الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    توقف مباراة الأهلي وبالميراس بسبب الأحوال الجوية    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود لإثارة الجدل: (بحب البنات يا ناس لأنهم ما بظلموا وما عندهم الغيرة والحقد بتاع الرجال)    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعاطي مع التضخم كأحد أهم عناصر الطلب الكلي (أ)
في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية (9- 100)
نشر في الراكوبة يوم 24 - 10 - 2019


تعريف التضخم:
التضخم هو ببساطة إرتفاع عام فى الأسعار على مستوى الاقتصاد القومى (لبلدٍ كالسودان)، وبالتالى معدل التضخم يقيس النسبة السنوية فى زيادة الأسعار، لا سيما أسعار التجزئة. وعلى الدولة أن تنشر مِقياس شهرى لأسعار التجزئة كما يفعل الجهاز المركزى للإحصاء السودانى الآن، وبالتالى معدل التضخم يصبح هو نسبة الزيادة فى ذلك المِقياس على سبح الإثنَىْ عشر شهراً.
ومن الممكن أن يوفر الجهاز المركزى للإحصاء معدلات تضخم لأىِّ نوع من الأسعار المختارة، فمثلاً: يمكن نشر مقاييس شهرية للسلع الرأسمالية، الغذائية، المنازل، سلع الوارد، السلع بعد أخذ الضرائب، وعلى ذلك قِسْ. وبالتالى المعدلات المتتالية للتضخم لهذه السلع، هى ببساطة الزيادات فى النسبة المئوية لهذه المقاييس. وبنفس القدر يمكن أن نعطى معدل تضخم لمعدلات الأجور، ويسمى تضخم الأجور.
ودعونا نلقى بعض الضوء على مصطلح التضخم. فحين تزيد الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم"، وحين تنخفض الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم سلبى"، أكثر منها حالة من الانكماش. إذ أنَّ مصطلح الانكماش عادة ما يُستخدم فى حالة تدخل الدولة بسياساتها المعروفة (المالية والنقدية والائتمانية) لتقليل الطلب الكلى؛ أىْ بالسياسة المُصمَّمة لخفض الإنفاق الزائد فى الإقتصاد.
وهنا علينا ألاَّ نخلط بين زيادة ونقصان التضخم، بالزيادة والنقصان فى الأسعار. فالزيادة فى التضخم تعنى الزيادة السريعة فى الأسعار، والانخفاض فى التضخم يعنى الزيادة البطيئة فى الأسعار؛ وهى زيادة ما بقِىَ التضخمُ موجباً.
وعليه، فالأسئلة التى يجب مواجهتها: كيف نحسب التضخم، وماهى أسبابه، وما هى خطورته، وما هي أنواعه، وما هى علاقته بأهداف/متغيرات الاقتصاد الكلى الأُخرى، وماذا بوسع الحكومة لمكافحته، وهل من أعراض جانبية لتلك المكافحة؟
كيفية حساب التضخم
من جدول السلع الاستهلاكية المُتَمَثَّلة التالي يمكننا حساب المستوي العام للأسعر(وهو سعر السلع في سنة ما / (على) سعر السلع في سنة الأساس مضروباً في 100) وبعد ذلك يمكن لنا حساب التضخم، وهو من السهولة بمكان.
2019 2018 2017 2016 (سنة أساس) السنة/السلع
140 120 111 108 الفول
160 131 113 110 الخضروات
300
________
600
250
_________
501
210
_________
434
200
__________
418
اللحم
_________
المجموع

وكما جاء بعاليه أنَّ التضخم يقيس معدل التغير في المستوى العام للأسعار (أي فهو يقيس نسبة الزيادة السنوية للأسعار – أسعار التجزئة). فمعدل التضخم = المستوى العام للأسعار في السنة الحالية – المستوي العام للأسعار في السنة السابقة (سنة الأساس) / (على) المستوى العام للأسعار في السابقة (سنة الأساس) X100.
وفي الجدول أعلاه سوف نتخذ العام 2016 كسنة أساس. وبالتالي المستوى العام للأسعار لسنة الأساس (CPI 2016) = 418/418 X 100 = 100، وCPI 2017 = 434/418 X 100 = 104، وCPI 2018 = 501/418 X 100 = 120، و CPI 2019 =600/418 X 100 = 144 (المحصلات مقربة لأقرب رقم صحيح).
عليه من أرقام المستوى العام للأسعار بعاليه نستطيع أن نحسب معدل التضخم بين أىِ عامين. فمثلاً معدل التضخم بين 2016 و2017 = CPI 2017- CPI 2016/CPI 2016X 100 = 4%، ومعدل التضخم بين 2017 و2018 = CPI 2018 – CPI 2017/CPI 2017 = 20%، ومعدل التضخم بين 2018 و2019 =X CPI 2018 /CPI 2018 – CPI 2019100 = 144 – 120/120X 100 = 44%.
أسباب التضخم فى السودان:
التضخم فى السودان يكاد يكون أحد متلازمات الاقتصاد السودانى منذ أوائل الثمانيات الفائتة (راجع التقرير القطرى لصندوق النقد الدولى 12/299، نوفمبر 2012).
ولعلَّ أهمَّ أسبابه ومحدداته التى تضمنها تقرير الصندوق عن حالة السودان هى: معدل سعر الصرف، أموال الاحتياط، التسييل النقدى/ضخ السيولة، والأجور.
والشاهد، أنَّ الصندوق يُولى معدل سعر الصرف أهمية أكبر فى التأثير على التضخم فى السودان وذلك فى تقديرى من واقع تأثُّرِ معدل التضخم بالعالم الخارجى مرتين؛ المرة الأولى لكون السودان دولة مُفْرِطة فى التحرير والإنفتاح على العالم الخارجى، وبالتالى هذا الحلول فى الرأسمالية العالمية يجعل التضخم فى السودان شديد الحساسية والتأثر بما يطرأ من تغيرات عالمية ذات صلة بمعدل سعر الصرف داخلياً. والمرة الثانية لحقيقة أنَّ معدل سعر الصرف يساعد داخلياً أيضاً على معرفة التوقعات التضخمية ومحاولة التأقلم معها، وهذا من شأنه أن يزيد فى معدلات التضخم أيضاً (سنعرف لاحقاً أنَّ التضخم من الممكن أن يرتفع – مع ثبات العوامل الأخرى لارتفاعه – لمجرد أن يتوقع النَّاس ارتفاعه).
أما السياسة المالية فتبقى ذات تأثير غير مباشر على التضخم، اللَّهُمَّ إلاَّ حين تبدأ فى التأثير على الأجور، وضخ السيولة الذى قد تلجأ إليه الحكومة عند الضرورة. أما أموال الاحتياط فتكون ذات تأثير بالغ على التضخم فى الأزمنة التى ترتفع فيها معدلات التضخم بشكلٍ كبير (التضخم ذو الخانتين العشريتين، كحالة السودان الآن).
وإذا أمعنا النظر لمعدل التضخم فى السودان، سنجد السِّمة الغالبة لذلك المعدل هى التذبذب، وذلك لعمرى هو أخطر المظاهر السالبة للتضخم على الإطلاق، لتأثيره السلبى المباشر على الاستثمار (خاصةً الأجنبى) وبالتالى على معدل نمو الاقتصاد القومى (فمعدل تضخم كبير مستقر، خيرٌ من معدل تضخم متأرجح بين الصعود والهبوط).
ففى خلال التسع وثلاثين سنة المنصرمة، نجد أنَّ التضخم قد وصل فى النصف الأول من ثمانينات القرن المنصرم إلى 40%. ووصل إلى 130% فى عام 1991، و140% فى عام 1992، وأكثر من 150% (فعلياً 166%) فى عام 1996. وفى هذا الفترة تطلَّب الإفراط فى الانفتاح على العالم الخارجى (بما يعنيه ذلك من توحيد سعر الصرف بين السوق الموازى والرسمى) إلى تخفيض قيمة الجنيه السودانى 2000% (المرجع أعلاه).
أما فى عام 1998، فقد انخفض التضخم تحت إشراف صندوق النقد الدولى إلى 17%، وإلى 8% فى عام 2000م. غير أنَّ التضخم ذا الخانتين عاود الظهور منذ عام 2006 حيث بلغ 19% فى 2011، 37% فى 2012، واستقر على هذا المنوال إلى يوم النَّاس هذا.
وبالرغم من أنَّ أداء الاقتصاد الكلى كان مُرضياً فى الفترة ما بين 1999 – 2010 (معدل نمو حقيقى وصل 6%، والاختلالات المالية والمصرفية كانت متواضعة وانحصرت فى حدود ال 2%، و4% على التوالى كنسب من الناتج المحلى الإجمالى)، إلاَّ أنَّ التضخم شذَّ عن هذا الواقع وظل مرتفعاً فى المتوسط، أى بلغ 13% (المرجع أعلاه).
ولم يبقَ الحال كما هو عليه قبل انفصال الجنوب، إذ بدأ معدل التضخم فى ارتفاعٍ مضطرد، حتى بلغ فى العام 2013م 36.5% (موقع الجهاز المركزى للإحصاء، مارس 2014م)، أما معدل التضخم للسنة 2014م فقد بلغ فى المتوسط (لِ 4 أشهر) 42.2% (المحصلة عُملت من معلومات مأخوذة من: سودانتربيون: 13/10/2014)، وبحسب بنك السودان فقد وصل التخضم في 2015 12.6%، وفي 2016 بلغ 30.5%، وفي 2017 وصل 25.2%، وفي العام 2018 بلغ معدل التضخم في يوليو 63.94% (وبحسب ستيف هانك وصل 182%). أما معدل التضخم في يوليو 2019 فقد وصل 52.59% بحسب سودان تريبيون 08/08/2019 (ولكنه بحسابات ستيف هانك في 15/08/2019 قد وصل 64%).
وبالرغم من أنَّني لا أثق مُطلقاً في كيفية حساب التضخم التي يقوم بها الجهاز المركزي للإحصاء في ظل حكومة الإنقاذ (وقد بينت سبب عدم الوثوق في كيفية حساب التضخم في ظل حكومة الإنقاذ في مقال سابق حيث يقوم المركز القومي للإحصاء، لإعطاء معدل تضخم غير حقيقي ومطبوخ، باللَّعِب في سلة السلع التي يُحسب على أساسها المستوى العام للأسعار- مجموع السلع التي يستهلكها سائر المواطنين)، إلاَّ أنَّ الأرقام بعاليه تعكس ما قلناه آنفاً عن أخطر مظاهر التضخمً، أىْ التذبذب فى معدل التضخم. وذلك بالضرورة يعكس فشل السياسات الضابطة له، ويعكس حالة من عدم الاستقرار الاقتصادى والسياسى المُنَفِّرة للاستثمار المنتج الجاد المحلي والأجنبي.
والسؤال المهم: هل مع هكذا وضع، توجد أيُّ إمكانات فعلية في برنامج البدوي الإسعافي للشهور التسعة القادمة (حتى يونيو 2020) لجعل معدل التضخم مستقراً فى الإرتفاع أو (حبذا) فى الإنخفاض، أم أنَّ الأمر كلَّهُ لا يتجاوز اليَنبغِيَّات؟ وسيستبين ذلك حين الحديث عن دينمائية الطلب الكلى في الجزء (ب) إن شاء الله.
الآثار السالبة للتضخم:
1– تكمن مشكلة التضخم فى أنَّه يحد من قدرة الإقتصاد القومى على النمو إذا كان النَّاس متطلِّعين لتحقيق مستويات معيشية عالية (كالتحوُّل من الفتَّة إلى الهوت دوغ، وما شاكله)، وحين تقل معدلات النمو تزداد البطالة. وبالطبع تكون البطالة مشكلة للمتبطلين أنفسِهِم وللمجتمع ككل؛ ذلك الذى انخفضت منتاجته، وفى نفس الوقت عليه أن يدعم العاطلين عن العمل (هذا إذا كنا دولة مثالية ومسئولة كما كان عليه الحال على أيام بند الهندى).
ولو كان بمقدور النَّاس التنبؤ بمعدل التضخم، وبالتالى عدَّلوا الأسعار والدخول آخذين فى الإعتبار معدل التضخم، فكُلفة التضخم ستكون بسيطة نسبياً. غير أنَّ ذلك يتعذَّر فى أرض الواقع؛ حيث يُخطئ النَّاسُ تقديرَ معدل التضخم، وبالتالى يكونون غير قادرين على التَّأقلم معه. بعبارة أخرى مكرورة، خطورة التضخم تكمن فى حالة التذبذب التى تلازم معدله بالقدر الذى يعجز النَّاس على أخذ ذلك المعدل فى حُسبانِهم وحساباتهم، خاصةً إذا كان معدل التضخم كبيراً (من خانتين كما كان مستطرداً للعام الأول (2015) من البرنامج الخماسي 2015 – 2019).
2– من التداعيات الخطيرة للتضخم هى حالة كونه يعيد توزيع الدخل بعيداً عن أصحاب الدخول الثابتة (كأرباب المعاشات والمفصولين تعسفياً، العمال، والموظفين وأصحاب الأعمال الهامشية: الذين ليست لهم نقابات ومنظمات مجتمع مدنى تمثلهم، وإن وُجدت فهى مخصية فى إطار نقابة المنشأة التى إبتدعتها الإنقاذ)؛ ويُعطيه للذين لهم قوى اقتصادية (كالشرائح الرأسمالية، ولا سيما الشريحة ذات الهيمنة) وقدرة على الدفع، والإيجار، وزيادة الأرباح (المَمَكَّنين رأسمالياً).
وكذلك فإنَّ التضخم يزيد مداخيل أصحاب الأُصول الرأسمالية كالعقارات (شركة التأمين الإسلامية مثالاً؛ تلك التى عُفِيَتْ من الضرائب منذ أكثر من 24 عاماً، فصارتْ بذلك صاحبة قدرة هائلة على التراكم الرأسمالى، مِمَّا جعلها أكبر مالِك للعقارات فى العاصمة المثلثة على الإطلاق)، والتى تزداد قيمتها سريعاً فى أوقات التضخم، ويُوزِّعُهُ بعيداً عن ضعيفى القدرات التفاوضية والمساومة الذين يملكون مُدَّخراتٍ فى مصارفَ تدفع معدلات فائدة أقل من معدل التضخم، الأمر الذى يؤدى إلى انجراف قيمة تلك المدخرات بالتضخم.
وبالتالى يتضح من هذه القراءة أنَّ أكثر الفئات – على الإطلاق – ذات الدخل المحدود تأثراً بالتضخم هم أرباب المعاشات والمفصولين تعسفياً، وقد رأينا أساطين الخدمة المدنية المتقاعدين والمفصولين للصالح العام وهم يتكفَّفون النَّاس فى الطرقات فى عهد الإنقاذ المشئوم (ولعلكم تذكرون ذلك القاضي ولاعب الكورة الذيْن اضطرتهما تداعيات فصلهما والتقاعد للتسول).
3– من الممكن أن يؤدى التضخم إلى اختلال فى ميزان المدفوعات. ففى حالة معاناة البلد من معدل تضخم عالٍ نسبياً (من خانتين)، فإنَّ صادراتها ستكون أقلَّ منافسة فى الأسواق العالمية، وفى نفس الوقت تكون الواردات أرخص من السلع المصنوعة محلياً. وبذلك تقل الصادرات وتزداد الواردات، وهذا يقود إلى اختلال ميزان المدفوعات، وإلى انخفاض سعر صرف العملة المحلية.
وقد رأينا بنك السودان مِراراً وتكراراً يعجز عن توفير العملات الصعبة للشركات الأجنبية التى تريد تحويل أرباحها خارج السودان، فتضطر الحكومة تعويضها بإعطائها سلعاً من سلع الصادر بدلاً عن العملات الصعبة. وبالتالى تكون هذه الشركات قد استفادت من الإعفاءات الجمَّة الممنوحة للمستثمرين (كشركات البترول والذهب وغيرها، المعفية من كل الضرائب) والمصدرين معاً (الإعفاء من ضريبة الصادر)، أما المزارع والخزينة العامة فيطلع كلاهما "فاعلَ خير"، وتتعمق الاختلالات.
فتخيل العملات الصعبة التى يجنيها المستثمر فى قطاع البترول جراء الإعفاء من الضرائب، وحينما يأخذ أرباحه فى شكل سلع صادر. وتخيل تأثير ذلك على النمو وبناء احتياطي من العملات الصعبة، حينما لا يعود بتلك الأموال الطائلة إلى السودان (فهى لها مستقر آخر آمِن ومحبَّب لهذا المستثمر الأجنبى) فى شكل سلع رأسمالية وتكنولوجيا؛ التى كان من الممكن أن تسد فجوة بناء القاعدة الاقتصادية للبلد.
4– التضخم يزيد من ارتفاع معدلات الأخطار وإحجام الاستثمار وبالتالي يزيد من مخاوف المستثمرين، خاصةً مع تذبذب معدله، وقد رأينا بعاليه كلما كان معدّل التضخم عالياً (من خانتين)، زادت قابليته للتذبذب. وبالتالى كلما صَعُبَ على الشركات/الأعمال التنبؤ بالتكاليف والعائدات، قلَّتْ شهيتهم للاستثمار فى البلد؛ وهذا بدوره يقود إلى انخفاض معدل النمو. وحين يجئ الحديث عن عمل كل المتغيرات (كمجموع) فى إطار الإقتصاد الكلى، سنكتشف أنَّ السياسات التى ستتبعها الدولة لخفض التضخم، قد تؤدى هى الأخرى إلى خفض معدل النمو الاقتصادى، خاصة فى المدى القصير (فى حدود السنتين)، وبذلك تتعاظم محنة الحكومة.
وبالتالي على النَّاس أن يتوقعوا أنَّ برنامج د. البدوي لن يؤتي أكله في الفترة الانتقالية وليس بمصمَّمٍ لها أصلاً، فهو برنامج يعمل لما بعد الانتخابات العامة، ويجب أن يعلم الثوار ذلك بكل شفافية.
5– لن تكون كُلفة التضخم عالية إذا كان آحادىَّ الخانة (أى تمَّ ضبطه فى خانة واحدة، تسعة فأقل)، وقد تحتاج الدولة إلى مزيد من الموارد لتأجير خبراء (كبعثة صندوق النقد الدولى المستقرة فى السودان لعقود بطلب من الحكومة الساقطة للمساعدة فى مراقبة أداء برامج السودان الاقتصادية) يُساعدونها على التأقلم مع واقع عدم الاستقرار الذى يخلقه التضخم، خاصة إذا زاد عن الخانة الواحدة، أو إذا وصل إلى طور التضخم الجامح (كما حدث فى زيمبابوى). وعندئذٍ يزداد الضغط على الموارد: فالشركات تزيد أسعارها لتغطية تكاليفها، والعمال يطلبون زيادةً فى الأجور لتغطية تكاليف المعيشة المتصاعدة. وبالتالى تصبح الأجور فى طِراد مع أسعارٍ تضخمية ولولبية الصعود. وعند هذا الحد يزهد الناس فى ادخار النقود التي لن تغطي طلبهم على السلع والخدمات، بل ويُسارعون إلى إنفاقها كى لا تفقد قيمتها، وقد يستعيضون عنها بالمقايضة.
وفي العموم، حينما ترتفع الأسعار فإن النَّاس يلجأون إلى: إحلال الصادرات بالواردات، قد يحجم الأفراد عن الإنفاق واللجو إلى المقايضة مما يؤدي إلى خفض الطلب الكلي، حينما يضطر المستهلك لدفع أسعار عالية والشركات لدفع أجور عالية، سيزداد الطلب على النقود؛ وفي هذه الحالة ستلجأ البنوك لرفع سعر الفائدة لتقليل الطلب عليها؛ وذلك أيضاً سوف يؤثر سلباً على الطلب الكلي.
يُتبع …
حسين أحمد حسين
باحث اقتصادي مقيم بالمملكة المتحدة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.