الأتفاق الذى اكتمل مؤخراً بين المجلس العسكري الإنتقالي وقوى الحرية والتغيير في السودان بوساطة أثيوبية – افريقية توصل الى اقتسام للسلطة في المرحلة الأنتقالية ارضى الطرفين ورسم خريطة واضحة لملء المناصب الدستورية سواء كانت في المجلس السيادي بالمناصفة والرئاسة الدورية أو فى مجلس الوزراء الذى تختار وزراءه قوى الحرية والتغيير ويجيزهم المجلس السيادى. اما المجلس التشريعى فسيتأجل البت فى أمره تسعين يوماً والمؤمل ان تكون سلطاته رقابية وان يوفر اوسع قاعدة للتمثيل القومي. الأتفاق في مجمله مكرس لمعالجة طرق تكوين الهياكل الدستورية للمرحلة الانتقالية عدا قضية وحيدة خارج هذا الاطار حرصت قوى الحرية ان يتضمنها الاتفاق وهي قضية التحقيق الحر والمستقل والمهني في كل أحداث قتل المتظاهرين التى سبقت وتواصلت اثناء عملية فض الاعتصام وما الحقته من خسائر بشرية بالثوار وهي كارثة وطنية مؤلمة لن يرتاح الضمير الا بعدما يكتشف كل ابعاد هذه الاحداث المؤسفة وان تتم محاسبة الجهات المسؤلة عن ارتكاب هذه الجرائم البشعة ولقد حق لقوى الحرية والتغيير ان تتمسك بالتحقيق المستقل تحت رقابة الاتحاد الأفريقي وأملنا ان يبدأ فوراً وان تظهر نتائجه بأسرع ما يمكن حتى نقفل هذا الملف الدموي. وللسودان خبرة في التحقيق في احداث مشابهة منذ لجنة التحقيق الاولى برئاسة القاضي قطران وعضوية رجل البوليس المقتدر والدبلوماسي لاحقاً خليفة محجوب والزعيم القبلي الجنوبي لوليك لادو وهي اللجنة التي حققت في الملابسات والظروف التي احاطت باحداث تمرد الفرقة الاستوائية في اغسطس عام 1955م وحوادث القتل التي صاحبتها وما زال التقرير الذي اصدرته اللجنة مرجعاً موثقاً لكافة الحقائق المحيطة بهذا الامر بعد أن تقصت اللجنة أمر تلك الاحداث بدرجه عالية من المهنية والنزاهة. وللسودان الأن العديد من قضاة التحقيق ووكلاء النيابات ورجال الشرطة الذين اجادوا التحريات واعمال التحقيق واذا كلفوا بهذا الأمر فأنهم سيصلون لجذور تلك الاحداث المؤسفة التي فقدنا فيها شباباً اعزاء علينا وعلى وطنهم ولن يهدأ لنا خاطر حتى تتجلى الحقيقه ونعرف على وجه التحديد ماذا حدث فى تلك الاحداث التى سبقت ولحقت فض الاعتصام بكل نتائجه المأساوية. لجنة القاضي قطران تشكلت يومذاك تحت قانون لجان التحقيق لسنة 1954 وهو قانون ما زال ساري المفعول وقد لجأنا اليه في العديد من حالات التحقيق والقانون يعطي رئيس الجمهورية أو اى من الوزراء الحق فى ان يصدر امراً بتعيين لجنة للتحقيق في اي حادث أو موضوع يرى ان الصالح العام يقتضي اجراء التحقيق فيه ويحدد امر التشكيل الصادر بموجب هذا القانون اسماء رئيس واعضاء اللجنه وصلاحياتها وسلطاتها ومواضيع التحقيق ويشترط القانون على اعضاء لجنه التحقيق ان يقوموا (باجراء تحقيق كامل بإخلاص وحيدة في الموضوع الذى حدد لتلك اللجنة) ويحق للجنة بموجب السلطات التي يمنحها لها القانون ( ان تصدر اوامر تكليف لاى شخص بالحضور امامها … كما يجوز لها ايضا ان تستجوب ذلك الشخص على اليمين… وان تطلب أو تأمر بتقديم كل الدفاتر والأوراق والمستندات التى ترى انها ضرورية لاغراض التحقيق وان تصدر امراً بالقبض على اى شخص كلف بالحضور امامها وتخلف دون عذر مقبول والقانون يفرض على كل شاهد ان يجيب اجابة كاملة وصادقة على كل الأسئلة التى توجهها له اللجنه وتفرض عقوبات على الشاهد فى حاله عدم تعاونه مع اللجنه اذ ينص القانون على ان يعاقب بالغرامه أو بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر او بالعقوبتين معا ًكل شخص يرفض ان يجيب دون سبب كاف أو ان لا يجيب اجابه كامله وصادقه حسب مدى علمه واعتقاده على الأسئله التى توجهها له اللجنه أو يمتنع دون سبب كافٍ عن تقديم اوراق أو مستندات أو دفاتر امرته اللجنه بتقديمها. هكذا فأن اللجنه المشكلة بموجب هذا القانون تمتلك صلاحيات كاملة وسلطات تمكنها من تقصي الحقائق وتفرض على كل الشهود التعاون معها في الوصول للحقيقه ويبقى المطلوب لكى تكون لدينا لجنة فاعلة ان نحسن اختيار رئيسها واعضائها بحيث تتوفر لديهم الكفاءة والقدرة والتجربة في مجال التحريات والتحقيق والشجاعة لمقاومة كافة الضغوط حتى تأتي نتائج التحقيق واضحة وشفافة تحدد حقيقة ما حدث ومن المسئول عن هذه الجرائم البشعة. ان الشباب الذى قاد هذا الحراك الثوري خرج وهو مستعد تماماً خلال مواجهته مع قوى الانقاذ ان يضحي بحياته فى سبيل قضيته ولكنهم وكلنا معهم لا نستطيع ان نفهم او نهضم ان يتواصل الموت ولكل هذه الاعداد بعد ان سقط نظام الانقاذ وكل شهيد بعد الحادي عشر من ابريل يشكل موته جريمة مكتملة الاركان وكلنا نتطلع لان نعرف على وجه التحديد كيف حدث ما حدث ومن هو المسئول عن كل تلك الاحداث!!