كمال الانسان يكمن في نقصه الملازم له! يقول الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، لقد ذهب كثيرون ومنهم #قلبي إلى أن العبادة هي المعرفة، والمعرفة هي النمو! جاء في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)! قديماً كنت استغرب هذا الحديث، وأقول في سري "كيف يحضنا رسولنا على الذنب"! ثم وجدت مشايخ وعلماء يقولون بذلك حتى أن بعضهم يعمد إلى إخفائه! يجب أن نعلم أن التوبة ليست مجرد "إقلاع مفاجئ" عن الذنب كما يعلموننا في مناهج الدين، وإنما هي عملية تعليمية Educational process، بالتالي الأهم من الإقلاع عن الذنب هو تلك المعرفة التي تنشأ عن تجربة الذنب وتجربة الإقلاع! إذا اعتبرنا الذنب على أنه حالة نقص، فإن هذا النقص يولد حالة من التوتر تقتضي توازن جديد "توبة"، لذلك يمكن أن نفهم "فعل" التوبة على أنه عملية "تجاوز للذات"، وهكذا كلما دخل الانسان في تجربة ذنب جديد تولدت حالة توتر تقتضي توازن جديد، وهكذا تصبح حياة الانسان عبارة عن جدل صاعد ينشد الكمال الانساني، وهو ما يشابه عروج النفس عند المتصوفه! يمكن توضيح ذلك من خلال الاستعانة "بتحفظ" بنموذ الجدل الهجلي "الديالكتيك"! اللحظة الأولى – لحظة عدم الذنب – هي لحظة ثبات الانسان، حيث يكون الفرد في حالة استقرار تام، وهنا يجب التنبيه بشدة، إلى أن حالة "الإستقرار" هي حالة "اللانمو" وهي حالة سلبية جداً، والمسلم المستقر هو مسلم "ميت"، حالة الموت هذه هي التي تولد وهم التفوق الكاذب عند أصحاب العقائد، لذلك تجدهم يحقرون من أصحاب المعاصي ويسبونهم تماماً كما يفعل الشيخ التفاف "لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله". اللحظة الثانية – اللحظة الجدلية أو "مقارفة الذنب" وهي لحظة التوتر أو عدم "الاستقرار" في هذه اللحظة يشعر الانسان بألم مقارفة الذنب ويبدأ في المعاناة، والبحث عن راحة نفسية، لما يجد من آثار سلبية في نفسه وجسده، من خسارة ماله ومركزه وصحته وبعده عن ربه أو مثاله الأعلى الذي يشكل حياته! اللحظة الثالثة – وهي" اللحظة" الإيجابية للعقل التي يُدرك فيها الفرد وحدة الجمع بين" الاستقرار القديم" الذي فقده، والمعرفة الحديدك المترتبة عن "خبرة الذنب"، ليدخل في "حالة استقرار جديدة"، يتجاوز فيها ذاته القديمة، وبالتالي يصبح انسان أكثر نضجاً، يمتلك معرفة تعصمه عن مقارفة ذات الذنب، أو على الأقل تقلل من حدته! انظر يا صديقي لهذا الجدل "الديالكتيك" في قوله تعالى (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، ولكن عليك أن تطرح جانباً كل التفاسير القديمة، وأن تأخذ بظاهر القول، على أن النسخ هو "photocopy"، وعلى أن الآية هي كل مخلوقات الله، سيصبح الفهم (ما ننسخ من شيء قديم أو نزيله من الذاكرة وهي الوجود، إلا ونأتي به في صورة أكثر تكاملاً وحسناً، لأن "أحسن منه" تقتضي أن هناك قدر مشترك بين المواضيع المُفاضل بينها)! وإذا تساءلنا عن ذنوب أولئك الذين بلغوا الكمالات الانسانية من الانبياء والاولياء والاصفياء والروحانيين، فإنها تندرج تحت مقولة "توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة"!