دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجلس التشريعي الانتقالي: اقتراح بتكوين لجنة قومية للإشراف على تشكيل المجلس
عبد السلام سيد أحمد
نشر في الراكوبة يوم 27 - 11 - 2019

أخيراً أصدرت قوى الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين بيانات – بتاريخ 19 نوفمبر الجاري – أرجأت فيها مسألة تكوين المجلس التشريعي إلى موعد "أقصاه 31 ديسمبر 2019؛ وذلك للمزيد من التشاور مع الجبهة الثورية. وقد جاء في بيان تنسيقية قوى الحرية والتغيير "تم الاتفاق على إرجاء التشكيل … حتى نتمكن خلالها من التوافق مع الجبهة الثورية على صيغة متفق حولها في تكوين المجلس التشريعي وحتى نتمكن من إدارة حوار واسع مع القوى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير حول إسهامها في البرلمان الانتقاليوفق أحكام الوثيقة الدستورية ". وعلى الرغم من أن قرار إرجاء تكوين المجلس أتى مخيباً لآمال الكثيرين الذين كانوا ينتظرون الإسراع بقيام المجلس واستكمال بنية الحكم الانتقالي،إلا أنني أرى أن يتم استثمار هذا الوقت المستقطع من عمر المجلس في وضع أسس سليمة وآلية فاعلة تفضيإلى تكوين برلمان للثورة قادر على المضي بالمرحلة الانتقالية إلى نهاياتها المرجوة في إرساء أسس التحوّل الديمقراطي والنهوض الوطني.
في أواخر أبريل الماضي، كنت قد نشرت مقالاً حول المجلس التشريعيالانتقالي قدمت فيه بعض الأفكار حول مكوناته وآلية تكوينه. حينها كانت المفاوضات في بداياتها ولم يكن قد تم الاتفاق بعد على نسب المجلس على النحو الذى استقر في الوثيقة الدستورية – 67% للحرية والتغيير و 33% للقوى الأخرى.
ارتأيتأن أعيد كتابة مقاليعن التشريعيالانتقالي آخذاً في الاعتبار ما تم الاتفاق عليه في الوثيقة، التطورات الأخيرة الخاصة بتأجيل تكوين المجلس ومستصحباً ما وصلني من تعليقات وأراء من بعض القراء، وذلك إسهاماً منى في النقاش حول ضرورة استكمال هذا الاستحقاق الهام.
قلت بأن مقترح المجلس التشريعي الانتقالي يجترح درباً جديداً في تجارب الانتقال السوداني نحو نظام ديمقراطي. فهو في تقديري مقترح ممتاز يستدرك بعض نواقص المراحل الانتقالية السابقة في تاريخ السودان المعاصر. فالناظر للتجارب الانتقالية السابقة (تحديداً مراحل الانتقال اللتان أعقبتا ثورة اكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985) يرى أنهما افتقدتا مثل هذا الجهاز، الأمر الذي حصر سلطة اتخاذ القرارات الهامة بل والتشريعات فيأيدي مجموعة قليلة من المسؤولين هم طواقم مجالس الوزراء والسيادة بعد اكتوبر، او المجلس العسكري والوزراء بعد ابريل؛ بل كان العسكري وحده ردحاً من الزمان في التجربة الابريلية قبل أن يتواضعوا على نظام تشريع المجلسين. (هكذا بتت هذه المجالس على محدوديتها في قضايا مصيرية مثل قضايا الحرب والسلام، إجراء الانتخابات في ظرف حرب أهلية، محاسبة (أو عدم) محاسبة رموز النظام السابق إلخ.
قد يحتج البعض بانه من غير اللائق أن توكل مهمة التشريع لمجلس غير منتخب حتى لو كان انتقالياً، والواقع أن المجالس التي مارست التشريع خلال فترات الانتقال السابقة كانت هي الأخرى غير منتخبة، بل وكان بعضها عسكرياً صرفاً. على صعيد متصل، فإن غياب جهة تشريعية رقابية خلال المرحلة الانتقالية يقود بالضرورة لتزايد الضغوط من أجل الإسراع بطي صفحة المرحلة الانتقالية الاستثنائية والإتيان بحكومة مفوضة من الشعب "تعيد الأمور إلى نصابها" وتحقق الاستقرار، وعلى الرغم من الوجاهة الظاهرية لهذا الرأي، إلا أن تجارب السودان الديمقراطية السابقة لا تؤيده كثيراً إذ لم ترتبط بإنجازات تسد الطريق أمام المغامرات العسكرية التي أطاحت بها بعد سنوات قلائل. فضلاً عن ذلك فإن الإسراع بالانتخابات في خضم فوضى المراحل الانتقالية كثيراً ما يؤدى لتزايد حدة الاستقطاب، ولعل مثال ليبيا بعد القذافي خير شاهد على ذلك. فقد استعجلت القوى السياسية الليبية الانتخابات قبل التوصل لتوافق ناجز حول النظام السياسي والقضايا الكبرى التي تواجه البلاد، فكانت النتيجة أن تفاقم التشظي بفعل الاستقطاب الذي صحب الانتخابات، ودخلت البلاد في دوامة من العنف لاتزال دائرة. خلاصة الأمر أن الانتخابات مطلوبة للانتقال للنظام الديمقراطي، لكن إجرائها في مناخ غير موات وظروف انقسام حادة غالباً ما يؤدى لمفاقمة الوضع بدلاً من ايجاد نقلة إلى الامام.
من الجانب الآخر شهدت التجربة التونسية بعد الثورة تشكيل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة عبر تصعيد من "مجالس الثورة" في مختلف المناطق بالإضافة للأحزاب والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية. وكما أخبرني بعض الأصدقاء التونسيين، فقد لعبت هذه الهيئة دوراً بارزاً في حماية الثورة إذ وفرت إطاراً جيداً للتوافق على المرحلة الانتقالية وهيئاتها المختلفة ومرتكزات الدستور الجديد.
وبالعودة لموضوع المجلس التشريعي الانتقالي في السودان، فقد تناولت الوثيقة الدستورية في فصلها السابع مسألة تكوين واختصاصات المجلس التشريعي. فيتقديري، بالإضافة لمهام التشريع والرقابة المعهودة التي أوكلت للمجلس بنص الوثيقة، يمكن ان يشكل المجلس التشريعي منصة للحوار وإدارة الخلافات بين الأطراف المختلفة ومن ثم تهيئة الأجواء للوصول لتوافق حول القضايا الكبرى مثل الدستور والانتخابات والسلام. يمكن ان يتفق المجلس على ان يسعى لاتخاذ القرارات في القضايا المصيرية بالتوافق بدلاً عن التصويت، على الرغم من أن الوثيقة نصت على أن المجلس يتخذ قراراته بالأغلبية البسيطة.
والآن لنتوقف عند قضية تكوين المجلس التشريعي.
فصلّت المادة 24 من الوثيقة في موضوع تكوين المجلس حيث اشارت في فقرتها الخامسة إلى أن "يراعى في تكوين المجلس التشريعي الانتقالي مكونات المجتمع السوداني بما فيها القوى السياسية والمدنية والمهنية والطرق الصوفية والإدارات الأهلية والحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير وغيرها من مكونات المجتمع السوداني"؛ كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على ألا تقل نسبة مشاركة النساء عن 40% من عضوية المجلس.
ليس واضحاً، بالنسبة لي على الأقل، ان كانت الإشارة لمختلف للقوى الاجتماعية والسياسية الواردة في الفقرة أعلاه أتت على سبيل المثال أم الحصر، وان كنت أرجح أنها أتت على سبيل المثال؛ اذ تظل الفكرة الأساسية هي أن يراعى في تكوين المجلس مختلف "مكونات المجتمع السوداني".
والآن دعونا نتفحص في المكونات المختلفة التي يمكن أن يتشكل منها المجلس مع مقترحات حول طرق تمثيلها.
أولاً: شباب الثورة من الجنسين، وهؤلاء يمكن تصعيدهم عبر عملية انتخابية غير معقدة من لجان المقاومة في الأحياء والمدن من مختلف أقاليم السودان، وان تتراوح نسبتهم بين 25-30%. على أن يكون هنالك مسعى لتمثيل الشباب عبر المكونات الأخرى (مثل السياسية والمهنية).
ثانياً: المرأة. يمكن ان يتم التوافق على ‘كوتا' للمرأة بنسبة 40 %، على ان يراعى تمثيل المرأة التعدد المهنيوالفكريوالسياسي؛ والأفضل في نظري أن يكون هنالك تمثيلاً للمرأة في كافة مكوّنات المجلس وبنسبة 40%. هذا سيعطى مؤشراً جيداً لمشاركة المرأة على أساس الكفاءة والانخراط في الشأن العام، أي أن تكون المرأة ممثلة لكيانات أخرى وليس فقط للمرأة، فالنساء شقائق الرجال. ثمة خيار آخر، وهو أن يتم تخصيص نصف نسبة المرأة (20%) ليأتي عبر كوتا نسائية تمثل كافة الولايات، بينما يأتي النصف الآخر للتمثيل النسائي عبر المكونات الأخرى.
ثالثاً: القوى السياسية الحزبية: أولا بالنسبة للقوى السياسية المنضوية تحت الحرية والتغيير ربما من الأفضل ان يتم التمثيل على أساس الكتل السياسية (نداء السودان، أو التكتل الذي حلّ محله؛ الإجماع الوطني، التجمع الاتحادي المعارض الخ) وليس الأحزاب منفردة، على ان ترشح كل كتلة ممثليها ضمن النسبة التي يتم التوافق عليها داخل تنسيقية الحرية والتغيير او مجلسها المركزي. تبقى قضية القوى السياسية الأخرى التي لم توقع على ميثاق الحرية والتغيير ولكنها ناصرت الثورة، والقوى التي وقعّت على الميثاق لكنها ظلت خارج الكتل الرئيسية الثلاث. هذه مسألة تحتاج للمزيد من النقاش من قبل كافة مكونات الحرية والتغيير بغرض الوصول لصيغة تمثيلية معقولة (حتى وان لم تكن مرضية للجميع).
رابعاً: المهنيين والعمال والحرفيين والمزارعين وغيرهم من الفئات المختلفة، وهذه يمكن إيكال مسؤولية تنسيق تمثيلها لتجمع المهنيين مع التنظيمات الفئوية لهذه القطاعات.
خامساً: الحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على الميثاق: يمكن أن تؤشر أي اتفاقيات سلام مقبلة إلى آلية معينة لتمثيل للحركات المسلحة في المجلس التشريعي، أو أن يحجز لها مكان ما في المجلس المرتقب. وعلى صعيد متصل يمكن أن يتم التوافق على أن يتم تمثيل الفصائل المنضوية تحت الجبهة الثورية ضمن حصة الحرية والتغيير، بينما تمثل الفصائل غير الموقعة ضمن ال 33% الأخرى. السؤال الذي يطرح نفسه في قضية تمثيل هذا المكون هو: هل ستمثل هذه المجموعات كفصائل مسلحة، أم كأذرع سياسية لحركات مسلحة؟ في تقديري يجب ألا تدخل هذه المجموعات إلى البرلمان الا كتنظيمات سياسية أو مشروع تنظيمات سياسية لكن بالتزام واضح ونهائي بالعمل السياسيالسلمي.
سادساً: المجتمع المدني؛ من المفيد ألا يقتصر الاختيار هنا على المنظمات الموقعة على إعلان الحرية والتغيير وإنما يتعداه لمنظمات وناشطين لعبو دورا في العمل الطوعي او الحقوقي من خارج المجموعة الموقعة؛ كما يجب أن يكون هنالك سعياً جاداً تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذه ستكون بادرة ممتازة وسابقة فريدة في العمل السياسي السوداني.
سابعاً: شخصيات وطنية؛ هنا أيضاً يجب البحث عن شخصيات وطنية مقبولة لدى قطاع عريض من الرأي العام بغض النظر عن التوجهات السياسية او الفكرية؛ ويمكن أن يتم اختيار الشخصيات الوطنية من قائمه طويلة يتم تجميعها من عدة مصادر.

إلى ذلك، من الضروري النظر، ضمن هذا المكونات لضمانة تمثيل أعضاء من الطوائف المسيحية أو غير المسلمين بصفة عامة. قد تكون هنالك مجموعات أخرى لم يتم التطرق اليها أعلاه، ولكن يمكن ادراجها ضمن هذا المكوّن أو ذاك، المهم أن يؤخذ في الاعتبار الجوانب العملية وإمكانية الاختيار التمثيلي دون تعقيدات.
والآن، قد يكون من المفيد التوقف عند بعض القضايا والإشكاليات المحتملة في اختيار عضوية المجلس التشريعي:
أولاً: أشارت الوثيقة الدستورية في فقرتها المشار اليها عاليه، إلى "الطرق الصوفية والإدارات الأهلية" كإحدى المكونات الواجب تمثيلها في المجلس التشريعي. على أهمية هاتين الفئتين، الا أنني أرى أن هنالك إشكاليات عدة في كيفية الاختيار من أوساطهما. أولاً، هل سيكون الاختيار على أساس من الموقف تجاه الثورة، أم البحث عمن يمثل حقيقة قواعد وأتباع الطرق الصوفية والإدارات الأهلية؛ ثم هل يكون التمثيل عبر الأطر والهياكل المعروفة لهذه الفئات: مجلس الطرق الصوفية ومشايخها وخلفائها؛ والعمد والنظار والأمراء في حالة الادارات الأهلية؟ وما هو التصرف المناسب في حالة وجود انقسامات في داخل القبيلة، أو الطريقة/الطائفة الواحدة؛ أو داخل البيوتات صاحبة الشأن في هذه الكيانات؟إلى كل ذلك يجب أن نأخذ بالاعتبار ما حدث لهذه الكيانات خلال فترة النظام السابق من خلال محاولات التجييش وزرع الانقسامات وشراء الولاءات، خاصة في مناطق النزاعات المسلحة، بل وفى غيرها. أرى أن الاتفاق على آلية موضوعية تضمن تمثيل جماهير الطرق الصوفية والإدارات الأهلية أمر شبه مستحيل، وإذا كان القصد تمثيل من اتخذ موقفاً واضحاً مع الثورة من بعض النخب الأهلية والدينية فليكن تمثيلهم ضمن الشخصيات الوطنية.
ثانياً: ماهي الطريقة المثلى لتحقيق التوازن الجغرافيوالمناطقى في المجلس؟ هل يكون ذلك عبر تخصيص ما يشبه الدوائر الجغرافية وذلك عبر تخصيص مقاعد محددة من كافة الولايات الثمانية عشر لتمثلها في المجلس؟ مثل هذا الاجراء لن يكون عملياً في غياب آلية انتخابية لتحديد من يمثل الولاية في التشريعي، فضلا عن أنه سيزيد من تعقيد عملية اختيار عضوية المجلس. الخيار الأفضل في نظري أن يراعى التمثيل الجغرافيوالمناطقى ضمن المكونات الأخرى (السياسية، المهنية، الشبابية، المرأة.. الخ).
ثالثاً: بالنسبة للمكوّن السياسيالحزبي، ثمة سؤال فيما يتعلق باحتمالية أن يكون هنالك تمثيل لأصحاب التوجه الإسلامي (سواء كان هذا التوجه سياسياً أم فكرياً)، ممن أبدى انحيازاً واضحاً للثورة والخيار الديمقراطي. قد يكون رفض الفكرة من أساسها هو رد الفعل الطبيعي لدى الكثيرين، لكن الموضوع يحتاج لقدر من التفكير والتدبر؛ لأن الغرض الاستراتيجي هو بناء نظام سياسيديمقراطي يحظى بقدر من الإجماع من كافة ألوان الصيف.
نأتي الآن للنقطة الهامة الخاصة بكيفية اختيار أعضاء المجلس، ومن يقوم بعملية الانتخاب او الاختيار.
بالنسبة للجهة التي تقوم بالاختيار، ارى ان يتم تشكيل لجنة قومية برئاسة قاض ومن رجال ونساء في حدود 5-7 أعضاء، واذا تعذر تكوين هذه اللجنة لهذا السبب او ذاك، يجب الإسراع بتكوين مفوضية الانتخابات للإشراف على تشكيل المجلس التشريعي. الفكرة هنا، ان تكون هنالك جهة تتمتع بقدر من الحيادية تشرف على تشكيل المجلس بدلاً من ترك تشكيله للجهات التي ستحتل مقاعداً فيه. ولعل الإجراء الأصوب فينظري ان يتم تشكيل المجلس بواسطة قانون أو أمر تشكيل، يتم إقراره في اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء. يمكن ان ينص هذا القانون أو الأمر على الآليات التي ستتبعها اللجنة القومية المفوضية الانتخابات في اختيار أعضاء المجلس، وان يفتح باباً للجمهور للطعن في الترشيحات اذا رؤى ذلك مناسباً؛ كما يجب ان يحدد مرسوم التشكيل الفترة الزمنية الواجب اتمام عملية اختيار المجلس في خلالها، والتي يجب ألا تتعدى الشهر منذ تسلم اللجنة للترشيحات.
في موازاة ذلك يتعين على قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين الانصراف إلى إعداد قوائم المرشحين للمجلس بحيث تشمل كافة المكونات التي فصلنا فيها أعلاه والتي يجب أن تضمن تمثيلاً متنوعاً ومتوازناً لمختلف مكونات المجتمع السوداني.
في هذا الصدد يمكن استكمال إعداد قوائم المرشحين عبر العملية التالية:
* تشاور مكثف داخل مكونات الحرية والتغيير وتجمع المهنيين للاتفاق النهائي على الفئات والمجموعات التي ستحتل مقاعداً في المجلس وحصة كل مجموعة وذلك ضمن نسبة ال67% التيهي من نصيب الحرية والتغيير؛
* التوافق بين الحرية والتغيير والحركات المسلحة والجهات الأخرى ذات الصلة مثل على كيفية التمثيل البرلماني للمجموعات المسلحة؛ اما عن طريق تضمين ما يتم التوصل اليه عبر مفاوضات السلام، او التوافق على ترك نسبة شاغرة من المقاعد يتم تخصيصها لهذه المجموعات والجهات/المناطق التي تمثلها.
* تشاور بين كتلة الحرية والتغيير والمكوّن العسكريفي مجلس السيادة للاتفاق على نسبة ال33% من المقاعد التي ستتشكل من القوى غير الموقعة على الميثاق – ماهية هذه القوى والمجموعات التي ستحتل هذه المقاعد (التي تبلغ مائة مقعد)، وحصة كل مجموعة.
بعد الفراغ من توزيع مقاعد المجلس على المكوّنات والفئات المختلفة والتوافق على حصص التمثيل لكل، تنصرف الجهات واللجان المختلفة لإعداد قوائم المرشحين لمقاعد المجلس حسب الحصص التي يتم التوافق عليها وذلك بواقع 5 مرشحين لكل مقعد برلماني. عند الفراغ من هذه الترشيحات يتم رفع اسماء المرشحين للجنة القومية او مفوضية الانتخابات مصحوبة بمعلومات كاملة حول كل مرشح تشمل، بالإضافة للسيرة الذاتية، الانتماء السياسي او المهني او لأي مكون اخر (مجتمع مدني، شخصيات وطنية، مجموعات شبابية.. الخ)، وذلك حتى تتمكن اللجنة او المفوضية من اجراء الاختيار بين المرشحين على أساس واضح من المعلومات والبيانات الوافية.
إلى ذلك يمكن ان تسترشد اللجنة او المفوضية بالموجهات التالية عند قيامها بالاختيار بين المرشحين:
o الشروط المفترض توفرها في عضو المجلس الواردة في الوثيقة الدستورية؛
o ضمانة تحقق نسبة ال40% من النساء؛
o التوازن الجغرافي؛
o تمثيلية المجلس لغالب اهل السودان مع تنوعهم واتجاهاتهم المختلفة؛
o توافر الحد الأدنى من المعرفة أو الخبرة والوعي السياس التي تمكن المرشح من القيام بدوره (ها) كعضو برلماني.
يتم أخيراً الاتفاق على آلية للطعن في قوائم المرشحين من قبل الجمهور وفق اجل زمني محدد، وسبل الفصل فيها (بواسطة اللجنة او القضاء)؛ ويمكن أن يتم النص على هذه الآلية في قانون او امر تشكيل المجلس، الذى اقترحناه أعلاه.
نقطة أخيرة، من المهم أن يعكس المجلس تنوعاً ديمغرافياً، عرقياً، جهوياً، وطائفياً؛ فضلاً عن التنوع الفكري والأيديولوجي. على أن هنالك ضرورة للابتعاد عن التوجهات الشعبوية التي تسعى لإرضاء العديد من الكيانات والتجمعات التي تمثل أطراً فئوية أو مناطقية، أو التي تنشط في هذه القضية أو تلك، وذلك حتى لا ينتهي الأمر إلى حشد المجلس بالعديد من الكيانات والتجمعات الصغيرة ذات التوجهات المتباينة، بل وربما المتنافرة. فالهدف في نهاية المطاف يرمى إلى إنشاء هيئة تشريعية قادرة على الرقابة والتشريع، وأن تكون منصة للتداول الحيوي حول القضايا الوطنية الكبرى ومحاولة الوصول إلى توافق حولها.

عبد السلام سيد أحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.