الفاشر... نهب الأجساد وانهيار الإنسانية باشراف الطبيب علاء الدين نقد وعصابة آل دقلو    لجنة الانضباط توقف لاعب النيل سنجة معاذ لعام    المريخ يفتتح مشواره في الدوري الرواندي بمنازلة كييوفو سبورت    حاج ماجد سوار يكتب: خطة الدويلة المضادة    الجيش السوداني يصدّ الهجوم الكبير    أزمة المسؤول السوداني بين تكليف الأمة وتقديس الكرسي    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    شاهد بالصورة.. الناشط البارز عثمان ذو النون يقدم مقترحاً لدمج كل القوات المساندة للجيش في قوة وطنية واحدة    شاهد بالفيديو.. اللاعب بلة جابر: (هيثم مصطفى دخل في خلافات مع مدرب المنتخب الوطني بسبب "الثلج" وعندما عرف قيمته وأهميته بعد سنوات أصبح يشتريه من ماله الخاص)    شاهد بالفيديو.. الحكم السعودي "القحطاني" يرقص ويتفاعل مع أغنية الفنانة ندى القلعة التي تشكر فيها خادم الحرمين وولي العهد وشعب المملكة ويكتب: (ابشروا الى حدكم السودان راجع وبقوة ان شاء الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تمنع الرجال من الصعود للمسرح لمنحها "النقطة" وأحدهم يسقط على الأرض بعد محاولته الوصول إليها    بيان لجنة الأمن بالشمالية حول الأحداث التي صاحبت ضبط القوات المستنفرة بالولاية وابقائها تحت إمرة القوات المسلحة    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم وقف أمامه وأنشد قصيدة.. "تمثال" قائد الجيش "البرهان" يثير جدلاً واسعاً وسط تعليقات متباينة ما بين مشيدة ورافضة (الكاهن يستحق أكثر من ذلك ورجعنا لعبادة الأصنام)    فينيسيوس يسير عكس ريال مدريد    توثيق جرائم السودان ينتقل لمرحلة حاسمة.. والفظائع ترصد من الفضاء    عقار يبحث تعزيز العمل الإعلامي ويشيد بدور وزارة الثقافة والإعلام والسياحة والأجهزة الإعلامية في دعم القوات المسلحة    من عامل يومية بسيط إلى رجل أعمال بثروة تقدر ب 7 مليار دولار.. قصة بداية رجل الأعمال والبر والإحسان أزهري المبارك صاحب مخيمات اللاجئين بالولاية الشمالية تثير تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل    ((لاتستهينوا بلوبوبو؟))    شاهد بالصور.. المقرئ السوداني الشهير "شيخ الزين" يثير تفاعلاً إسفيرياً واسعاً بعد ظهوره بإطلالة شبابية ب"الجينز" والجمهور: (أنيق تبارك الله ما يسحروك وأعمل حسابك واتحصن من عين البنات)    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    لاعبو ليفربول "يفسدون" احتفال صلاح بليلته التاريخية    تواصل تسجيلات اللاعبين لأندية الإنتساب بحلفا الجديدة    تمثال الجندي العائد .. رمزية تتجاوز السياسة    شاهد بالفيديو.. في لقطة تصدرت "الترند" على مواقع التواصل السودانية.. محترف الهلال جان كلود يستعرض مهاراته ويهين لاعب المولودية ويتلاعب به ويسقطه على الأرض    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    هذا المبلغ مخصص لتكملة مشروع مياه القضارف وتتلكأ حكومة الولاية في استلامه لأسباب غير موضوعية    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    استئناف حركة المرور في معبر الرقيبات بين دارفور وجنوب السودان    البحر يبتلع عشرات السودانيين الهاربين من جحيم بلادهم    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    قرار لسكان الخرطوم بشأن فاتورة المياه    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الذكاء الاصطناعى وإرضاء الزبون!    شبح شفاف.. مفترق بين الترقب والتأمل    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعاطي مع التضخم كأحد أهم عناصر الطلب الكلي (أ)
في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية (9- 100)
نشر في الراكوبة يوم 24 - 10 - 2019


تعريف التضخم:
التضخم هو ببساطة إرتفاع عام فى الأسعار على مستوى الاقتصاد القومى (لبلدٍ كالسودان)، وبالتالى معدل التضخم يقيس النسبة السنوية فى زيادة الأسعار، لا سيما أسعار التجزئة. وعلى الدولة أن تنشر مِقياس شهرى لأسعار التجزئة كما يفعل الجهاز المركزى للإحصاء السودانى الآن، وبالتالى معدل التضخم يصبح هو نسبة الزيادة فى ذلك المِقياس على سبح الإثنَىْ عشر شهراً.
ومن الممكن أن يوفر الجهاز المركزى للإحصاء معدلات تضخم لأىِّ نوع من الأسعار المختارة، فمثلاً: يمكن نشر مقاييس شهرية للسلع الرأسمالية، الغذائية، المنازل، سلع الوارد، السلع بعد أخذ الضرائب، وعلى ذلك قِسْ. وبالتالى المعدلات المتتالية للتضخم لهذه السلع، هى ببساطة الزيادات فى النسبة المئوية لهذه المقاييس. وبنفس القدر يمكن أن نعطى معدل تضخم لمعدلات الأجور، ويسمى تضخم الأجور.
ودعونا نلقى بعض الضوء على مصطلح التضخم. فحين تزيد الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم"، وحين تنخفض الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم سلبى"، أكثر منها حالة من الانكماش. إذ أنَّ مصطلح الانكماش عادة ما يُستخدم فى حالة تدخل الدولة بسياساتها المعروفة (المالية والنقدية والائتمانية) لتقليل الطلب الكلى؛ أىْ بالسياسة المُصمَّمة لخفض الإنفاق الزائد فى الإقتصاد.
وهنا علينا ألاَّ نخلط بين زيادة ونقصان التضخم، بالزيادة والنقصان فى الأسعار. فالزيادة فى التضخم تعنى الزيادة السريعة فى الأسعار، والانخفاض فى التضخم يعنى الزيادة البطيئة فى الأسعار؛ وهى زيادة ما بقِىَ التضخمُ موجباً.
وعليه، فالأسئلة التى يجب مواجهتها: كيف نحسب التضخم، وماهى أسبابه، وما هى خطورته، وما هي أنواعه، وما هى علاقته بأهداف/متغيرات الاقتصاد الكلى الأُخرى، وماذا بوسع الحكومة لمكافحته، وهل من أعراض جانبية لتلك المكافحة؟
كيفية حساب التضخم
من جدول السلع الاستهلاكية المُتَمَثَّلة التالي يمكننا حساب المستوي العام للأسعر(وهو سعر السلع في سنة ما / (على) سعر السلع في سنة الأساس مضروباً في 100) وبعد ذلك يمكن لنا حساب التضخم، وهو من السهولة بمكان.
2019 2018 2017 2016 (سنة أساس) السنة/السلع
140 120 111 108 الفول
160 131 113 110 الخضروات
300
________
600
250
_________
501
210
_________
434
200
__________
418
اللحم
_________
المجموع

وكما جاء بعاليه أنَّ التضخم يقيس معدل التغير في المستوى العام للأسعار (أي فهو يقيس نسبة الزيادة السنوية للأسعار – أسعار التجزئة). فمعدل التضخم = المستوى العام للأسعار في السنة الحالية – المستوي العام للأسعار في السنة السابقة (سنة الأساس) / (على) المستوى العام للأسعار في السابقة (سنة الأساس) X100.
وفي الجدول أعلاه سوف نتخذ العام 2016 كسنة أساس. وبالتالي المستوى العام للأسعار لسنة الأساس (CPI 2016) = 418/418 X 100 = 100، وCPI 2017 = 434/418 X 100 = 104، وCPI 2018 = 501/418 X 100 = 120، و CPI 2019 =600/418 X 100 = 144 (المحصلات مقربة لأقرب رقم صحيح).
عليه من أرقام المستوى العام للأسعار بعاليه نستطيع أن نحسب معدل التضخم بين أىِ عامين. فمثلاً معدل التضخم بين 2016 و2017 = CPI 2017- CPI 2016/CPI 2016X 100 = 4%، ومعدل التضخم بين 2017 و2018 = CPI 2018 – CPI 2017/CPI 2017 = 20%، ومعدل التضخم بين 2018 و2019 =X CPI 2018 /CPI 2018 – CPI 2019100 = 144 – 120/120X 100 = 44%.
أسباب التضخم فى السودان:
التضخم فى السودان يكاد يكون أحد متلازمات الاقتصاد السودانى منذ أوائل الثمانيات الفائتة (راجع التقرير القطرى لصندوق النقد الدولى 12/299، نوفمبر 2012).
ولعلَّ أهمَّ أسبابه ومحدداته التى تضمنها تقرير الصندوق عن حالة السودان هى: معدل سعر الصرف، أموال الاحتياط، التسييل النقدى/ضخ السيولة، والأجور.
والشاهد، أنَّ الصندوق يُولى معدل سعر الصرف أهمية أكبر فى التأثير على التضخم فى السودان وذلك فى تقديرى من واقع تأثُّرِ معدل التضخم بالعالم الخارجى مرتين؛ المرة الأولى لكون السودان دولة مُفْرِطة فى التحرير والإنفتاح على العالم الخارجى، وبالتالى هذا الحلول فى الرأسمالية العالمية يجعل التضخم فى السودان شديد الحساسية والتأثر بما يطرأ من تغيرات عالمية ذات صلة بمعدل سعر الصرف داخلياً. والمرة الثانية لحقيقة أنَّ معدل سعر الصرف يساعد داخلياً أيضاً على معرفة التوقعات التضخمية ومحاولة التأقلم معها، وهذا من شأنه أن يزيد فى معدلات التضخم أيضاً (سنعرف لاحقاً أنَّ التضخم من الممكن أن يرتفع – مع ثبات العوامل الأخرى لارتفاعه – لمجرد أن يتوقع النَّاس ارتفاعه).
أما السياسة المالية فتبقى ذات تأثير غير مباشر على التضخم، اللَّهُمَّ إلاَّ حين تبدأ فى التأثير على الأجور، وضخ السيولة الذى قد تلجأ إليه الحكومة عند الضرورة. أما أموال الاحتياط فتكون ذات تأثير بالغ على التضخم فى الأزمنة التى ترتفع فيها معدلات التضخم بشكلٍ كبير (التضخم ذو الخانتين العشريتين، كحالة السودان الآن).
وإذا أمعنا النظر لمعدل التضخم فى السودان، سنجد السِّمة الغالبة لذلك المعدل هى التذبذب، وذلك لعمرى هو أخطر المظاهر السالبة للتضخم على الإطلاق، لتأثيره السلبى المباشر على الاستثمار (خاصةً الأجنبى) وبالتالى على معدل نمو الاقتصاد القومى (فمعدل تضخم كبير مستقر، خيرٌ من معدل تضخم متأرجح بين الصعود والهبوط).
ففى خلال التسع وثلاثين سنة المنصرمة، نجد أنَّ التضخم قد وصل فى النصف الأول من ثمانينات القرن المنصرم إلى 40%. ووصل إلى 130% فى عام 1991، و140% فى عام 1992، وأكثر من 150% (فعلياً 166%) فى عام 1996. وفى هذا الفترة تطلَّب الإفراط فى الانفتاح على العالم الخارجى (بما يعنيه ذلك من توحيد سعر الصرف بين السوق الموازى والرسمى) إلى تخفيض قيمة الجنيه السودانى 2000% (المرجع أعلاه).
أما فى عام 1998، فقد انخفض التضخم تحت إشراف صندوق النقد الدولى إلى 17%، وإلى 8% فى عام 2000م. غير أنَّ التضخم ذا الخانتين عاود الظهور منذ عام 2006 حيث بلغ 19% فى 2011، 37% فى 2012، واستقر على هذا المنوال إلى يوم النَّاس هذا.
وبالرغم من أنَّ أداء الاقتصاد الكلى كان مُرضياً فى الفترة ما بين 1999 – 2010 (معدل نمو حقيقى وصل 6%، والاختلالات المالية والمصرفية كانت متواضعة وانحصرت فى حدود ال 2%، و4% على التوالى كنسب من الناتج المحلى الإجمالى)، إلاَّ أنَّ التضخم شذَّ عن هذا الواقع وظل مرتفعاً فى المتوسط، أى بلغ 13% (المرجع أعلاه).
ولم يبقَ الحال كما هو عليه قبل انفصال الجنوب، إذ بدأ معدل التضخم فى ارتفاعٍ مضطرد، حتى بلغ فى العام 2013م 36.5% (موقع الجهاز المركزى للإحصاء، مارس 2014م)، أما معدل التضخم للسنة 2014م فقد بلغ فى المتوسط (لِ 4 أشهر) 42.2% (المحصلة عُملت من معلومات مأخوذة من: سودانتربيون: 13/10/2014)، وبحسب بنك السودان فقد وصل التخضم في 2015 12.6%، وفي 2016 بلغ 30.5%، وفي 2017 وصل 25.2%، وفي العام 2018 بلغ معدل التضخم في يوليو 63.94% (وبحسب ستيف هانك وصل 182%). أما معدل التضخم في يوليو 2019 فقد وصل 52.59% بحسب سودان تريبيون 08/08/2019 (ولكنه بحسابات ستيف هانك في 15/08/2019 قد وصل 64%).
وبالرغم من أنَّني لا أثق مُطلقاً في كيفية حساب التضخم التي يقوم بها الجهاز المركزي للإحصاء في ظل حكومة الإنقاذ (وقد بينت سبب عدم الوثوق في كيفية حساب التضخم في ظل حكومة الإنقاذ في مقال سابق حيث يقوم المركز القومي للإحصاء، لإعطاء معدل تضخم غير حقيقي ومطبوخ، باللَّعِب في سلة السلع التي يُحسب على أساسها المستوى العام للأسعار- مجموع السلع التي يستهلكها سائر المواطنين)، إلاَّ أنَّ الأرقام بعاليه تعكس ما قلناه آنفاً عن أخطر مظاهر التضخمً، أىْ التذبذب فى معدل التضخم. وذلك بالضرورة يعكس فشل السياسات الضابطة له، ويعكس حالة من عدم الاستقرار الاقتصادى والسياسى المُنَفِّرة للاستثمار المنتج الجاد المحلي والأجنبي.
والسؤال المهم: هل مع هكذا وضع، توجد أيُّ إمكانات فعلية في برنامج البدوي الإسعافي للشهور التسعة القادمة (حتى يونيو 2020) لجعل معدل التضخم مستقراً فى الإرتفاع أو (حبذا) فى الإنخفاض، أم أنَّ الأمر كلَّهُ لا يتجاوز اليَنبغِيَّات؟ وسيستبين ذلك حين الحديث عن دينمائية الطلب الكلى في الجزء (ب) إن شاء الله.
الآثار السالبة للتضخم:
1– تكمن مشكلة التضخم فى أنَّه يحد من قدرة الإقتصاد القومى على النمو إذا كان النَّاس متطلِّعين لتحقيق مستويات معيشية عالية (كالتحوُّل من الفتَّة إلى الهوت دوغ، وما شاكله)، وحين تقل معدلات النمو تزداد البطالة. وبالطبع تكون البطالة مشكلة للمتبطلين أنفسِهِم وللمجتمع ككل؛ ذلك الذى انخفضت منتاجته، وفى نفس الوقت عليه أن يدعم العاطلين عن العمل (هذا إذا كنا دولة مثالية ومسئولة كما كان عليه الحال على أيام بند الهندى).
ولو كان بمقدور النَّاس التنبؤ بمعدل التضخم، وبالتالى عدَّلوا الأسعار والدخول آخذين فى الإعتبار معدل التضخم، فكُلفة التضخم ستكون بسيطة نسبياً. غير أنَّ ذلك يتعذَّر فى أرض الواقع؛ حيث يُخطئ النَّاسُ تقديرَ معدل التضخم، وبالتالى يكونون غير قادرين على التَّأقلم معه. بعبارة أخرى مكرورة، خطورة التضخم تكمن فى حالة التذبذب التى تلازم معدله بالقدر الذى يعجز النَّاس على أخذ ذلك المعدل فى حُسبانِهم وحساباتهم، خاصةً إذا كان معدل التضخم كبيراً (من خانتين كما كان مستطرداً للعام الأول (2015) من البرنامج الخماسي 2015 – 2019).
2– من التداعيات الخطيرة للتضخم هى حالة كونه يعيد توزيع الدخل بعيداً عن أصحاب الدخول الثابتة (كأرباب المعاشات والمفصولين تعسفياً، العمال، والموظفين وأصحاب الأعمال الهامشية: الذين ليست لهم نقابات ومنظمات مجتمع مدنى تمثلهم، وإن وُجدت فهى مخصية فى إطار نقابة المنشأة التى إبتدعتها الإنقاذ)؛ ويُعطيه للذين لهم قوى اقتصادية (كالشرائح الرأسمالية، ولا سيما الشريحة ذات الهيمنة) وقدرة على الدفع، والإيجار، وزيادة الأرباح (المَمَكَّنين رأسمالياً).
وكذلك فإنَّ التضخم يزيد مداخيل أصحاب الأُصول الرأسمالية كالعقارات (شركة التأمين الإسلامية مثالاً؛ تلك التى عُفِيَتْ من الضرائب منذ أكثر من 24 عاماً، فصارتْ بذلك صاحبة قدرة هائلة على التراكم الرأسمالى، مِمَّا جعلها أكبر مالِك للعقارات فى العاصمة المثلثة على الإطلاق)، والتى تزداد قيمتها سريعاً فى أوقات التضخم، ويُوزِّعُهُ بعيداً عن ضعيفى القدرات التفاوضية والمساومة الذين يملكون مُدَّخراتٍ فى مصارفَ تدفع معدلات فائدة أقل من معدل التضخم، الأمر الذى يؤدى إلى انجراف قيمة تلك المدخرات بالتضخم.
وبالتالى يتضح من هذه القراءة أنَّ أكثر الفئات – على الإطلاق – ذات الدخل المحدود تأثراً بالتضخم هم أرباب المعاشات والمفصولين تعسفياً، وقد رأينا أساطين الخدمة المدنية المتقاعدين والمفصولين للصالح العام وهم يتكفَّفون النَّاس فى الطرقات فى عهد الإنقاذ المشئوم (ولعلكم تذكرون ذلك القاضي ولاعب الكورة الذيْن اضطرتهما تداعيات فصلهما والتقاعد للتسول).
3– من الممكن أن يؤدى التضخم إلى اختلال فى ميزان المدفوعات. ففى حالة معاناة البلد من معدل تضخم عالٍ نسبياً (من خانتين)، فإنَّ صادراتها ستكون أقلَّ منافسة فى الأسواق العالمية، وفى نفس الوقت تكون الواردات أرخص من السلع المصنوعة محلياً. وبذلك تقل الصادرات وتزداد الواردات، وهذا يقود إلى اختلال ميزان المدفوعات، وإلى انخفاض سعر صرف العملة المحلية.
وقد رأينا بنك السودان مِراراً وتكراراً يعجز عن توفير العملات الصعبة للشركات الأجنبية التى تريد تحويل أرباحها خارج السودان، فتضطر الحكومة تعويضها بإعطائها سلعاً من سلع الصادر بدلاً عن العملات الصعبة. وبالتالى تكون هذه الشركات قد استفادت من الإعفاءات الجمَّة الممنوحة للمستثمرين (كشركات البترول والذهب وغيرها، المعفية من كل الضرائب) والمصدرين معاً (الإعفاء من ضريبة الصادر)، أما المزارع والخزينة العامة فيطلع كلاهما "فاعلَ خير"، وتتعمق الاختلالات.
فتخيل العملات الصعبة التى يجنيها المستثمر فى قطاع البترول جراء الإعفاء من الضرائب، وحينما يأخذ أرباحه فى شكل سلع صادر. وتخيل تأثير ذلك على النمو وبناء احتياطي من العملات الصعبة، حينما لا يعود بتلك الأموال الطائلة إلى السودان (فهى لها مستقر آخر آمِن ومحبَّب لهذا المستثمر الأجنبى) فى شكل سلع رأسمالية وتكنولوجيا؛ التى كان من الممكن أن تسد فجوة بناء القاعدة الاقتصادية للبلد.
4– التضخم يزيد من ارتفاع معدلات الأخطار وإحجام الاستثمار وبالتالي يزيد من مخاوف المستثمرين، خاصةً مع تذبذب معدله، وقد رأينا بعاليه كلما كان معدّل التضخم عالياً (من خانتين)، زادت قابليته للتذبذب. وبالتالى كلما صَعُبَ على الشركات/الأعمال التنبؤ بالتكاليف والعائدات، قلَّتْ شهيتهم للاستثمار فى البلد؛ وهذا بدوره يقود إلى انخفاض معدل النمو. وحين يجئ الحديث عن عمل كل المتغيرات (كمجموع) فى إطار الإقتصاد الكلى، سنكتشف أنَّ السياسات التى ستتبعها الدولة لخفض التضخم، قد تؤدى هى الأخرى إلى خفض معدل النمو الاقتصادى، خاصة فى المدى القصير (فى حدود السنتين)، وبذلك تتعاظم محنة الحكومة.
وبالتالي على النَّاس أن يتوقعوا أنَّ برنامج د. البدوي لن يؤتي أكله في الفترة الانتقالية وليس بمصمَّمٍ لها أصلاً، فهو برنامج يعمل لما بعد الانتخابات العامة، ويجب أن يعلم الثوار ذلك بكل شفافية.
5– لن تكون كُلفة التضخم عالية إذا كان آحادىَّ الخانة (أى تمَّ ضبطه فى خانة واحدة، تسعة فأقل)، وقد تحتاج الدولة إلى مزيد من الموارد لتأجير خبراء (كبعثة صندوق النقد الدولى المستقرة فى السودان لعقود بطلب من الحكومة الساقطة للمساعدة فى مراقبة أداء برامج السودان الاقتصادية) يُساعدونها على التأقلم مع واقع عدم الاستقرار الذى يخلقه التضخم، خاصة إذا زاد عن الخانة الواحدة، أو إذا وصل إلى طور التضخم الجامح (كما حدث فى زيمبابوى). وعندئذٍ يزداد الضغط على الموارد: فالشركات تزيد أسعارها لتغطية تكاليفها، والعمال يطلبون زيادةً فى الأجور لتغطية تكاليف المعيشة المتصاعدة. وبالتالى تصبح الأجور فى طِراد مع أسعارٍ تضخمية ولولبية الصعود. وعند هذا الحد يزهد الناس فى ادخار النقود التي لن تغطي طلبهم على السلع والخدمات، بل ويُسارعون إلى إنفاقها كى لا تفقد قيمتها، وقد يستعيضون عنها بالمقايضة.
وفي العموم، حينما ترتفع الأسعار فإن النَّاس يلجأون إلى: إحلال الصادرات بالواردات، قد يحجم الأفراد عن الإنفاق واللجو إلى المقايضة مما يؤدي إلى خفض الطلب الكلي، حينما يضطر المستهلك لدفع أسعار عالية والشركات لدفع أجور عالية، سيزداد الطلب على النقود؛ وفي هذه الحالة ستلجأ البنوك لرفع سعر الفائدة لتقليل الطلب عليها؛ وذلك أيضاً سوف يؤثر سلباً على الطلب الكلي.
يُتبع …
حسين أحمد حسين
باحث اقتصادي مقيم بالمملكة المتحدة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.