كانت الخطة محكمة جداً، وهي أن يُحيلوا كل شيء في الحياة إلى مُحرَّم، وأن يُظهروا الغلظة والشدة في الدين، ليخاف الناس من "الحياة" كلها، وليزهدوا فيما عند السلطان، واحكموا ذلك بأن جعلوا الخروج عليه خروجاً من الدين، يستوجب القتل! ثم قاموا بابتداع مصطلح "فقه الضرورة"! كأداة تطويع adjustment tool! لأحكام الدين، متحدين قوله تعالى (وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ 0لۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلࣱ وَهَٰذَا حَرَامࣱ لِّتَفۡتَرُوا۟ عَلَى 0للَّهِ 0لۡكَذِبَۚ)! الخطوة المنطقية التالية كانت تحويل الدين الى قوانين "صُلبة" تُفرض على الناس بالإكراه، وأصبح المحرم "شرعاً" والممنوع "وضعاً" صنوان لا يفترقان، ومن يخالف تعاليم الدين فقد خالف قوانين السلطان، ومن يخالف قوانين السلطان فقد خالف تعاليم الدين! وبالتالي أخرجوا المسلم من سعة الحياة، وحشروه حشراً في هامش "الضرورة"، فأصبح يخاف كل شيء، ولا يفعل أي شيء، ولأن الانسان يولد حراً، فقد خلق المسلم المهزوم لنفسه "حياة موازية" سوداء وكئيبة، تشبه السوق السوداء! يمارس فيها كل شيء بلا حياء، وبلا ضابط أخلاقي، يسكر ويزني ويختلس ويرتشي، كل ذلك في "خفاء"، ليتحول إلى مدمن ملذات، يستهلك كل شيء، باستثناء العلم والثقافة والفن الراقي "مقومات الإنتاج والحياة الكريمة"! لذلك لا غرابة أن تجد كل الدول المسلمة تعتبر الفقر والجهل، ابتلاء وتتعايش معهما، وتحولت بالتالي كل ثروة البلاد إلى طبقة "المترفين" بواسطة فقه الضرورة، هؤلاء "المترفون" هم الذين لا يُسألون عما يفعلون، لأنهم "فوق المساءلة القانونية"، وكلما زادت هذه الطبقة وتسلطت، اقترب هلاك الدول التي يمتصون خيراتها بمقدار تلك الزيادة وذلك التسلط، إلى أن يكتمل الكتاب، وكنتيجة حتمية تمضي فيهم سنة الله الكونية، فيهلكون ويُهلكون (وَإِذَا أَرَدْنا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)!