب الأصيل إلى أن المسجلين لديهم قرابة الألفي عشابي، منهم (1600) عشابي في ولاية الخرطوم، ونحو (400) من ولايات مختلفة، مؤكداً وجود عشابين في أنحاء مختلفة من السودان لم يتمكنوا من تسجيلهم بعد، مشيراً إلى احتواء السودان على أكثر من ألفي عشبة تتحول إلى دواء وغذاء وتحضر في شكل صيدلاني. وقال: "من هنا تكمن أهمية العشابين وضرورة تقنين مهنتهم التي تتيح تطبيق استراتيجية منظمة الصحة العالمية الأولى (2002 – 2005)، وانتهت في (2013)، التي أوصت بإنشاء معاهد لتدريب العشابين الموجودين وجامعة لتخريج جيل جديد من الأطباء، وخلق آلية بين العشابين والأطباء والصيادلة حتى تكون هناك لغة مشتركة في الأبحاث، بجانب تشجيع الاستثمار في مجال النباتات الطبية والعطرية وإدخالها كمدخل نقدي للاقتصاد السوداني". وأضاف: "لم تكن هناك إرادة سياسية ذاك الوقت لإنزال هذه السياسة القومية إلى أرض الواقع، وكان تصدير النباتات الطبية والعطرية يمكن أن يعود للسودان بأكثر من مليار دولار خلال خمس سنوات فقط، لأنها تدخل في عملية التصنيع الدوائي في أوربا، واستفادت مصر من ذلك، واستدرك "يمكننا الآن تدارك الموقف". أصحاب مصلحة ويؤكد عبد الله أنهم ظلوا على مدى سبع سنوات يطالبوا يتقنين وضعهم وإصدار سياسة واضحة بشأن المعالجين التقليدين لأنهم أصحاب مصلحة. وقال: "لذلك نطالب بأن نكون ضمن المجلس الأعلى للطب الشعبي أو التقليدي، وأعضاء لجان، لأن وجودنا كمشرعين يمكننا فرض القرارات على أعضائنا". وتابع: "تقنين المهنة وضبط الممارسة فيها رسمياً والعمل من داخل منظومة الدولة يمكننا إنشاء مراكز جديدة للبحث تدرس الأعشاب السودانية ومكوناتها وعناصرها الفعالة وإدخالها في كلية الصيدلة ودراسة الأعشاب. وحذر من التعامل مع مفترشي الأرض أو الذين يستخدمون سيارات متجولة واعتبرهم آثاراً سالبة للتداوي بالطب التقليدي لكمية المخاطر التي يمكن أن تحدث، مؤكداً وجود مواصفات مقايسة للدواء ومواصفات لطرق جمع العشبة وتجفيفها وتخزينها لأنها سريعة العطب، وتفقد عناصرها الفعالة سريعاً، فضلاً عن تطحلب جذور بعض النباتات وأفرعها الغضة لتصبح سامة، غير أن تنقلهم المستمر يمكنهم من الإفلات من العقاب إذا ما أساءوا أو أخطأوا. قرار سليم بالنسبة للدكتور الصيدلي عمر عبد الكريم، فإن وضع سياسة للطب البديل قرار سليم، رغم تأخره كثيراً، لافتاً إلى عدد من التساؤلات ستسد الثغرات وتصب في المصلحة. وقال: "السياسة لم تضع لوائح تقيد وتنظم العلاج التقليدي، وتساءل كيف ستنظم عمل الفكي الذي يحضر وصفته ب (ايد فندك)، كيف ستخضع أدواته للائحة أو السياسة". وأشار إلى تخصص الممارسين في التهاب المفاصل وخفض معدل السكر وعدد من الأمراض كيف يمكنه قياس السكر ومن ثم علاجه، وفي طرق التخزين والقياس كتب يتم التخزين في عبوات بلاستيكية وجوالات من الخيش، فيما تتمثل أدوات القياس عادة في ملاعق المائدة وحدات قياس (أوقية أو جرام) أكواب شاي وفنجان قهوة والموازين الحساسة، مقياس كبيرة مقابل جرامين كأعلى مقياس صيدلاني، لذلك لابد من دراسة الممارسة القديمة وتعديل ما فيها من خلل حتى في طرق التخزين لأنها غير آمنة للنبات وتفسده. وأشار د. عمر إلى أن المبادئ والأسس العامة للسياسة كشفت عن أن إساءة ممارسة الطب التقليدي وصلت إلى مراحل منذرة بالخطر. وأوضحت أن الممارسين غير مؤهلين وورثوها عن الآباء، وكيف ستوضع لهم منهجيات للبحث والتقييم للطب التقليدي وطب الأعشاب، لذا يجب استيعاب عشابين بصورة علمية ووضع معيار للجهاز الرقابي في المجلس القومي للصيدلة والسموم، كذلك تدور المسودة حول طب الأعشاب، ولم تذكر شيء عن الطب التقليدي، وهل سيتبع منهج التدريب والتعليم المستمر في مجال الطب التقليدي والأعشاب لكليات الصيدلة أم ستنشأ كليات منفصلة. وأضاف د. عمر أن المسودة تحدثت عن المحل والشخص والعشبة، إلا أنها لا تزال مبهمة في كيفية ضبط العشبة التي تستخدم بدون دراية وسببت العديد من الكوارث، لذا من المهم سن قوانين وتشريعات وإيجاد آليات تنفيذيه وجهات رقابية رادعة. أعشاب غير مضمونة من جهته، قال رئيس لجنة السياسة القومية للطب التقليدي وطب الأعشاب البروفيسور سامي أحمد خالد في تصريحات سابقة: "أطلس السودان للنباتات الطبية يضم أكثر من (2000) عشبة طبية جمعت من مناطق مختلفة من البلاد، ولا تزال سلامتها وفعاليتها غير مضمونة أو موثوقة بسبب غياب الفحوصات المخبرية، في ظل انتشار ممارسة الطب التقليدي وتفشي التلاعب بالوصفات الطبية والغش وصلت مراحل تنذر بالخطر، فبات من الواجب السيطرة عليه بصورة حاسمة وعادلة من خلال السياسة القومية للطب البديل". اليوم التالي