اليوم أضع على كاهل الحكومة الجديدة والمسؤولين عن (نقلها ومواصلاتها وتجارتها واقتصادها) أمراً واحداً لا يقبل التأجيل.. هو (إحياء سكك حديد السودان)..وسيكون الوطن على يقين بأنه متى ما دوّرت القطارات حديدها فإن السودان ستدور ماكينة حياته واقتصاده.. فالسكة حديد هي الأم الرءوم للحياة والاقتصاد والتمازح القومي والإنساني والتلاقح بين محاصيل الوطن.. ووجدانه ..! ولا أملك اليوم غير أن ألهج بأهمية وضرورة الإسراع بأقصى ما نستطيع لإعادة تأسيس السكة حديد وإيقافها على أرجلها ( أو قضبانها) مرة أخرى.. وسأعود لكلام سابق أشرت فيه إلى السكة حديد لأقول إننا نأمل ونرجو ونريد ونعشم أن تكون مشروعنا القومي العاجل (هي ومشروع الجزيرة الذي يجب أن يُذكر منفرداً..لأنه العملاق الأخر الذي جارت عليه الإنقاذ لا بارك الله فيها وفي مَنْ يريد إعادتها وفي ذكراها العطنة النتنة التي تثير الغثيان وتستدعي كل شرور الدنيا.. فالحمد لله الذي أذهب الأذى عن السودان وعافاه…"نحمده بعدد زِنة عرشه ومداد كلماته"..! كنت قلت إنك حين تنظر إلى السودان البلد الشاسع الواسع بموارده الغنيّة وتنوّع أقاليمه وبيئاته وسبل كسب العيش فيه، واختلاف ثرواته وثمراته، تجد أن السكة حديد هي المشروع الذي ينتشله من وهدة الركود والجمود والخمود والهمود.. فجانب (الجدوى الاقتصادية) الناشئة من تباعد مناطق الإنتاج عن مواطن الاستهلاك ومنافذ التصدير.. هي (مصهر الوحدة الوطنية) وبوتقة التفاعل لبلد يتميّز بتنوعه البيئي والجغرافي الفريد.! وهي (عضم ضهر) الاقتصاد والمعيشة ووسيلة (النقل الرخيص) الذي تتكفّل الدولة بضبط تسعيرته للفقير والعاني، حتى لا يكون النقل والانتقال وقفاً على القادرين.. ولها مزيّة (المؤسسة التشغيلية الكبرى) التي تستوعب عشرات ومئات والآف العاملين في وظائفها العديدة من عطشجية ومحولجية ومهندسين وسائقين وكماسرة و(تذكرجية) وحملة أعلام ومفتشين ومسيّرين ومديرين ومخططين ومحاسبين ومراجعين وعمال دريسة وفنيي تغذية وجرسونات..الخ وما في ورش وجملونات الصيانة من مبدعين ومبتكرين وصنايعية وميكانيكيين وبرادين وحدادين ولحّامين وسمكرجية وصانعي فلنكات وقضبان وروابط وبواكم..وهلمجرا.. وهي الناقل الأكبر والأضخم والأسرع والأرخص والأكثر أماناً ..كما أنها الجسر الرابط والعابر بين البلدات والقرى والحواجز الفدرالية والحدود المصطنعة والطبيعية..! السكة حديد هي إحدى الجبهات والمشروعات التي ينبغي الالتفات إليها (من قولة تيت)..بعد أن تخلّصنا من (الغيلان والسعالي)…فهي التي تستطيع تجاوز معادلة (الندرة والوفرة) وإعادة الجدوى للمنتجات بتقليل التكلفة ومعالجة الصادر والوارد….المطلوب الآن هو صياغة أولويات إحيائها من جديد وإعادة كوادرها وتحديد مساراتها وتحديث القوة الساحبة وإنعاش التصنيع المحلي ومراجعة سعة القضبان..الخ وما ذهب من السكة حديد يجب إرجاعه؛ من باعه عليه وزره، ومن أخذه عليه ردّه.. وما ضاع منها ليس بالأمر الهيّن: إنه أبحاث وورش وهناجر وطناجر وفناطز وسواحب وروافع ومنازل ومبانٍ وعقارات وهياكل وقضبان ومضارب وملاعب ومزارع ومحطات وآليات ومعدات وأوناش.. وحديد يطاول (برج إيفل)! (لا حياة للقارة السودانية بغير السكة حديد) ومتى عادت واستقامت قدلت محاصيل السودان من الغرب والشمال والجنوب والشرق، وتفسّحت الصادرات وتبرجّت الواردات وانتعشت التجارة والزراعة، وتآنس أبناء الوطن وبناته في مقاصير درجة تانية وتالتة.. اللهم أنصر السودان بأحد المخطوفيَن: السكة حديد أو مشروع الجزيرة!! …أو بكليهما!