منذ مثوله أمام المحكمة الجنائية في يوليو من العام 2020م، سرعان ما انخفضت درجات الاهتمام بالزعيم القبلي علي محمد علي حامد الشهير ب(كوشيب)، ويبدو أن ذلك يعود إلى قرار المحكمة نفسها والقاضي بتأجيل محاكمة الرجل إلى 22 مايو من العام الجاري، وكان واضحاً أن المحكمة ومن خلال الجلسات الإجرائية التي تابعها جميع السودانيين تقريباً، تواجه بعض الصعوبات في المضي قدماً في محاكمة الرجل الذي سلم نفسه طواعية للمحكمة بعد سقوط نظام الإنقاذ الذي كان يحميه من ذلك عقب رفض الرئيس السابق تسليم أي متهم إلى الجنائية واتساقاً مع قولته الشهيرة: (أنا كديس ما بسلمو للجنائية). وكان من الواضح أن الاتفاق الذي تم إبرامه بين الحكومة السودانية والمدعية العامة، حول(كوشيب)، تريد من خلاله المحكمة، العودة إلى مسار القضية مجدداً، وإن كان الاتفاق لم يذكر تفاصيل كثيرة حول الأمر واكتفى بالإشارة لتوقيع مذكرة تفاهم مع مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بشأن محاكمة (كوشيب)، على خلفية اللقاءات التي تمت بين وزارة العدل والنيابة العامة وأجهزة الدولة الأخرى ذات الصلة من جهة، ووفد الجنائية من جهة أخرى، ويبدو أن اتفاق الحكومة والجنائية، يبحث عن مخرج لتقنين الأمر من واقع أن السودان ليس طرفاً في نظام روما، وهو ما يشير إليه سياق الاتفاق، الذي تم التأسيس عليه من خلال ما نصت عليه اتفاقية السلام على مثول المتهمين الذين صدرت في حقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية الدولية، وقالت العدل، إن مذكرة التفاهم تنفيذاً لهذا الالتزام الدستوري، ويقول القانوني د.عبدالله درف ل(الانتباهة) إن اتفاق المحكمة الجنائية والحكومة يبحث عن تقنين للأمر انطلاقاً من علاقة السودان بالجنائية، حتى لا يجد محامي الدفاع ثغرة في الطعن على إجراءات المحكمة، لكونها غير مختصة بالنظر في القضية التي تقع في دولة ليست عضواً، وأضاف درف: (خاصة وأن النظام الأساسي للمحكمة يسمح بالقضاء المختلط، عن طريق محكمة خليط مكونة من قضاة سودانيين وأجانب)، وما ذكره درف يبدو ليس بعيداً عن تفكير المسؤولين في الحكومة، ففي وقت سابق عقد النائب العام الكثير من الجلسات التشاورية مع الأطراف الموقعة على اتفاقية السلام حول أسس ومعايير اختيار مدعي عام جرائم دارفور وفق نصوص الاتفاقية فضلاً عن هيكلة الأجهزة العدلية في دارفور والمنطقتين شاملة النيابة العامة وفق مقتضيات اتفاقية السلام الموقعة. ومع أن مثول (كوشيب)، كان أمراً سهلاً من واقع أنه استجاب للطلب ورمى بنفسه في سجون الجنائية الباردة، إلا أن الصعوبات ربما تظهر مستقبلاً في عملية المحاكمة، من واقع إمكانية إثبات التهم على الرجل في قضية مرت عليها عشرات السنوات، وكان ذلك واضحاً من خلال مبررات التأجيل التي دفعت بها الجنائية في قضية (كوشيب) إذ أشارت إلى أنه بعد النظر في مذكرات الأطراف وحججهم ومراعاة اعتبارات الإنصاف العامة وسرعة الإجراءات، وحقوق المشتبه فيه، وحماية المجني عليهم والشهود والأشخاص الآخرين المعرضين للخطر، وظروف القضية، بغية ضمان سلامة المجني عليهم والشهود وأمنهم بشكل عام، رأت الدائرة أن من الملائم تأجيل جلسة اعتماد التهم، وقالت المحكمة حينها إن الغرض من جلسة اعتماد التهم هو تحديد ما إذا كانت ثمة ما يكفي من الأدلة لإثبات وجود أسباب جوهرية للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب كل جريمة من الجرائم المتهم بها، وهنا يرى الصادق علي حسن المحامي، في مقال كتبه سابقاً أن ثمة قصوراً ظهر بأداء الادعاء الجنائي بمحكمة الجنايات الدولية في قضية الاتهام في مواجهة المتهم (كوشيب) المنظورة أمام محكمة الجنايات الدولية وفي القصور والثغرات التي شابت قضية الاتهام ما لم يتم تلافيها ما قد يستفيد منها المتهم (كوشيب) وبالتالي إمكانية إفلاته من الإدانة المحتملة ومن العقاب لعدم كفاية الأدلة، وهنا يلفت الصادق إلى قضية الرئيس الكيني أوهورو كينياتا أمام محكمة الجنايات الدولية، الذي واجه فيها تهماً بتدبير جرائم إبادة جماعية عرقية قتل فيها أكثر من الف ومائتي شخص في أعقاب الانتخابات التي أجريت بكينيا في عام 2007م والذي سلم نفسه لمحكمة الجنايات الدولية في عام 2014م فشل الادعاء في إثبات التهم المنسوبة لأوهورو أمام المحكمة وشطبت الدعوى الجنائية ضده لعدم كفاية الأدلة بالرغم من أن كينياتا الابن من خلال كل تقارير المنظمات الدولية والوقائع المروية بكينيا هو المسؤول الرئيس عن مقتل الضحايا. وبخلاف الأدلة والبراهين، هناك من يعتقد أن محاكمة كوشيب وقيادات النظام الأخرى، قد تواجه صعوبات تتعلق بقضية التمويل، بعد أن أصدرت الولاياتالمتحدة ضدها قرارات خلال فترة الرئيس ترامب، وفقاً لدكتور عبدالله درف أن المحكمة لديها مشكلة تمويل، وأن زيارة المدعية الأولى إلى السودان كانت بغرض البحث عن تمويل لإجراء المحاكمات، وأشار درف إلى أن المحاكمة من الممكن أن تجرى هنا في السودان لتقليل النفقات، إضافة إلى ذلك يعتقد درف أن محاكمة (كوشيب) قد تواجه بصعوبات تتعلق بالأدلة، بعد مرور سنوات إن كانت هناك بيانات تكون قد طمست، وأضاف: (موقع الجريمة لا توجد فيه أية بيانات، كيف سيتم جلب شهود كانوا حاضرين واقعة مرت عليها 30 عاماً). وليس ببعيد عن ذلك تأتي إفادة المحامي الصادق الذي يقول إنه من المؤسف حقاً هنالك العشرات الذين تقدموا لمكتب مدعي محكمة الجنايات الدولية لاتخاذ الشهادة المبذولة سبباً للهجرة إلى أوروبا وقد لا تكون لهؤلاء أية علاقة أو معرفة بالجرائم المرتكبة وهؤلاء إذا طلبوا الآن تأدية الشهادة قد يتعذروا بأسباب تمنعهم أو على أحسن الاحتمالات قد يطلبوا تقديم شهاداتهم بتغطية الوجه بقناع لا يظهره كما حدث في قضية أوهورو كينياتا بحجة عدم التعرض للانتقام وكان ذلك من أسباب إضعاف قضية الاتهام ضد أوهورو كينياتا.