دخلت المفاوضات بين المجلس العسكري السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير نفقاً مظلماً بعد يوم واحد من إحياء السودانيين لذكرى مرور 40 يوماً على مجزرة فض اعتصام محيط القيادة العامة للجيش، والتي راح ضحيتها أكثر من 100 من المعتصمين. وكان مئات الآلاف من السودانيين قد خرجوا يوم أمس السبت للشوارع في مواكب "العدالة أولاً" بالعاصمة الخرطوم وعدد من المدن السودانية لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة لحكومة مدنية، في وقت تأجلت فيه جلسة معلنة مساء السبت بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير بعد بروز خلافات عميقة بين الطرفين تتعلق بتحويل الاتفاق السياسي الذي تم التوافق عليه إلى إطار قانوني، إذا فشلت لجنة فنية شكلها الطرفان في الوصول إليه على مدار الأسبوع الماضي. ونصت وثيقة الاتفاق السياسي التي تم الانتهاء منها فجر الجمعة (5 يوليو/حزيران) على تشكيل مجلس السيادة من 5 عسكريين يقوم باختيارهم المجلس العسكري و5 مدنيين تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير بالإضافة لشخص آخر مدني يتفق عليه الطرفان. وحددت الوثيقة مدة الفترة الانتقالية ب39 شهراً من تاريخ توقيع الاتفاق منها 21 شهراً تكون فيها رئاسة مجلس السيادة للعسكريين و18 شهراً لمدني تختاره قوى إعلان الحرية والتغيير. كما نصت على تشكيل مجلس وزراء تختار رئيسه قوى إعلان الحرية والتغيير ويقوم رئيس الوزراء باختيار وزراء لا يتجاوز عددهم العشرين بالتشاور مع قوى إعلان الحرية والتغيير. ولم يتمكن الطرفان من الاتفاق على صيغة تشكيل المجلس التشريعي، لذا تأجل تشكيله لفترة أقصاها 3 أشهر مع تمسك قوى إعلان الحرية والتغيير بنسبة 67 في المائة تم التوافق عليها سابقاً فيما طالب المجلس العسكري بمراجعة تلك النسبة، وذلك طبقا لما جاء في الوثيقة نفسها التي أقرت تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في مجزرة القيادة العامة في الثالث من الشهر الماضي، وغيرها من الجرائم التي ارتكبت منذ 11 إبريل/ نيسان الماضي، تاريخ سقوط نظام الرئيس عمر البشير وبداية حكم المجلس العسكري. وتلا التوافق على وثيقة الإعلان السياسي تسليم الوساطة الأفريقية الإثيوبية للأطراف وثيقة الإعلان الدستوري التي تخضع حسب بيان لقوى الحرية والتغيير للدراسة من جانبها ومن الكتل والأحزاب التي تشكل تحالف الحرية والتغيير، لكن الحزب الشيوعي استبق جميع الأحزاب بموقف رافض تماما لمسودة الاتفاق السياسي ومسودة الإعلان الدستوري أيضا بحجة أنها لا تلبي تطلعات الجماهير في تحقيق أهداف الثورة والتحول الديمقراطي. ويعد الحزب الشيوعي واحداً من الأحزاب التاريخية في السودان ومكوناً رئيساً في كتلة قوى الإجماع الوطني التي تشكل مع كتل أخرى "تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير". وذكر بيان صادر عن الحزب أن أول تحفظاته على بنود الاتفاق تتمثل في الإبقاء على كل القوانين المقيدة للحريات، وعلى دولة التمكين، وعلى كل المؤسسات القمعية، ذاكراً منها مليشيات الدعم السريع، وجهاز الأمن بدلاً من إعادة هيكلته لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وكتائب الظل، ومليشيات الدفاع الشعبي، والوحدات الجهادية والتي اتهمها جميعها بلعب دور في فض الاعتصام. كذلك انتقد الحزب الشيوعي الإبقاء على اتفاقات وقعها نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، أبرزها بقاء القوات المسلحة السودانية ضمن الحلف العربي الذي يخوض حربا في اليمن، باعتبارها تمس سيادة البلاد. وانتقد الشيوعي بشدة تنازل قوى إعلان الحرية والتغيير عن نسبة الثلثين في المجلس التشريعي الانتقالي. وأوضح أن الاتفاقية بشكلها الحالي لا تساعد في الحل الشامل والعادل لقضايا المناطق الثلاث، وربما تؤدي لتعميق الحرب وإثارة النزعات الانفصالية في ظل مواصلة هيمنة النظام البائد وجرائمه في تلك المناطق، كما شمل الرفض ما جاء في الاتفاق حول لجنة التحقيق المستقلة، وشدد على التحقيق الدولي في جريمة فض الاعتصام. وبخصوص مجلس السيادة المقترح في مسودة الاتفاق، قال الحزب إنه يسير "باتجاه جمهورية رئاسية، عبر تدخل مجلس السيادة في تعيين رئيس القضاء والنائب العام والمراجع العام حتى قيام المجلس التشريعي"، منتقدا في الوقت نفسه منح المجلس "حصانة فوق القانون". وفي ذات السياق، ذكر بيان منفصل لقوى إعلان الحرية والتغيير أن مسودة وثيقة الإعلان الدستوري تخضع الآن للدراسة وسط مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، وأن هناك عددا من التحفظات عليها، مشيراً إلى عقد اجتماع مشترك اليوم لوفدي التفاوض لنقاش النقاط العالقة المتبقية وحسمها تمهيداً للتوقيع على الاتفاق النهائي ونقل السلطة لسلطة مدنية انتقالية. من جهته، أكد ساطع الحاج، القيادي بقوى الحرية والتغيير ل"العربي الجديد" أن كل الكتل السياسة لقوى إعلان الحرية والتغيير تقوم بدراسة وثيقة الإعلان الدستوري، لافتاً إلى أن كثيرا منها أجمعت على عدد من الملاحظات المشتركة، مستبعداً انعقاد جلسة مفاوضات مباشرة خلال اليوم كما قررت ذلك الوساطة الأفريقية الإثيوبية. وأشار الحاج إلى أن صدور بيان منفصل من الحزب الشيوعي لا يعبر عن أي خلاف وسط الحرية والتغيير باعتبار أن من حق أي حزب التعبير عن نفسه، مؤكداً أن الموقف النهائي من الوثيقة سيكون محل إجماع كل المكونات. واستبعد الحاج فرضية استفادة المجلس العسكري من أي تباين في وجهات النظر داخل الحرية والتغيير للتوقيع بصورة منفردة مع بعض الكتل وتجاوز كتل أخرى، موضحاً أن المجلس يفتقد السند الشعبي وبالتالي يجد نفسه غير قادر على اتخاذ أية خطوات بعيدة عن الحرية والتغيير. وفي موازاة ذلك، أعدت قوى إعلان الحرية والتغيير جدولها الأسبوعي المعتاد للحراك الثوري والذي يبدأ اليوم بمشاركة الفرق الشعبية والمجموعات والمبدعين في ذكرى شهداء الثورة والتوقيع على دفتر الحضور الثوري إضافة لدعوة المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان لمواصلة الرصد المنظم للانتهاكات وفتح البلاغات الجنائية، كما حددت يوم غد الاثنين يوماً لمشاركة الطرق الصوفية فى ذكرى الشهداء، مع مظاهرات ليلية للمطالبة بالعدالة أولاً على أن يخصص يوم الخميس لمواكب مليونية. العربي الجديد iframe class="lazy lazy-hidden" title="مليونية "العدالة أولاً" في الخرطوم تنديداً بالمجلس العسكري" width="708" height="398" data-lazy-type="iframe" data-src="https://www.youtube.com/embed/OkaJZ9GoNBA?feature=oembed" frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen