قبل المباشرة في تناول موضوع وحدة تنفيذ السدود ، لابد من الإشارة إلي أن مفهوم العدالة لم يطبق بشكل محايد وفعال منذ بواكير الإستقلال وحتي تاريخه فدائما ما كانت ترجح كفة العنصرية والقبلية والحزبية من قبل الكيانات والأحزاب السياسية التقليدية المعروفة ومعها الكيانات الطائفية الموروثة،المتدثرة بالدين ، لتقدم مصالحها الخاصة علي حساب العدالة ، مما أثبت أنه ليس للحق مكانا في السودان وإنما هي المصالح . لذلك ، أتت هذه الثورة ، ممهورة بدماء الشهداء والضحايا لتغيير هذا النمط العقيم . أتت لتنصف الناس وتحاسب المفسدين وتنصر الضعفاء وترد الحقوق لأصحابها ولم تأت لخراب البيوت أولخراب الدولة… فهل فعلت "قحت" ، وريث الكيانات أعلاه ..هل فعلت ذلك؟!!. من حسن الحظ أن " العدالة " هي أحدي شعارات ومطلوبات الثورة ولعل قوي الحرية والتغيير وهي تدير هذه الثورة من وراء ستار تسعي لتطبيق هذه الشعارات بمنتهي الصدق والحيادية وأن " غبينة" الرد بالمثل ( الفصل التعسفي في 89)غير واردة في قاموسهم كثوار ، لذلك لم يكن من المتوقع معالجة موضوع وحدة تنفيذ السدود بتصفيته وأيلولة ممتلكاته وإختصاصاته إلي وزارة الري بالرأي الصائب . بل هو قرار متهور إلي أبعد الحدود ولا يتطابق مع مفهوم العدالة … لماذا ؟ 1- إذا كان الغرض من التصفية هو أن كل منسوبي الوحدة " كيزان" كما يٌدعي فهذا قمة الظلم لأنهم ليسوا كلهم "قياديين" وإنما هي " المعايش" ياهذا. 2- إذا كان هذا هو منطق "قحت" في إستهداف الكيزان، فإن جهات إيرادية معتبرة أخري،كديوان الضرائب وديوان الزكاة ، بل ومعظم إدارات الخدمة المدنية ، بما فيها صندوق التأمين الصحي ، بل ، وزارات "قحت" الحالية " ملغمة" أيضا بالكيزان، ومع ذلك ،ليسوا كلهم "قياديين" وإنما هي " المعايش" ياهذا. 3- ليس من الحكمة معالجة مثل هذا الموضوع الشائك بهذا "التهور" وكأنه يبدو كتصفية حسابات ولكن الأصوب : من أفسد وأثري علي حساب الشعب.. يحاسب ومن تبوأ منصبا غير كفء له يقال وتمنح مستحقاته ومن كان رأيه معارضا لإطروحات الثورة ، فهذا شأنه وفق مفهوم حرية الرأي. 4- ليعلم من لا يعلم أن بناء الخزانات والسدود الوطنية لم يعرف إلا عبر هذه الوحدة ، فخزان سنار بناه الإنجليز (1926) لري مشاريع الجزيرة التي تنتج القطن المصدر الي (ليفربول) وخزان جبل أوليا (1937) بني تحت الإشراف الفني والإداري لمصر كي تحفظ حصتها من مياه النيل ، ثم تخلت عنه للسودان بعد بناء السد العالي ، ثم خزان خشم القربة(61-64) الذي أنشئ لاعادة توطين سكان وادي حلفا المتضررين من بناء السد العالي . 5- هناك " غبينة" قديمة بين وزارة الري ووحدة تنفيذ السدود ، إذ تري الأولي أن الثانية قد إعتدت علي " إختصاصاتها" ونالت " حظوة " لدي رئاسة الجمهورية البائدة ونفذت مجموعة من السدود من دونها( تعلية خزان الروصيرص ، سد مروي ،سدي أعالي عطبرة وستيت وحصاد المياه) وقد وجدت وزارة الري الأن آذانا صاغية من الحكومة الحالية لتصفية وإستملاك عهدة الوحدة وتسريح منسوبيها. رجال الدولة العقلاء ، إن كانوا عقلاء حقا ،لا يفعلون هذا. 6-إذا نظرت إلي مهام وزارة الري منذ إنشائها ، لن تجد من ضمن إخنصاصاتها انشاء السدود وإنما : تشغيل الخزانات وإدارتها والإشراف على صيانتها ، وضع السياسات والخطط لتنمية الموارد المائية وتطويرها وتحديثها وترشيد إستخدامها ، رصد الموارد المائية في البلاد وتجميع المعلومات والبيانات الخاصة بها وتحليلها وتقويمها ، إزالة الإطماء من بوابات السدود ، قراءة ومتابعة مناسيب المياه. 7- نعم ، لقد أسرف الوزير السابق أسامة عبد الله ما أسرف وأدخل البلاد في ديون مهولة وينبغي محاسبته ومعه كل من يثبت تورطه في الفساد ولكن ، هناك جهد مقدر ، شارك فيه منسوبي وحدة تنفيذ السدود ، لا ينبغي التنكر له ، جهد يشكرون عليه ، إذ تعد الكثير من إنجازاتهم قيمة مضافة لممتلكات الدولة السودانية المستفاد منهاالأن. 8- علي الحكومة الإنتقالية الحالية أن تتوخي العدالة في معالجة الأمور الحساسة ، وتعيد النظر بروية ، خاصة في موضوع تصفية وحدة تنفيذ السدود وتسريح منسوبيها خاصة وأن "قطع" معايش الناس ليس من روح الثورة في ظل ظروف معيشية أكثر من قاسية ، بل عليهم التركيز علي إرساء قواعد وأهداف الدولة المدنية الحديثة خلال الفترة الإنتقالية المحددة وليوفق الله الجميع لدعم وترسيخ مبادئ الحرية والسلام والعدالة في هذا الوطن.
محمد عبد المجيد أمين (براق) [email protected] الوسوم السودان تحديات المرحلة الانتقالية