شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصالحة التاريخ السوداني مع تاريخ الفكر و مصالحة الدكتور عبد الله الطيب مع إليوت..
نشر في الراكوبة يوم 11 - 03 - 2021

لارادة الالهية أم العقلانية و ارتياد الانسان لمسيرته التراجيدية المأساوية بلا قصد و لا معنى في اعتماده على نزعته الانسانية عبر تجربة الانسان و ضمير الوجود. هنا تتلاقى أفكار جون لوك الأب الشرعي لليبرالية السياسية مع أفكار توماس بين. جون لوك في مقته عدم فصل الدين عن الدولة كما مقته للإلحاد و توماس بين في مقته للكنيسة في تمسكها بالسلطة و كذلك تمسك الأسر المالكة و الاستعمار كما كانت بريطانيا في استعمارها للولايات المتحدة لذلك يجهل كثر أثر جون لوك و فضل فلسفته على تاريخ الليبرالية الأمريكية في فصلها للدين عن الدولة حيث يصبح للفرد مستويين من الاجتماع مجتمع بين الفرد و ربه بعيد عن تجار الدين و وعاظ السلاطيين و مجتمع يصترع فيه الفرد مع المجتمع مع خصوصية تاريخ أمريكا في أثر صراع الأعراق و استمراره الى لحظة خطبة مارتن لوثر في ستينيات القرن المنصرم.
جون لوك في كتابه رسالة في التسامح يحدثنا قائلا بأن لا نتحدث عن التسامح في ظل خطاب ديني فلا يمكن لأي دولة دينية أن تتحدث عن التسامح و هنا يظهر لنا استهبال النخب السودانية عندما تتحدث عن التسامح و هي خانعة لأسر أحزاب الطائفية أو سلفيين أو أتباع الحركة الاسلامية السودانية فلا يوجد تسامح أبدا في ظل خطاب ديني و هنا يغيب كليا أفق تصالح تاريخنا الأقتصادي و تاريخنا الاجتماعي مع تاريخ أفكار الشعوب الحية في تفهمها لمفهوم السلطة في ظاهرة المجتمع البشري ففي أي مجتمع بشري كانت السلطة سابقة للأديان و جاءت لحظة قد أصبح فيها الدين يلعب دور السلطة و ها هي البشرية اليوم تتخطى فكرة دولة الارادة الالهية و هي في مستوى الدولة الأمة أو الدولة الوطنية و تتهئ الآن للابحار باتجاه الدولة الحقوق في سبيل ترسيخ فكرة العيش المشترك و هنا يمكنك أن تطرح السؤال لماذا تأخرنا كثيرا في مسألة مصالحة تاريخنا السوداني مع تاريخ الأفكار عند الشعوب الحية و هو تاريخ يعتبر مختصر لتاريخ البشرية كافة رغم مماحكات عبدة النصوص و عبدة الوثيقة المقدسة من المؤرخيين السودانيين في انبهارهم بالمنهجية التاريخية؟
و الاجابة لأننا ما زلنا يسيطر على مكتبتنا السودانية فكر نتاج بحوث المنهجية التاريخية و ما زال يسيطر على رفوف مراكز بحوثنا كتّاب المنهجية التاريخية لذلك تجد من بين مفكرينا الأكثر شهرة هم من ما زالوا في وحل المنهجية التاريخية و تجد كتّاب رجال دين و الكتّاب الدبلوماسيين و العسكر في وقت فارقت فيه مراكز البحوث لما يقارب القرن المنهجية التاريخية و قد حلت محلها مدرسة الحوليات و قد غيرت ملامح مراكز البحوث و قد خلفت على أقل تقدير التفكير النقدي الذي يقود مراكز البحوث اليوم
أدم اسمث و فك ارتباط الاقتصاد بكل من الفلسفة و الدين. بالمناسبة يجب ملاحظة تزامن صدور كتاب ثروة الأم لأدم اسمث مع تاريخ استقلال أمريكا عام 1776 و الحدث الآخر في تزامنه مع صدور كتاب أدم اسمث و استقلال أمريكا هو بزوغ فجر الثورة الصناعية و هنا ينبغي ملاحظة تحول المفاهيم و هنا يكون دور الريادات الواعية في تحديد لحظات انقلاب الزمان و كيفية صياغ ما يتناسب معها من أفكار لذلك نجد أن أدم اسمث في حديثه عن اليد الخفية قد استلف هذا المصطلح من كتابات وليم شكسبير في ابداعه في مكبث حيث نجد اليد الخفية في أفكار أدم اسمث في فكرة الاقتصاد الحر و قدرته على توازنه التلقائي فاليد الخفية لأدم اسمث في فكره الاقتصادي ماهي إلا اليد الخفية لشكسبير في كتابه مكبث.
لا تستغرب ايها القارئ عندما تجد أن شارلز ديكنز في قصة مدينتين أختار لها العام 1776 لأنه عام بزوغ فجر الثورة الصناعية و عام ظهور كتاب أدم اسمث ثروة الأمم و فوق كل ذلك عام استقلال أمريكا و هنا نلاحظ علاقة الأدب بتاريخ الفكر السياسي و الاقتصادي و رصده مهم جدا في تحديد ازمنة تحول المفاهيم و كيفية الاستدلال بها على مسيرة الانسانية مثلا كثر من علماء الاجتماع يستدلون بقصيدة الأرض اليباب لتوماس استرينز إليوت على أنها تمثل آخر أشعة خروج الدين نهائيا من أن يلعب دورا بنيويا على صعد السياسة و الاجتماع و الاقتصاد فماذا تقول ايها القارئ عن تحذير الدكتور عبد الله الطيب للقراء من أشعار إليوت و التأثر بها؟.
و عندما نتحدث عن أدم اسمث و قدرة أفكاره على فك إرتباط الاقتصاد بكل من الفلسفة و الدين قطعا يتبدى لنا تأثيره على عمانويل كانط و تأثره بأفكاره في كتابه السابق على ثروة الأمم و أقصد كتاب أدم اسمث نظرية المشاعر الأخلاقية و فيها نجد نزعتها الانسانية و عقلانيتها حيث يصفها أدم اسمث بمجد العقلانية و ابداع العقل البشري و هنا نجد أدم اسمث يلتقي مع فكر جون لوك و توماس بين في مسألة فصل الدين عن الدولة و أدم اسمث في الأساس فيلسوف أخلاق و هو بأفكاره من فتح الطريق لعمانويل كانط أن يتحدث عن أن الدين يبدأ بعد حدود العقل و من هنا لم تعد الميتافيزيقا أرض معركة في فكر عمانويل كانط و انفتح الطريق للحديث عن الأخلاق.
نجاح عمانويل كانط في جسر الهوة مابين الفلسفة المثالية الالمانية مع التجريبية الانجليزية هو ما جعله يتفوق على ماركس حينما فشل في جسر الهوة ما بين المثالية الألمانية و التجريبية الانجليزية و خاصة في محاولته فيما يتعلق بنظرية القيمة لديفيد ريكاردو. لم يستطع ماركس تخطي لاهوتية و غائية و دينية الهيغلية بعكس عمانويل كانط عندما استند على أفكار كل من أدم اسمث و ديفيد هيوم. لذلك نجد عمانويل كانط و بفضل فلسفة أدم اسمث في نظرية المشاعر الأخلاقية قد وصل لفكرة أن الانسان عقلاني و أخلاقي و أن الانسانية التاريخية تنبني على الأخلاق و ليس على الدين و بالمناسبة هنا يتلاقى عمانويل كانط مع علم اجتماع منتسكيو و من فكرهم نجد ماكس فيبر قد شن هجومه و اشتد نقده للماركسية و الهيغلية و عبر هذه الأفكار نجد انتصار فكرة العقد الاجتماعي عند فلاسفته عمانويل كانط و جان جاك روسو و منتسكيو و توكفيل و آخرهم جون راولز في نظرية العدالة.
فأفكار الكانطيين الجدد في انتصارهم للعقد الاجتماعي انتصار لفكر الليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية و قد أصبحت تمثل أقاصي التاريخ الذي لا يتوج. عكس أوهام الماركسية فيما يتعلق بنهاية التاريخ لذلك أيها القارئ ينبغي أن تنتبه لتاريخنا السوداني غير المتصالح مع تاريخ الأفكار للشعوب الحية بعد أن أصبح مختصر لتاريخ البشرية و لا تضللك أفكار من أدمن تعاطي الوثيقة المقدسة و أصبح في انبهاره بالمنهجية التاريخية أضخم أصنامنا الذهنية فأنه يفتقر الى التفكير النقدي و لكنه قوي بروح الشلليات و المجاملات و الأخوانيات التي ساعدت على كساد الفكر في السودان و من علامات كساد الفكر في السودان عندما يتغنى الأفندي المضاد في شتمه للبرجوازي الصغير حتى صارت البراجوزية سبة في وقت لا يمكن أن يكون أي تحول اجتماعي و تحول ديمقراطي في غياب البرجوازية الصغيرة فلم تنجح أفكار مارتن لوثر في القرن السادس عشر قرن الاصلاح الديني الا عندما تصادفت مع رغبة البرجوازية في التغيير.
العقلانية ذات دور مهم جدا في فك ارتباط الدولة كمفهوم حديث من الدين كما فك أدم اسمث ارتباط الاقتصاد من كل من الفلسفة و الدين. مفهوم الدولة كمفهوم حديث هو نتاج فكرة العقلانية فالعقلانية هي الأم الشرعية للدولة كمفهوم حديث مع شقيقتها العلمانية و بها يتشح الانسان التاريخي و بالعقلانية يصبح أخلاقيا يرى امكانية بناء المجتمع على الأخلاق و ليس على الدين و بالتالي لم يعد الأنسان أسير علاقة العقل و التاريخ كما انشغل فكر الهيغلية و الماركسية و قد وصلا الى غائية و لاهوتية لا تختلف عن الأديان و لهذا السبب قد أصبحت الهيغلية و الماركسية كدين بشري أفشل من الأديان في انفتاحهما على نظم شمولية بغيضة عندما كانتا في مجافاة مع فكرة الذات و الموضوع بعكس ما كانت تعتقده الهيغلية و الماركسية فيما يتعلق بمسألة العقل و التاريخ و بالتالي يصبح الخط المعاكس للهيغلية و الماركسية هو ما يتعلق بالعقلانية و الأخلاق و لا يتحقق بغير معادلة الحرية و العدالة و هنا تتبدى لنا أهمية الليبرالية السياسية و الاقتصادية.
و بالمناسبة كانت الفلسفة الفرنسية أسيرة تحت قبضة الفلسفة الألمانية و لكن بفضل فلاسفة بقامة ريموند أرون في خمسينيات القرن المنصرم و غيره من الفلاسفة الفرنسين الذين فارقوا عمى الشيوعية كأيديولوجية متحجرة مثل كلود لوفرت و قد ساعدتهم مسألة فن القرأة في فك ارتباط الفلسفة الفرنسية من هيمنة الفكر الشيوعي و بالتالي قد تلاشت أوهام سارتر عندما كان يظن بأن الشيوعية أفق لا يمكن تجاوزه فمسألة مصالحة تاريخ السودان مع تاريخ الأفكار مفهوم مهم جدا فمثلا نجد أن فرنسا قد خاضت معاركه منذ خمسينيات القرن المنصرم بل قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني عندنا في السودان من أجل تحرير الفلسفة الفرنسية من قبضة الفلسفة الألمانية و عليه ان تحقيق مصالحة تاريخنا السوداني مع تاريخ الأفكار لدي الشعوب الحية لا يكون بغير تجاوز فكر تلاميذ يوسف فضل كمؤرخيين ما زالوا تحت نير المنهجية التاريخية و نجدهم اما في لجؤهم الى أحزاب اللجؤ الى الغيب في طائفية الأحزاب السودانية أو في لجؤهم الى نسخة متحجرة من الشيوعية السودانية.
تمرحل و تحول المفاهيم من فكرة الدولة الارادة الالهية الى فكرة الدولة الأمة التي تتهئ للدخول على فكرة الدولة الحقوق قد أخذ زمن طويل في تاريخ الشعوب الحية ابتداء من القرن السادس عشر قرن الاصلاح الديني و ما أفرزته تجربة الانسان و قد أصبحت ممر إلزامي يفضي الى الأفق الذي لا يمكن تجاوزه و هو انفتاح مسيرة الليبرالية السياسية على اللا نهاية أي فكرة أن تاريخ البشرية قد توج بالتاريخ الذي لا يتوّج فمعادلة الحرية و العدالة قد أصبحت ديناميكية المجتمع البشري في مقاربات ما يواجه مسيرة البشرية من صعاب تجابه الانسانية فيما يتعلق بالحرية و العدالة بعيدا عن فكرة نهاية التاريخ و نهاية الصراع الطبقي فزماننا زمن الفرد و العقل و الحرية و قد أصبحت فكرة الشرط الانساني أي الفكر السياسي كالعمود الفقري و عندما نتحدث عن فكرة الاقتصاد و المجتمع في نظر ماكس فيبر فلم يعد الوطن كمسألة دينية و لم تعد المجتمعات على قياس الدين بل قد أصبحت تحت ظلال الأخلاق و السيادة مستمدة من الشعب و ليس من الدين لأن المجتمع مكون من أفراد لذلك تظهر مسألة الحرية و العدالة و لا يكون كل ذلك بغير العقلانية و العلمانية كأساس لمفهوم الدولة الحديثة.
تعلق النخب السودانية بفلسفة التاريخ التقليدية و مجافاتهم لفلسفة التاريخ الحديثة التي ابتدأت منذ عام 1889 جعلهم صيد سهل في شباك أحزاب الطائفية و الحركات الاسلامية و السلفيين و نسخة الشيوعية السودانية و بالمناسبة غياب أشعة فلسفة التاريخ الحديثة من رفوف المكتبة السودانية قد أفضى للكساد الفكري المسيطر على مشهد الفكر الآن في السودان و هذا ما أدى لغياب العقلانية التي تنتج الوعي و المعنى بمفهوم الدولة الحديثة و شقيقتها العلمانية لذلك يمكننا أن نستدل على تدني مستوى وعي النخب السودانية منذ فجر مؤتمر الخريجيين و حتى لحظة قيام الأحزاب السودانية فأغلب النخب السودانية قد دخلت الى العمل العام على ضؤ فلسفة التاريخ التقليدية و على جهل تام بفلسفة التاريخ الحديثة لذلك ما زالت المماحكات فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة الى لحظة تعثرها بما طرحه عبد العزيز الحلو.
و هناك مؤشر آخر مهم جدا يدلك على أن النخب السودانية لم تعرف الطريق لفلسفة التاريخ الحديثة حتى لحظتنا الراهنة و هو عدم قدرة النخب السودانية لتأسيس فكر يفتح على نمط الانتاج الرأسمالي بل تجدهم الى اللحظة يتحدثون عن الديمقراطية و لكنهم لا يؤمنون بالليبرالية السياسية بل ما زال كثر منهم يتحدثون عن ثورة في الثورة على هدى أفكار ريجيس دوبريه منذ ما يزيد على نصف قرن و يتحدثون عن لينين و كوبا في أواخر خمسينيات القرن المنصرم و كأنهم لم يسمعوا بما كتبه ريجيس دوبريه بعد كتابه ثورة في الثورة أو لم يسمعوا بزوال جدار برلين و بالتالي لم يسمعوا بأن فلسفة التاريخ الحديثة قد بدأت برفض كل من الهيغلية و الماركسية بعد ما أصبحت لا تجذب غير المثقف المنخدع بماركسية ماركس.
فلا يمكن أن تتحدث عن التحول الديمقراطي و تخوضه بأحزاب وحل الفكر الديني من طائفية و سلفيين و حركة اسلامية و نسخة الشيوعية السودانية و هذا يذكرنا انتقاد منصور خالد لحقبتهم بعد فوات الأوان حيث كانت النخب في العالم العربي و الاسلامي تؤمن بأن التنمية الاقتصادية في دول العالم الثالث يمكن تحقيقها عبر نظام الحزب الواحد و تحت ميول النخب بأتجاه الفكر الاشتراكي و هيهات. فلا يمكن للشعوب في العالم الثالث أن تحقق التحول الديمقراطي بغير الوعي بنمط الانتاج الرأسمالي و تحت اشراف أحزاب تؤمن بالليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية و هذا لا يتطابق مع أوصاف أحزابنا السودانية الغارقة في وحل الفكر الديني بما فيها نسخة الشيوعية السودانية كدين بشري أفشل من أحزاب الطائفية و الحركات الاسلامية.
نظرية المشاعر الأخلاقية و فكرة النزعة الانسانية و القطيعة مع التراث التي لم تجد أذن صاغية وسط المفكرين في السودان نجدها قد إلتقطتها عبقرية الشعب السوداني فيما يتعلق بمسألة تقدم الشعب و سقوط النخب في انجاز ثورة ديسمبر عندما كان شعار عطبرة العبقري كل البلد دار فور فقد وضحت مشاعرهم الأخلاقية فيما يتعلق عن وقوفهم بجانب ضحايا الحرب التي أنتجها خطاب النخب الغارق في وحل الفكر الديني و نجده الى لحظة كتابة هذا المقال أي خطابهم الديني الذي يخلد و يأبد فلسفة التاريخ التقليدية و نجده في حوار الدولة المدنية بعلمانية محابية للأديان في محاولات محمد ابراهيم نقد و المؤالفة بين العلمانية و الدين في مجهود النور حمد و المساومة ما بين يسار سوداني رث و يمين سوداني غارق في وحل الفكر الديني للشفيع خضر أو مهادنة للطائفية و النسخة السودانية للشيوعية للحاج وراق أو لاهوت التحرير عند حيدر ابراهيم علي و كلهم تحت تأثير فلسفة التاريخ التقليدية كأنهم لم يسمعوا بفكرة زوال سحر العالم لماكس فيبر في نقده للايمان التقليدي.
زوال سحر العالم و خروج الدين حيث لم يعد كجالب لسلام العالم و فكر الكانطيين الجدد و ماكس فيبر و العقد الاجتماعي حيث يفترض عقلانية الانسان و أخلاقيته و هنا يلتقي كانط بأدم اسمث و ديفيد هيوم و ماكس فيبر في مسألة أن يصبح الدين في مستوى دين الخروج من الدين و لا يعني ذلك ترويج للإلحاد بل أن يصبح للفرد مستويين من الاجتماع حيث اجتماع ما بين الفرد و ربه دون وساطة تجار الدين و وعاظ السلاطيين و اجتماع ما بين الفرد و مجتمعه حيث يصترع فيه على أساس معادلة الحرية و العدالة.
و لا تتم مصالحة تاريخ السودان مع تاريخ فكر المجتمعات الحية إلا بعيدا عن تاريخ جوارنا الذي لم ينتج غير الدولة الريعية و لا يكون بغير ترسيخ مفهوم مجتمع بأفق لا يمكن تجاوزه في قيامه على العقلانية و النزعة الانسانية و القطيعة مع التراث و ترسيخ لفكرة معادلة الحرية و العدالة بعيدا عن كل فكر غائي لاهوتي ديني كما نجده في فكر أحزابنا السودانية في لجؤها الى الغيب أم في نسخة الشيوعية السودانية و هذه هي اللجة التي قد غرق في وحلها الأذكياء من أبناء الشعب السوداني و هنا يتضح هدفنا في مصالحة تاريخ السودان الاجتماعي و الاقتصادي مع تاريخ فكر الشعوب الحية و أقصد تاريخ فكر الليبرالية السياسية و تاريخ الفكر الاقتصادي و لا تكون المصالحة بغير رفض كل من الهيغلية و الماركسية.
ان الشيوعية كدين بشري مع النازية و الفاشية ما هي إلا ظاهرة محاولة أفكار القرون الوسطى كفكر ديني لمعاودة الظهور من جديد في اصرار عجيب لذلك نجد ان نسخة الشيوعية السودانية هي نسخة دين بشري يوازي أتباع الحركات الاسلامية و الطائفية و تجعل أتباع النسخة الشيوعية السودانية في مستوى فهم متساوي مع أتباع الطائفية و السلفيين و أتباع الحركة الاسلامية في عدم مقدرتهم على الخروج من وحل الفكر الديني و عدم مقدرتهم على مفارقة فلسفة التاريخ التقليدية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.